مقالات سياسية

آلة حاسبة ..!

منى أبوزيد

«إن القانون – في مساواته العظيمة! – يمنع الفقراء كما يمنع الأغنياء من النوم تحت الجسور، والشحاذة في الشوارع، وسرقة الخبز .. أناتول فرانس ..!
حكاية هندية ملهمة تقول: إن رجلاً كان يجلس في أحد المطاعم، وقبل أن يشرع في تناول الطعام لاحظ أن طفلين فقيرين كانا ينظران إلى صحن طعامه من خلف زجاج المطعم، فنهض من مقعده، ودعاهما إلى مائدة طعامه .. بعد انصرافهما، طلب الرجل فاتورة الحساب، فوجد أن صاحب المطعم الذي كان يرقب الموقف عن كثب قد كتب عليها الجملة الآتية: «نحن لا نمتلك آلة حاسبة تستطيع أن تحسب ثمن الإنسانية» ..!

هنالك حكاية سودانية أكثر فداحة – تقول إن حوالي سبعمائة ألف طالب بمدارس الأساس ولاية الخرطوم يخرجون كل صباح بلا وجبة إفطار .. يحدث هذا ببساطة لأن ولاة أمورنا قد اعتبروا الدين تراثاً وليس كسباً .. ولأنهم ـ والحق أوجب أن يقال ـ يتعاملون مع أرواح نصوص القرآن والسنة من وراء حجاب الأسانيد والعنعنة، ويتعاطون مع قيمة أرواح المواطنين الفقراء من خلف غلالة المبررات والفهلوة ..!

الخطب التي تحث على الإنفاق تملأ أركان المساجد .. والصدقات تخرج من جيوب المحسنين طوعاً أو كرهاً .. لكنها آفة الفرق بين الحرص على إقامة الشرع والاكتفاء بتأدية الشعائر .. مشكلة الفقر في بلادنا ليست في إحجام الناس عن أداء فريضة الزكاة أو إخراج الصدقات، بل في غموض أو عشوائية أوجه إنفاقها، ومدى استحقاق من تذهب إليهم لمبدأ الصدقة ..!

مثل هذه الإحصائيات الصادمة توجع كل ضمير حي، والأهم من ذلك أن العمل على محاربة أسبابها شأن يخص كل مواطن يخرج في تصنيفه الاجتماعي عن دائرة الفقراء والمساكين .. هي إذا مسؤولية اجتماعية جماعية .. جماعية .. هي مسؤولية الإنسان تجاه أخيه الإنسان .. لذا – وبعيداً عن إدعاءات المسؤولين ومبررات الحكومة – نحن في هذا البلد بحاجة إلى أن يتبنى المسؤولون حقاً من مختلف فئات هذا الشعب برامج توعوية جادة لتعميق أوجه الإنفاق المثمر، وغرس ثقافة ترشيد التبرع والإنفاق ..!

الجوع في هذا البلد يحتاج عوناً ذاتياً والتفافاً شعبياً حول أصل المشكلة .. لا يعقل بأية حال أن يبيت الشحاذون الذين يمتهنون التسول وهم متخمون، بينما المتعففون جوعى ..!

دعك من هذه الحكومة .. أوقد شمعتك الذاتية .. ولا ضير أبداً – في أن تستمر في لعن هذا الظلام .. ضع في حسبانك مثلاً أن وضع قطعة عملة معدنية في صناديق المؤسسات الخيرية التي تجدها في معظم المتاجر أولى من التصدق على شحاذ تراه يمتهن التسول كل يوم أمام تلك المتاجر ..!

دعك من معظم المحتالين الذين يقتحمون مسجد الحي عقب كل صلاة، أجر بنفسك مسحاً ميدانياً على حراس المنازل تحت التشييد في منطقة إقامتك .. قم بإحصاء عدد الفقراء المتعففين خلف كل باب مغلق .. إدفع لهؤلاء ببعض أموالك .. وادفع لأولئك ببعض طعامك النظيف الساخن بطريقة تحفظ كرامتهم .. بعض المخابز توفر خدمة مجانية لأجر مناولة الصدقة .. لن يؤثر كيس آخر من الخبز تعلقه في بعض الأحيان على جدار مخبز الحي – بانتظار فقير جائع – على ميزانيتك المثقوبة سلفاً، وعلى أية حال ..!

لا يعقل أبداً أن يقتطع معظم الآباء من كل الطبقات شيئاً من ميزانية إنفاقهم لصرفها على حفلات تخريج صغارهم من رياض الأطفال، ومدارس الأساس، بينما أطفال غيرهم لا يجدون ما يسد رمقهم في وجبة إفطار ..!

بعض صور الظلم في هذا المجتمع ما عادت محتملة .. ومعظم الناس في هذا البلد بحاجة إلى صحوة ضمير، تمسك بهم من أكتافهم، وتهزها هزاً بحثاً، عن بعض الإنسانية ..!

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. هذا اكثر مقال لك يحتاج لانهائه ب(قفلتك المتكررة): فهل من مدكر ؟؟ رغم انك تكتبيها خطأ.

  2. الاطفال اصحاب المصارين البيضاء يتخرجون من الرياض 2000 او 3000 جنية علي حد علمي في الصالات المكيفة اللهم لا حسد في حين ان اندادهم لا يجدون رغيفة تسد جوعتهم هذه المفارقات في السودان كثرة في كل شي وعلي ذلك قس , هل العدالة الاجماعية والتراحم بين بني البشر مسئولية الحكومة ام الشعب كافة .

  3. لن يستقيم حال هذا البلد مالم يتم تطبيق الضمان الاجتماعي. شاهدت صوراً بالأبتيض والاسود ملتقطة في منتصف ستينات القرن الماضي،- بل أن بعضها كان في عام عام 1967م- لأحياء لندن الفقيرة وأطفالها الفقراء الجوعى. أنه أمر لا يصدق!! الأطفال يشبهون شخصية أوليفر تويست لتشالز دينكز جوع، وفقر، وفاقة، وملابس منشورة على حبل داخل المطبخ، وطناجر طبخ سوداء اللون من شدة اللهب واطفال متسخين بسبب عدم وجود المياه الساخنة…………..

    حتى دور الزكاة المقامة في كل مدينة في السودان على بنايات زجاجية فخيمة لم تستطع صرف الزكاة في مصارفها الشرعية، إذ قيل أن بعضها دفع قيمة إنشاء محطة تلفزيونية عداً نقداً وبالدولار!!!!!!

    محاربة الفقر لا تُحل بأرغفة خبر تعلق على باب أحدهم ولا عبر برنامج (بنك الثواب)، ولا بزيارة المليونير وفلان وعلان لبيت المسنين. محاربة الفقر تتم عبر مكافحة البطالة، وتدشين برنامج ضخم للرعاية الاجتماعية، يأخذ من الغني زكاته وضرائبه ويمنحها للفقير في شكل خدمات وأموال وتوظيف…. غير ذلك نظل نحارب في طواحين هواء الفقر في دائرة مفرغة، لا تنتهي حتى يموت الفقير………..

    أما مسألة أن أحدهم يدفع ثمن تخريج ابنه في حين أن بقية الأطفال لا يجدون ثمن وجبه إفطار فهذا قياس خاطئ ولو استخدمناه لجردنا كافة الأغنياء من أموالهم…… إذ كيف لفلان أن يمتلك طائرة في حين أن جاره لا يملك ثمن سيارة…. وكيف لفلان أن يتعالج بالأردن ولندن وفلان جاره لا يملك ثمن إبرة ملاريا…. هذا مقياس خاطئ يعلق المشكلة على رقبة الأغنياء أو من تتصورين أنهم أغنياء وتعفي الحكومة بكامل جلالها والشركات الضخمة من المسئولية الاجتماعية أو العقد الاجتماعي المناط بها …………

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..