وداعا أحمد التني الرائق الراقي

أمانة ما فقدت راجل، فاضل وباسل، يا بلد، ففي عصر يوم الاثنين الماضي، فاضت روح أحمد يوسف التني، وفاض وغاض المرح والأنس والنبل والشهامة والبسالة، فقد كان الراحل أيقونة جيل كامل، عشق أبناؤه تراب وأهل هذا البلد، وكان استثنائيا في كل شيء: بذْل كل ما هو نبيل من المشاعر الإنسانية نحو الآخرين، وأداء الواجب الوطني، وحتى عندما غدر به «الصالح العام»، وهو في قمة عطائه، ظل على وفائه للوطن، ولم يلعن خاشه، كما يفعل كل من يضيق به الحال، فيفش غله في الوطن كله، أرضا وشعبا
عرفت أحمد في جامعة الخرطوم، وعشنا سويا على تراب قطر زهاء ثلاثين سنة، لم أره خلالها متجهما أو مهاترا أو مشاترا، فقد كان ـ وعلى الدوام ـ قويم المسلك وشديد التهذيب، وعالي الهمة، وصاحب قريحة يقظة، تستوعب وتهضم كل كلام مقروء أو مسموع يستحق التخزين، وحتى عندما أهلته تلك المزايا ليصبح دبلوماسيا حتى وصل الى مرتبة سفير، لم يكن يتحلى بالسلوك الديبلوماسي بالمعنى التقليدي المتعارف عليه للمصطلح، بل كان على السجية الراقية التي نشأ عليها، ولم يكن بحاجة إلى «ارتداء» البسمات البلاستيكية، أو تصنع طول البال، حتى في ذلك العصر الذي كانت فيه السفارات السودانية في مختلف البلاد مكروهة لدى المغتربين والمهاجرين السودانيين، بسبب الجبايات التي لم تكن تميز بين المقتدر والعاجز ماليا، فكان الناس يصبون اللعنات على السفراء والطواقم الديبلوماسية، باعتبار أنهم يمثلون الحكومات التي ظلت تحرص على معاملة المغتربين معاملة أهل الذمة، بل كان أحمد طويل البال بالسليقة، ويضع الاعتبارات الإنسانية في مرتبة أعلى من اللوائح البيروقراطية.
عندما كان أحمد التني سفيرا لبلادنا في الدوحة، شهدته يدفع كامل المبلغ المطلوب من شخص كان قد بلغه أمر وفاة أمه، وكان تجديد جواز سفره، رهنا بأن يكون قد سدد الجزية المعلومة، وكان المسكين يملك بالكاد ما يكفي لشراء تذكرة السفر، ويا ما تلقينا منه المكالمة تلو الأخرى، وهو يناشدنا أن نتبرع لأن والد فلان أتى من السودان مريضا، ولا يتمتع بحق العلاج المجاني، أو لأنه تم انهاء خدمات فلتكان، ومطالب بمغادرة البلاد، ولكن على رقبته بقية من قرض بنكي.
كان أحمد وزوجته «يشقّ عليّ قول «أرملته»» فاطمة سيد أحمد البيلي، قصة حب ناجحة من مقاعد الدراسة في جامعة الخرطوم، وحتى آخر يوم في حياة فاطمة، وهي أيضا ديبلوماسية من ضحايا «الطالح العام»، ولم يشفع لها أنها كانت في الكويت خلال الغزو العراقي لها، ولم تغادرها إلا بعد أن ضمنت إجلاء جميع السودانيين الراغبين في مغادرتها بسلام.
أجد بعض العزاء في أنني كنت في بيت أحمد في الصافية قبل وفاته بأسبوع، ولكن الألم يعتصر قلبي لأنني لم أودعه، ولكننا لا نعرف سر الحياة ، فكيف نعرف متى وكيف وأين يكون الموت؟ وعزاؤنا يا فاطمة البيلي ويوسف وسارة وخالد وطارق أن أحمد عاش ومات نظيفا طاهر اليد واللسان، وغرس فيكم كل خصاله الفاضلة، نعم الفقد جلل، ولكن لنتذكر ان الله أكرمكم بأن تكونوا عائلته النووية، وأكرمنا بأن رافقناه أخو إخوان ومناضلا جسورا ومثقفا هصورا.
الحبيب الطبيب عمر عبود، لازم أحمد التني خلال أيام معاناته التي سبقت موته، ولكن هناك في مسار حياة البشر، نقطة يصبح فيها الطريق مسدودا تماما، وليس بمقدور طبيب أن يخترقه: وطبيب ٌيتولى عاجزاً / نافض اًمن طبَّه خفيْ حنين / إنّ َللموت ِيداًإن ضَرَبَتْ / أَوشكَت ْتصْدعُشم لَا لفَرْقَدَيْنْ ?. وياحبيبي أحمد: أنا من ْمات،ومنْ مات أنا / لقي الموتَ كلانا مرتين / نحن كنا مهجة ً في بدنٍ / ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن / ثم عدنا مهجة في بدنٍ / ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
إلى اللقاء يا احمد التني، وأرجو أن يكون ملتقانا في جنة عالية وقطوفها دانية.

الصحافة

تعليق واحد

  1. احمد يوسف التني
    الانسان الراقي المهذب المحبوب المسكون بحب وطنه وشعبه
    احمد يوسف التني السفير الاديب الصحفي
    احمد يوسف التني الهاش الباش المحب المحبوب

    احمد يوسف التني ذو المكانة السامية لدي الجميع باخلاقه وتعامله وحبه

    عجزت الكلمات وعزايا كل جميل عنك محفور في القلب
    انا لفراقك محزونون شقيقي الذي لم تلده امي

    شكرا اخي جعفر عباس
    انا لله وانا اليه راجعون

  2. مثل هذا الرجل و مثلك أستاذ جعفر هم من كانوا أولى أن يحكمونا و يمثلونا أمام العالم و الشعوب ، علم و ثقافة و إنسانية نابعة من سودانيتنا الأصيلة لكن قدر الله أن يحكمنا من كانوا السبب في فصل الفقيد السفير و حرمه الفيرة للصالح العام فعلآ من أين أتى هؤلاء.
    اللهم أرحم عبدك أحمد التني و أجعله في عليين و أكرم نزله يا رب العالمين و جبرالله كسركم أستاذ جعفر و نسأل الله أن يحسن عزاء أسرته و أحبابه أجمعين.

  3. انا لله وانا اليه راجعون
    فجعت بنبآ وفاة الاستاذ احمد يوسف التني…السفير ابن السفير زوج السفير…كما كان يردد بشارة العامل والسائق في السفارة في واشنطن…
    عملت معه ملحقا اداريا فى بداية الثمانينات الميلادية….تجلت انسانيته واحترامه لنفسه والآخربن …صارما في عمله وانسانا في تعامله مع زملائه….نسال الله ان ينزله جنات النعيم مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ..وكل العزاء لحرمه السفير فاطمة البيلي وابنائه يوسف واخوانه…
    انا لله واما اليه راجعون…

  4. احمد يوسف التني
    الانسان الراقي المهذب المحبوب المسكون بحب وطنه وشعبه
    احمد يوسف التني السفير الاديب الصحفي
    احمد يوسف التني الهاش الباش المحب المحبوب

    احمد يوسف التني ذو المكانة السامية لدي الجميع باخلاقه وتعامله وحبه

    عجزت الكلمات وعزايا كل جميل عنك محفور في القلب
    انا لفراقك محزونون شقيقي الذي لم تلده امي

    شكرا اخي جعفر عباس
    انا لله وانا اليه راجعون

  5. مثل هذا الرجل و مثلك أستاذ جعفر هم من كانوا أولى أن يحكمونا و يمثلونا أمام العالم و الشعوب ، علم و ثقافة و إنسانية نابعة من سودانيتنا الأصيلة لكن قدر الله أن يحكمنا من كانوا السبب في فصل الفقيد السفير و حرمه الفيرة للصالح العام فعلآ من أين أتى هؤلاء.
    اللهم أرحم عبدك أحمد التني و أجعله في عليين و أكرم نزله يا رب العالمين و جبرالله كسركم أستاذ جعفر و نسأل الله أن يحسن عزاء أسرته و أحبابه أجمعين.

  6. انا لله وانا اليه راجعون
    فجعت بنبآ وفاة الاستاذ احمد يوسف التني…السفير ابن السفير زوج السفير…كما كان يردد بشارة العامل والسائق في السفارة في واشنطن…
    عملت معه ملحقا اداريا فى بداية الثمانينات الميلادية….تجلت انسانيته واحترامه لنفسه والآخربن …صارما في عمله وانسانا في تعامله مع زملائه….نسال الله ان ينزله جنات النعيم مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ..وكل العزاء لحرمه السفير فاطمة البيلي وابنائه يوسف واخوانه…
    انا لله واما اليه راجعون…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..