هل هزم السوق الحكومة؟

يبدو أن السوق قد هزم الحكومة فعلا ، ولكن لأنها لا تملك شجاعة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدى لهذا لم تعترف علنا بالهزيمة ..السيد الصادق المهدي حين كان رئيسا لوزراء الحكومة التي أطاحها انقلاب الانقاذ وبعد أن عدم الحيلة لمكافحة غلواء الغلاء ، أطلق تصريحا جهيرا وشهيرا في لحظة صدق مع النفس والناس اعترف فيه بروح رياضية عالية بهزيمة السوق لهم فقال بالحرف (لقد هزمنا السوق)، ومن يومها توالت هزائم السوق عاصفة على الحكومات الانقاذية المتعاقبة رغم المحاولات العنترية والتصريحات التي لم تهز شعرة في رأس السوق، ونحاول هنا بقدر ما تسعف الذاكرة رصد بعض هذه المحاولات والتصريحات منتهية المفعول والصلاحية ، ونبدأ على بركة الله بأولها وربما أشهرها ، وهو تصريح نائب والي الخرطوم الأسبق الشهير ب (رامبو): (من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده ويرمل زوجته فليغلق متجره الخ) ثم امتطى مروحية يطارد بها قطعان السعية، ثم خذ عندك التصريح المجلجل للنائب الأول السابق للرئيس علي عثمان الذي وجه فيه السلطات الأمنية بعدم التسامح مع المتلاعبين بمعاش المواطنين وإن استدعى الأمر قطع تلك الأيادي المتلاعبة، وفوق البيعة هاك هذا الشعار (قفة أكبر تكاليف أقل)، الذي ما انفك والي الخرطوم السابق يلوكه ويبشر به من لحظة ترشحه وإلى أن غادر الولاية، هذا غير عشرات الحلقات من مسلسلات ضبط ورقابة الأسواق التي لم تضبط شيئا سوى أن سجلت في مضابطها الفشل الذريع ، وما زال العرض مستمرا تحت مسمى تحسين معاش الناس..
كل هذه الهلمة والغاغة التي أثيرت في وجه السوق والغلاء ، لم تؤثر فيه ولم تفت في عضده بل ظل صامدا وثابتا كالطود الأشم يمد لسانه ساخرا وهازئا من محاربيه بسيوف الخشب والبال وكأنه يقول لهم اتركوا السوق ما ترككم وماشاد السوق احدا الا صرعه، وظلت الأسواق مفتوحة على مصراعيها بلا حسيب أو رقيب وصارت الأسعار تقفز حسب المزاج وليس وفق آلية السوق وأضحى الاحتكار والاكتناز فعلاً مشروعاً بعد أن شرعنته الحكومة عندما دخلت هي نفسها السوق فاقامت الشركات وأنشأت البيوتات التجارية بل وحتى الدكاكين وصارت أول المحتكرين لبعض السلع والبضائع فزاحمت القطاع الخاص في أخص خصوصياته، وإمتثالاً لصاحبة الجلالة سياسة التحرير رفعت الحكومة يدها من الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرها من الضروريات الحياتية الأخرى ولم تسعفها في هذا الجانب بعض المعالجات الاجتماعية التي حاولت بها امتصاص الإفرازات السالبة لهذه السياسات وما أكثرها، والآن ومع قدوم رمضان الذي يعقبه العيد وبداية العام الدراسي كشرت الأسواق عن اسنانها لاستحلاب الجيوب بضربة ثلاثية ، فهل تستطيع الحكومة الوفاقية فعل شيء مبشر تبتدر به عهدها أم يحتسب الناس أمرهم لله ويقولون (لينا الله وعيشة السوق)..؟
الصحافة