واشنطن والخرطوم.. عسكرة البشارات! (٢)

أمس تناولنا عرضاً موضوع الآفروكوم.. ونفصّل الْيَوْمَ.. ولا ضير أن نبدأ بثلاث مفارقات.. الأولى أن التفكير في هذا المشروع العسكري الخطير قد بدأ منذ عام 2007م، محاطاً بسرية كاملة حتى رأى النور بعد خمس سنوات، وكان هدفه الأساسي القضاء على تنظيم القاعدة.. أي أن هدف الآفروكوم كان هو مكافحة الإرهاب.. والمفارقة الثانية أن النظام السوداني وبكل ارتباطاته وتعقيداته آنذاك، كان هدفاً مشروعاً لذلك الآفروكوم.. كيف لا والنظام يتصدر قائمة الدول الراعية للإرهاب.. أما المفارقة الثالثة والأخيرة فهي أن جمهورية جنوب السودان الدولة قيد البلورة آنذاك والوليدة لاحقاً، كانت واحدة من الروافع المتوهمة للآفروكوم.. أما آخر ما كانت تتوقعه واشنطن وهي تبحث عن مقر لقيادة الآفروكوم.. أن لا تجد موطئ قدم لها في أفريقيا.. علماً بأن أساس فكرة الآفروكوم كانت أن تعمل في أفريقيا جنوب الصحراء.. كانت عين واشنطن على الجزائر.. تعذر الأمر.. جيبوتي كانت متاحة.. ولكنها كانت بعيدة عن ميادين الأحداث الساخنة ومراكز التأثير.. وفِي النهاية وجدت الولايات المتحدة أن أفضل موقع تضع فيه هذه القيادة هو مقر القيادة الأوروبية السابقة بمدينة اشتوتقارت الألمانية..!
ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تجد الطريدة نفسها بين ليلة وضحاها تقف كتفاً لكتف.. بجانب الصياد.. بل ومطلوب منها أن تشارك في رحلات صيد ضد عصابات الإرهاب..! ورغم كل اللامعقول الذي يبدو على المشهد.. ولكن المؤكد أن الولايات المتحدة لا تراهن على الصدفة.. ولا تلعب على اللامعقول.. والذي يحدث الآن لم يقع ضربة لازب ولا محض صدفة.. ولا هو ضرب من ضروب الحظ ساقته الأقدار في طريق نظام كان حتى الأمس القريب.. مطلوباً رأسه بأي ثمن..!
وأياً كانت المسميات والمصطلحات التي ستطلق على كثير من الوقائع.. من تنازلات وتراجعات.. إلى مناورات وذكاء سياسي.. سمه ما شئت.. فذاك هو عين ما ساق إلى الذي يشهده المسرح الآن .
وبدعوة رسمية من الولايات المتحدة يذهب قائد الجيش إلى اشتوتقارت.. وقائد الجيش هذا كان هو نفسه ذات يوم مدير الأكاديمية الذي فتح أبوابها في اتجاهين.. مانحاً ومتلقياً.. نحو الخليج مانحاً للمنح والبعثات.. ونحو الغرب متلقياً للخبراء.. ومنفتحاً على العلوم الحديثة.. صحيح كانت الصلات مع أوروبا.. ولكن الصحيح أيضاً.. أن واشنطن كانت تراقب وترصد.. بحيرة وقلق وحسد.. ثم شهد العالم تطورات دراماتيكية لم تكن في الحسبان.. تغير تعريف الإرهاب ومظاهره ومراكزه.. ظهرت جماعات منظمة.. تفوق في إرهابها إرهاب الدولة.. بعضها صنعتها أمريكا.. وبعضها صنعت خصيصاً لتأديبها.. وفِي الحالين.. تدفع أمريكا الثمن.. وأمريكا التي كانت تصنع جماعات لإرهاب الدول.. وجدت نفسها تبحث عن دول لترهيب الجماعات.. تبدلت المعادلة تماماً.. ثم السواحل الأوروبية تنفجر بالبشر الهاربين والمهاجرين من جحيم الحروب.. وبؤر الفقر والجوع والعطش..! وكل الخطط تنتهي في نقطة واحدة.. ولا تتورع أوروبا في إعلان استسلامها أمام طوفان الهجرة غير الشرعية.. وتمد يدها نحو السودان.. حيث لا خيار.. وأمريكا تراقب.. ثم تقرر.. ثم تتخذ القرار الصعب.. صحيح أنها لم ترفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ولكنها تفعل الأغرب على الإطلاق.. تضع السودان في قائمة الدول المكافحة للإرهاب.. ولا يزال ثمة من يسأل عن رفع العقوبات..!
اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..