المحبوب والجوَّالة

إستوقفني حوار المحبوب عبد السلام الذي أجراه الزميل المجتهد الهضيبي يس المنشوربالصيحة ـ (21 أبريل 2017) كما تساوقفني دوما كتاباته وأفكاره التي تبرز مقدراته ومخزونه المعرفي وهو مطلع على الادب العالمي وكلما المنجزات الفكرية، والاهم إنعتاقه من تأثير أفكار الراحل الترابي وذاك مأزق كبير يخوض فيه معظم جيل الشباب بالحركة الاسلامية إن لم تقل وشيوخها والحالة تؤكد الفجوة الفكرية العميقة التي خلفها الترابي والامر يكشف جليا بان الحركة الاسلامية بالبلاد تقوم على الشق السياسي بغير كثير إهتمام بالجانب الفكري وهو يعضد سياسية التنظيم كغاية بعيداً عن الشعار الإسلامي/ الوسيلة ، وهي محض مطية في سبيل الاهداف السياسية الدنيوية، ويدحض الشعار في مقاربته ـ (شملة بت كنيش)ـ تلاتية وقدها رباعي وما تلك الثقوب سوى ما تنتج المنظومة الإسلاموية من أزمات متناسلة أدخلت البلاد في ـ (حيص بيص) في تباين توجهاتها المتخبطة وسياساتها الشائهة الشاذة عالميا ومع ذلك لا ننكر للمحبوب اسهاماته في نقد الذات .. وكثيرا ما تبهرني الإصطلاحات التي يوظفها في سياق الفكرة ونجده يبتدر بها أو ربما أبرزها الزميل ـ الهضيبي ـ مهنياً ضمن الخطوط الرئيسة للحوار
(صرنا جوَّالة بين دول الإقليم نبحث في قاعاتها عن حلول لأزماتنا)
* بداية كيف تنظر إلى قضية انغماس النخب في التنظيمات السياسية؟
– إذا عدنا إلى مبتدأ الأمر مع نخبة الاستقلال، نجد أنه لا مناص من انغماس النخبة في السياسة لأن هنالك دولة وطنية ستقوم، ولابد من وطنيين يتولون زمام أمرها خاصة السياسي، لكنها بحكم تدريبها البريطاني تهتم بالإدارة ولا تتعمق في الثقافة كما لاحظ ذلك محمد أبو القاسم حاج حمد، فتحولت السياسة إلى ما يعرف باللعبة، فكان أول ما أضير في ذلك قضية السياسة” والأخلاق، ثم أهملت قضية الهوية وإدارة التعدد لأنها ليست من قضايا اليومي السياسي، ولكنها ذات عمق ثقافي وليس إدارياً فقط. ثم جاءت الأيدولوجيا والتي توقع معتنقوها خاصة إذا كانوا شباباً أنهم يمتلكون الحقيقة، وعليهم أن يأخذوا الشعب إلى الجنة ولو بالعصا، فتولد من ذلك الإقصاء والرغبة في استئصال الآخر الرجعي أو الكافر، وعلى مستوى الوطن لم تعد من حاجة للشورى أو الديمقراطية أو حتى الحرية عند من يملك الحقيقة ويعرف الحق، ثم عند أشدهم استنارة وثقافة ما أسماه منصور خالد شهوة تغيير العالم.
يرى المحبوب إضراراً السياسة بالنخبة متخذا الأزهري والهندي والمحجوب ومحمود محمد طه نمازجا لذلك، في مقارنة بالترابي ومنصور خالد والصادق المهدي، مستعيرا وصف الطيب صالح لهم بعباقرة السودانيين ..متسائلاً:هل نفعوا الفكر والثقافة بقدر ما أضروا بالسياسة؟
اكنه ـ المحبوب لم يبين لنا ماهية السياسة التي لحق بها ضرار النخب نمازجه! ثم انه لم يشاء الخوض في إضرار الإسلامويون بالسياسة وهو خير شاهد شاهق بالعالم اليوم أما الحالة السودانية فهي أثر شائه لجرح قديم قائم بوجه السياسة.
حول التنوع يقول المحبوب إن السودان كانت له فرص ثمينة لكي يحصد إشعاعه المهم شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، لكنه عجز عن إدارة التنوع والإختلاف داخل بيته، فكيف يفيض حكمة وثقافة واعتدالاً على جواره، وكيف يستثمر ذلك صلات وتجارة وثقافة.
بالنسبة للسودان، مثلت تجربة حكم الإسلاميين في تقديري خاتمة دورة كاملة من تاريخ دولتنا الوطنية، ولكن القديم لم يذهب تمامًا والجديد لم يولد بعد، فنحن في منازل بين المنزلتين. أقصد ما أسميته في ورقة سابقة لي في الدوحة (نهاية تحالف عبد الله جماع وعمارة دنقس)، في تجربة الإنقاذ بلغت كل الأفكار الخاطئة التي نحملها في أنفسنا مداها كما بلغت كثير من الأوهام وتحقّقت بعض الأحلام، فكل ذي قولة قالها وكل أخا صولةٍ جالها، فنحن إذ نستشرف دورة جديدة تكون الأفكار هي الأهم، *إذن في تقديرك
– ويقرأ المحبوب ما وصفه ـ الهضيبي ـ بجدلية علاقة الدين بالدولة – ، في سياق أنها في تفاعل وصيرورة، دينامية كما وصفها فرانسيس دينق، في تحليله ـ السودان كان لمدى أربعة قرون مسيحياً، ثم تحول خلال قرن واحد إلى الإسلام، رؤيتي أنها تمثل تحدياً بأكثر مما هي مهدداً، فإذا تولتها النخب بالنظر الثاقب المسؤول لم نكن لنصل لمرحلة إعلان مبادئ الإيقاد الذي وضع مقابلة بين قوانين الشريعة وبين وحدة السودان، فإذا أصرت الحكومة على الشريعة فليس أمام الجنوبيين إلا الذهاب إلى الاستفتاء على تقرير المصير وهو ما صدقته الوقائع بعد سنوات في اتفاقية السلام الشامل نيفاشا.
في سابقة التمرد على مركز الخرطوم، رد النميري بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم ورأت الحركة الإسلامية في ذلك إنجازاً أكبر حتى من قوانين سبتمبر لأنه سيكسر وحدة العصبية الكنسية في وجه الإسلام، قريباً من ذلك ما فعل عبود عندما طرد في يوم واحد من الجنوب أكثر من سبعمائة مبشر من الجنوب، وهكذا يمكن أن نعود بالظاهرة المتمثلة في جدلية السياسة والجنون رجعى إلى المهدية، وتقدماً حتى نصل الجدل الماثل اليوم حول مادة من قانون الأحوال الشخصية لتكون موضوعاً حول الدستور وليهيج المزاودون” الذين يرفعون كل حين رايات التكفير.
عموما المحبوب نجح لحد ما في إضاءة ما عجز عنه رفاقه الاسلاميين من مساحات حالكة بشملة بت كنيشة كما اشرنا في مبتدر المقال ،كما استطاع تشريح وتفكيك إشتباك مفاهيمي زاد تعقيده توظيف مخل للمصطلح نسبب فيه من وجدوا أنفسهم في الفجوة التي خلفها الراحل الترابي.
[email][email protected][/email]