يلا بيعنا ..وشوف مصالحك ..!

كثيراً ما كانت تشدني في مرحلة الشباب الغض الذي ذهب مع الأيام الجميلة في الوطن العزيز في كل زمان.. أغنية مسكينة المحبة التي شدا بها الرائع الطيب عبد الله رد الله غربتنا جميعا معه والتي صاغها الشاعر المخضرم الصادق الياس .. وإن لم تخني الذاكرة وعلى روعة كل مقاطعها كلمات ولحنا وأداء كان بها مقطع هو الأروع تم حذفه عنها
لا أدري متى وبواسطة من ولماذا.. والذي يقول ..
( يلا بيعنا وشوف مصالحك ..)
ففي ذلك الزمن كان بيع الحبيب لحبيبه خيانة لا تغتفر في عصر لم يكن أغلب الناس يقيمون وزنا للمصالح أيا كان نوعها مالا أو منصبا أو خلافهما لأسباب أخلاقية واجتماعية وقبل كل ذلك ورعا دينيا فطريا و مخافة من الله في حق الآخرين والذات ..طبعا لا يمكن وليس من الإنصاف أن نجرد أزمنة الآخرين كلها من كل تلك المحاسن التي إن هي سمقت في المجتمع وقف على سوقه منتصبا في سوح الشفافية إيمانا بالوطنية التي تبعث الضمائر على الإخلاص في كل تكليف حياتي من أجل صون التراب الوطني ومكنوناته من الخيرات ولا تقبل مساومة في ذرة منه ولو تطلب الأمر ذودا بالأرواح فدأء لبقائه كريما بين العيون .
غير أن مياها كثيرة جرت تحت جسور السودان نتابعها من على البعد بروح أسيفة ونفوس مفعمة بالأسى تبدلت معها المعايير الأخلاقية لقياس الأمور بشتى صنوفها وانقلبت فيها أشياء عديدة رأسا على عقب وهي مثالب غرسها هذا النظام الحاكم الذي لوى الكثير من الأذرع التي قاومته سلما أو حربا ثم جرها الى مصيدة سلطته ليتساوي الجميع عنده في الخروج بشي من التلوث بعد إخراج تلك الأيادي من جراب مشاركتها إن لم يكن بإصابة فساد مباشرولكن بكسرة عين إما برشوة ما أو رصد حالة من نوع القبائح الذي يعيب السيرة ويشين السمعة فيصبح أصحابها يطأطون الرؤوس خوفا من الفضائح !
طبعا لن نقول برافو لشطارة الخبث الإنقاذية التي أوصلت الناس الى لغة ..بلا وطن بلا مبادي ..بيع كل شي وإنتبه لمصالحك.. مثلما أننا لن نأسف على إنبطاح من يبدل جلده بين ليلة وضحاها وكل الذين فضلوا مصالحهم على التمسك بكل تلك القيم النبيلة !
والا لما كان الذين قبلوا مكافأة المناصب التي ركبوا عليها بسرج الحوار المقلوب و التي ستهد ما تبقى من حيل ميزانية الوطن وهم يعلمون نساءً ورجالا أن كل هذه المخصصات والبدلات والرواتب وغيرها من رشى السيارات ستكون خصما على نصيب الشعب من إنفاق الدولة على التعليم و الصحة على ضآلتها و على حساب فتافيت الدعم التي لا تُرى بالعين المجردة ومع ذلك يطالب بعض المنافقين ممن يستمتعون بكل ذلك النعيم السلطوي بحجبها عن المواطن المسكين وهم ذاتهم عطالى النظام الذين ينادون بعدم صرف الرواتب لغير المنتجين من العمال والموظفين ..ولكنهم لا يرون ذلك الترف الذي يحوم تحت أرنبة أنوفهم فاقدة حاسة الشم والذي يعيشه قادة وجنود المليشيات وعصابات الأمن وبذخ أهل المراسم والدستوريين من الفاقد الوظيفي غير المؤهل وكل المحسوبين والمقربين و المتزلفين وفوق ذلك عفن الفساد الذي بات علنيا حتى متاجرة بطين الوطن النفيس والغالي لكل قدم غريبة تطأه ويعلق بها متأففاً.. بيعاً بالمال الرخيص الذي يحقق مصالح الكيزان وتابعيهم من إخوة الشيطان و عبدة السلطان ولاعزاء لبقية شعب السودان..إلا .. البكاء عند حائط الذكريات في كل ليلة .. مثلما نبكي نحن في منافينا البعيدة مع ترديد أصداء صدق إستشراف الواقع الحالي في كلمات االشاعر الصادق حقا التي صاغها منذ أربعة عقود أو يزيد..وكأنه ينعى فيها زمانا تذهب الفرص المسكينة فيه لأناس لا تقدر قيمة الأوطان ولو فقدوها هدماً باياديهم مقابل مصالحهم !
وجمعة مباركة مع مراعاة فروق الوقت .
[email][email protected][/email]