عالم عجيب لكنه موجود

٭ من قناعاتي الراسخة والتي اؤمن بها حد التعصب هي ان قضية المرأة السودانية ليست ضد الرجل ولا ضد المجتمع ولا ضد نفسها ككيان انساني.. بقدر ما هي ضد ما يعيق مسيرة هذا المجتمع نحو الحياة الخالية من الجهل والفقر والمرض والشعوذة والدجل.. وحول الاخير اتحدث اليوم.
٭ لا استغرب وجود وداعيات ولا ضاربي رمل ولا شيخات زار ولا دجالين ولا مشعوذين.. فهذه حقيقة يعيشها مجتمعنا بحكم تكوينه وتشكيله الاجتماعي وتباينه الثقافي.. لا غرابة في ذلك البتة بسبب موروثه المتراكم عبر حقب تاريخية موغلة في مفهومات جعلت من هذه الظاهرة والقناعات جزءاً من واقع الاغلبية التي لم تجد حظها من التعليم والتنوير.. ولا غرابة في ذلك البتة.. ولكن بالقطع المطلوب هو العمل الدائم والمتأني والمنظم للتقليل من مضار هذه الظاهرات الى ان تزول ويحل محلها الاستقرار وحسن التصرف.. والعلم والطبيب لا سيما وسط جماهير النساء القطاع الواقع تحت تأثير الخرافة بقدر اكبر من الرجال.
٭ الذي جعل رأسي تدور مرارا امام نفسي من اثارة هذا الموضوع هو ما همست به صديقة اثق فيها في اذني عندما سمعتني استغرب واشجب وجود بعض طالبات الجامعة في حلقات الوداعيات المقامة على قارعة الطريق.
٭ همست صديقتي قائلة ان بعض الرجال ومن كبار المسؤولين يذهبون الى الفقرا وضاربي الرمل وشيخات الزار وان الكثيرات من المتعلمات من النساء صاحبات الوظائف العالية يذهبن الى الفقرا والدجالين والوداعيات بانتظام.. بل احداهن اقامت حفل زار احتفالا بطلاقها من زوجها الذي عذبها كثيراً ووجهت الدعوة «بكروت».
وعندما ابديت لها تحفظي وعدم تصديقي لمعلوماتها.. وضعت امامي تحديا بأن تصحبني الى منزل احدى شيخات الزار لأجد هناك ما تحدثت عنه ولكن راجعت نفسي لاني اثق فيها وهي لا تستفيد شيئا مما قالته.
٭ الموضوع بالنسبة لي فعلا كبير فكما قلت لا استغرب ان تذهب حبوبتي او اي امرأة قابعة في البيت تطاردها اغنية «راجل المرة حلو حلا» الى الوداعية او ضارب الرمل ولكن محطة الوقفة هي تزايد الظاهرة وسط الرجل والمتعلمات كما قالت صديقتي وهي من فرضيات الواقع تبدو طبيعية فهناك ردة.. نعم ردة في مناخات التنوير ضربت مجتمعنا الذي اصابته ضربات موجعة بفعل اضطرابات الحراك السياسي والاقتصادي التي وسعت من مساحات القلق والخوف من المستقبل وعدم الاستقرار وهذا ما يجعل المرء يلجأ الى معرفة ما ينتظره من مستقبل.. الطالبة السياسي الموظف الزوجة.. الخ.
٭ ولكن مع ذلك تركت العنان لرأسي تدور كما تشاء لعدم ايماني بذلك العالم العجيب والغريب المسكون بالعتمة والاسرار المبهمة والذي تفوح منه رائحة البخور واللوعة والذي تذبح على اعتابه مقدرة الانسان على تحقيق تطلعه بفعل العمل.
٭ عالم غريب وعجيب لا ادري ان كنتم مثلي رافضين له ومحرضين على مغادرته ام انكم من بعضه.. على كل لا اجد نفسي الا معبرة عن الصدمة التي ادخلتني في حالة الدوار هذه.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة