تفكير الإنسان الآلي ..!!

:: بسورة النمل، قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الهدهد .. فالقائد نبي الله الكريم يتفقد جيشه العظيم، و لايجد الهدهد في صفوف الجيش، و يغضب ويعزم على عقابه لغيابه بغير إذن ..و كان الهدف من الجيش العظيم نشر دين الله، وتحطيم كل ما لايُعبد سواه ..ثم يأتي الهدهد، ويقف على مسافة غير بعيدة، ويخاطب القائد مطمئناً ويُخبره بالنبأ العظيم، وعن مملكة سبأ وملكتها وأهلها الذين يسجدون للشمس ..ويأمره القائد بالعودة إلى المملكة برسالته ثم يرجع إليه .. وتتواصل أحداث القصة، وتنتهي باسلام ملكة سبأ ورعيتها بغير قتال ..!!

:: وكثيرة هي عبر و دروس القصة، ولكن أقواها روح المبادرة التي أدخلت مملكة سبأ الى دين الله من غير قتال .. فالهدهد – رغم صغر حجمه – يبحث عن دوره في جيش يضج بالإنس والجان والوحوش، ثم يجد دوره و يبادر بآداء واجبه بالبحث عن الذين لايؤمنون بالله، وهؤلاء هم من يستهدفهم القائد و الجيش..فالهدهد كان يعلم أن المبادرة التي تتناسب مع حجمه ومزاياه – وهي الإستطلاع والإستكشاف – سوف تساهم في تحقيق أهداف سيدنا سليمان عليه السلام وجيشه العظيم، وبالتالي فلن يعاقبه على آداء هذا الواجب ..!!

:: وصباح الأثنين، لغياب روح المبادرة في بعض أجهزة الدولة، وجه رئيس الجمهورية سلطات المالية بتخصيص ميزانية مفتوحة لإستيعاب الأطباء في وظائف ثابتة.. ثم وجه سلطات الصناعة والإستثمار بتخصيص قطعة أرض لكل مستثمر جاد في المجال الصحي والدوائي.. ثم وجه سلطات الولايات بانشاء محاكم خاصة لقضايا الطب والصحة..هكذا كانت توجيهات الرئاسة في إجتماع مجلس تنسيق الخدمات الصحية، وكل التوجيهات تساهم في ترقية قطاع الصحة..ولكن هل تلك المطلوبات كانت عصية على تلك السلطات بحيث تنفذها – إعتبارا من يوم أمس – بالتعليمات..؟؟

:: لو كانت المالية تُبادر، وتخصص سنوياً ميزانية لتوظيف الأطباء، لما تكدست طلبات التوظيف وصفوف الإنتظار، ولما رفض الرئيس والبرلمان توظيفهم، ولما عاقبوا وزير المالية على توظيفهم ، ولما وجه الرئيس – أخيراً – بالتوظيف.. واليوم بوزارة الصحة، (300 طبيب بشري، 560 صيدلي، 500 طبيب أسنان)، ينتظرون التوظيف منذ سنوات، ليس لعدم توفر المال، ولكن لغياب روح المبادرة التي تحقق الهدف المنشود للمريض والطبيب والبلد.. لم تُبادر وزارة المالية بآداء واجبها، ولم يُبادر البرلمان الذي يُجيز الميزانيات بآداء واجبه، فالكل كان قابعاً لحين إجتماع الأمس وتوجيهات الرئيس.. رغم أن المطلوب ليس بالأمر العصي الذي يرتقي لمستوى التنفيذ بالتعليمات..!!
:: وكذلك حال سلطات الصناعة والإستثمار..لوكانت تُبادر بجذب المستثمرين في الإنتاج الدوائي، لما غضب الرئيس و لما عاقب المسؤولين بالإستثمار والصناعة والأراضي، ولما وجه – أخيراً- بجذب المستثمرين بالحوافز .. مصر و الدول ذات السياسة الجاذبة فازت بمصانع الأدوية السورية بعد الحرب مباشرة..ومصانع النسيج السورية التي هربت من ويلات الحرب وإستقرت بمصر مقدرة ب (80 مصنع)، و إستوعبت الآلاف من شباب مصر، و الآن تدعم خزينة مصر بعائد الصادر، وكل هذا تم بالتفاوض المباشر مع أصحاب المصانع، ثم بتوفير مناخ الإستثمارلحد تمليك (الأرض مجانا)..أما بلادنا، لعدم توفر روح المبادرة في أجهزتها، لم نخرج من مصائب سوريا إلا باللاجئين فقط لاغير.. !!

:: وكذلك الحال بالولايات والسلطات العدلية.. رغم الدستور و نظام الحكم اللامركزي، لم يُبادر الولاة والسادة بوزارة العدل بتحقيق حلم الأطباء بتأسيس نيابات ومحاكم تليق بهم، بحيث تتعامل معهم ومع قضاياهم الطبية والصحية بإحترام وتقدير.. فالأصل في الأخطاء الطبية إنها (ليست جنائية)، أي يجب أن يفتح المتضرر بلاغاً تحت (مادة الإجراءات)، وأن تستدعي النيابة الطبيب ( بتكليف الحضور)، وتتحرى معه ثم تطلق سراحه (بالتعهد الشخصي)، ثم تقدمه للمحكمة، لتبرئ أو تدين.. ولكن في بلادنا، لرداءة القانون، تُداهم الشرطة عيادة الطبيب أو جامعته، ثم ترفعه على ( البوكس)، أمام طلابه أو مرضاه، وكأنه ( تاجر مخدرات) أو ( قاتل محترف)..!!

:: وكثيراً ما ناشدنا بتأسيس المحاكم المختصة بقضايا الطب والصحة، أي كما التجارب في دول العالم، بما فيها دول العالم الثالث و(الأخير طبعاً)..والمؤسف، قبل عقد ونيف، وكان الدكتور الإمام الصديق أميناً عاماً، طرح المجلس الطبي فكرة إنشاء هذه المحكمة التي تنظر في قضايا الصحة بعدالة لاتُهين الطبيب ولا تظلم المريض..ولكن، لم تجد الفكرة إهتماما وماتت في مهدها .. أي كما لم يبادروا بالفكرة، لم تبادر وزارة العدل و الولايات بتنفيذها ..و لكن إعتباراً من الأمس، سوف تشهد الولايات تنافساً في تأسيس هذه المحكمة المختصة .. ولو تحلوا بروح المبادرة، لما أسسوها بالتعليمات .. وعليه، إن كانت روح المبادرة في أجهزة الدولة بمستوى ( تفكير الإنسان الآلي)، أي ينتظر تعليمات الرئيس – في كل صغيرة وكبيرة- ليتحرك، فلماذا لا يتم التشكيل الوزاري القادم من بعض تلاميذ الأساس، ليكتسبوا صفات القيادة والتي منها الثقة في النفس و ..روح المبادرة..!!

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..