الصحيفة البوليسية(3)

ثمة إرتباك ربما لا يبدو جلياً للقاريء وربما هو معلوم لدى الوسط والمراقبين في حالة الخوف التي فيها صاحب التيار، فالحالة يمكن تأريخها ما بعد حادثة الإعتداء عليه بمباني الصحيفة من قبل مجموعة مجهولة ، وبالرجوع الى ارشيف الصحيفة طيلة شهر ما قبل الحادث نكاد لا نجد في أعدادها ما يبرر الهجوم على الصحيفة ثأراً على ما يشي بمساس بجهة بعينها اصابها مداد قلم رئيس التحرير، اللهم الا سيرة ـ السروال ـ وهو كقميص عامر لم يُنسب لصاحب ولو انه قطع بهوية السروال كما وسم أديبنا الأستاذ علي الرفاعي روايته ـ( من يشتري سروال أبي؟) لفُضت سيرة السروال! فقد درج صاحب ـ حديث المدينة ـ القيام بدور الناصح الأمين للسلطة عبر عرضه للإخفاقات مع تكرمه للإشارة لباب الخروج من الأزمة وهو أمر مألوف لدى كل الكتاب ولا نرى انه مخالفاً في نهجه للأقلام الزميلة بصحافتنا، ولأن ذلك كذلك فبديهي أن تتسع دائرة الخوف مع إتساع التأويلات..هنالك أقلام لو وسوس لهم ما يكتبون لاستعانوا لدى خروجهم الى الشارع بقوات التدخل السريع منهم الاستاذ محمد وداعة الذي تميزت كتابانه بالارقام والاسانيد التي ترغم المستَهدَف على الإستسلام بـ(الآن حصحص الحق.. تعالوا خذوني) هو كذلك محمد وداعة لا يجنح لإستعراض ثقافته أو رصيده العلمي والمعرفي علما بانه مهندس وله تجاربه السياسية وخبرته التنظيمية ومثله اقلام أخرى ومع ذلك يمشون في الاسواق ويجالسون عامة الناس على بنابر بائعات الشاي ويتحسسون همومهم وقضاياهم.
ما سبق يزيد من غموض حالة الخوف الالى قاعدة عسكرية ممنوع الاقتراب منها والتصوير، وحاله اليوم كحال السفارة الامريكية بموقعها القديم على شارع علي عبد اللطيف ففي قمة وسواسها القهري اغلقت الشارع من طرفيه لا لشيء سوى مخاوفها منتجة السؤال الشهيرـ (لماذا يكرهوننا؟) أما هذه الصحيفة البوليسية فقد خالفت مألوف الصحف السودانية بعزلتها المجيدة وبسياجها المنيع في وجه الزوار من أصحاب المناشدات والقضايا وما أكثرها، ولا غرابة في ان ميرغني يتمظهر في كتاباته بالمدافع عن قضايا المواطن والمطالب بخدماته الى يوم ـ السروال.
المواطن الذي يتخير في معادلته الصعبةـ (الصحيفة أم الرغيفة؟) مرجحا الاولى.. فكيف يستقيم الأمر وأنت كصحيفة تحتمي بالسلطة/ الشرطة! فمنذا الذي يحمي المواطن صاحب الحق الضائع المضيع في مأكله ومشربه وصحته وتعليمه ومواصلاته…؟ من للمواطن في هذا الجحيم وقد نأيت أذ نأيت عنه لتجلس بمكتبك لتتابع الفضائيات وتنتظرها تأتيك سعياً طلباً لتحليل قضايا البلاد والعباد، فما عساك تقول لهم غير عِلكة يمضغها غيرك لتعلكها أنت مجدداً في مقارناتك حال سوداننا مع دول الغرب وكل ما يبهرك الخارج وصولا الى ربطة العنق الأشهر!! من يجير المواطن البسيط وقد إحتمت السلطة الرابعة بقلاعٍ لا أحسبها حصينة ولنا في شهيد الكلمة والصحافة ـ محمد طه ـ عليه الرحمة عبرة وقد إختطفوه من داره لا من مبنى الصحيفة ليموت بطلاً وهو الذي إستشهد فداء لما يؤمن من مباديء وشتان ما بين الشعار والإتجار.
بلغني ما دار بإجتماع رئيس التحرير بالمحررين عقب تقرير المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية وإستعراضه لتقرير التحقق من الإنتشار للعام 2014م ، فكان ان تساءل زميل عن سبب إحراز الصحيفة مركزاً متقدماً في الأعوام السابقة بينما تراجع أداؤها هذا العام ،علما بأن عدد المحررين الآن قد تضاعف عن السابق؟ السؤال نتركه مشرعاً في وجه الصحيفة البوليسية.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..