ماذا لو ثبت أن أشعار الحقيبة مسروقة ونمطها اللحني مستلف من الزجل الأندلسي؟!

زجتني الصدفة وحدها في الموضوع “بلا قصد أو خطة” إذ بينما كنت مساء الأمس أبحث في سؤال “تاريخ وكيفية سيادة اللغة العربية في الوسط النيلي” في إطار حلقات تلفزيونية أسجلها هذه الأيام عن سكان السودان وجدت نفسي بغتة في الأندلس في القرن الثالث عشر الميلادي.
فدهشت دهشة عظيمة، صاعقة، إذ وجدت أغاني الحقيبة السودانية بشحمها ولحمها تغنى في ليالي المرح والفرح وجلسات الشراب الأندلسي اللذيذ المعتق.
فانتشيت منتهى النشوة مع الندامى على شاطي النهر وعلى النجيلة جلسنا وشربنا الراح وتسامرنا حتى أنصاف الليالي مع النساء الملاح، و”جكست” واحدة كمان رشا كحيل متل غصن البان !.
فأنشد أحدهم من قبلي يشيد ببهاء خليلتي الجميلة:
انت ه سلطان زمانك والملاَّح اجمع عبيدك – كل من يراك يحبك كل من يراك يريدك ( ابن قزمان القرطبي).
—
قُلْ لي يا لحـظَ الغَـزالْ آدَمِــيْ أنــتْ اَو مَـلَــكْ
قُلْ لـي يـا بَـدْرَ المُنيـرْ آهْ يـــا فـتـنـةْ لـلـبَـشَـرْ
يــا غَـزالـي يــا أمـيـرْ يــا مُزَعـبَـلْ يــا قَـمَــرْ
رِيتْ اخْدودَكْ يُشرِقـوا بالـلُـجـيـنِ والــذَّهَـــبْ
والـعـيــون اِيـحَـمّـقـوا مَـــن رآهُـــم يَنْـتـشِـبْ
والـحُـوَيْـجِـبْ لـلـقِـتـالْ هُمَ اسْبابي في الهَلاكْ
قُل لي يا لحـظَ الغـزالْ آدمـي أنــتْ اَو مَــلاكْ
—
امشي يا رسولْ للحَبيبْ .. بحقِّ العهودْ و المـُنى
وقلْ لـَهُ طالَ المَغيـــبْ .. وحالَ البعادْ بينـَنـــــا
وندعُو السميعَ المجيبْ .. يجمعْ عن قريبْ شملـَنا
وهناك آلاف النماذج التي تطابق حرفياً أشعار الحقيبة لكن لا أريد أن أزحم هذه المقالة بالشواهد وإنما هذا فقط إعلان مني أنني آليت على نفسي وبكل الحياد العلمي المطلوب أن أقوم بدراسة أتحقق من خلالها من مزاعمي المتضمنة في هذا المقال الذي اعرف ان فكرته مرهقة وجدلية وربما مخيفة للبعض منا!.
ومن المادة الاولية التي توفرت لي “مقارنة بالحقيبة” ربما خرجنا بنتيجة مدهشة/مرعبة للبعض ذلك أن كثير من أشعار الحقيبة مستلفة/مسروقة بتصرف أو مباشرة من أغاني الزجل الاندلسي.. اليوم عرضت على عدد من الناس اشعار حقيبة واشعار زجلية فلم يستطع الكثير من الناس التمييز بينهما.
نفس الكلمات المفتاحية (الراح والغزلان والرشا والكحيل والثغر والغصن الرطيب والقوام الممشوق والملاحة واللحاظ فتاكة والحواجب تقول هلال والخصر الأهيف وعيون المهى وعلى شط النهر وعلى النجيلة جلسنا والرمان وإلخ) نفس الصناعة والإصطناع والأوزان الشعرية. نفس الخلط بين الدارجة والفصحى. نفس الهدف: شعر للغناء و”القعدات”. و ذات المواضيع: الغزل ووصف المراة والطبيعة.
.
والمدهش أن هناك أبيات وقصائد كاملة متطابقة في الكلمات والمعاني والاوزان.
كيف حدث هذا؟. لا أدري!.
أنا منذ اليوم منكب في البحث عن الاجابة على هذا السؤال. ولا مانع لدي أن يكون البحث تفاعلي معكم مباشرة أو هذا ما أحب.
وظاهرة الحقيبة عجيبة وغريبة (أشعار سيد عبد العزيز مثال) إذ برزت فجأة كأنها نبت شيطاني بين العامين 1920 و1950 (التاريخ تقديري) ولا يوجد شبيه لها معروف لنا من قبلها ولا من بعدها في تاريخ السودان الوسيط أوالحديث. قبلها كانت الإنماط الشعرية معروفة في السودان ومنها أشعار الحماسة والمناحة والهمباتة والشعر التقليدي ومن أمثلته أشعار العباسي والمجذوب ثم أنبتت نمطية أشعار الحقيبة فجأة بنفس طريقة بروزها للحياة بموت مؤسسيها وأصبحت صدى محبذ ولذيذ يردده الناس في كل مكان .. وتحول الشعر الغنائي إلى نمط مختلف في طبيعته ومن أمثلته أشعار بازرعا والحلنقي .. إن صحت هذه النقطة فإنها ستجعل اغاني الحقيبة تتوسط دائرة الاتهام (بوضع النقاط السالفة في الإعتبار) حتى يثبت العكس.. والمفترض أن حبنا وتعلقنا بأغاني الحقيبة التي تعودنا عليها لن يمنعنا من البحث عن الحقيقة المجردة، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح!.
فالبحث جار من جانبي بجدية بهدف جلاء القضية الكبيرة التي تهم الكثير من الناس كون أغاني الحقيبة تعتبر الآن في حساب الإرث الوطني.
هل يكون كل ذلك التشابه والتطابق صدفة أم هناك شيء ما غائبا عنا هذه اللحظة؟. ربما، سنرى عبر البحث العلمي المحايد، ولكن إن ثبت أن أغاني الحقيبة مستلفة أو مسروقة كلها أو بعضها وهناك أدلة قوية ترجح هذه الفرضية، فماذا سيكون موقف الناس منها ومن أصحابها؟. لا أدري!.
محمد جمال الدين
[email][email protected][/email]
يجب أن ترد الحقوق لاهلها:-
موضوع (“تاريخ وكيفية سيادة اللغة العربية في الوسط النيلي”)
دا موضوع اتطرق ليهو العلامة بروفيسور عبد الله الطيب
وخلاص الكلام انتهى ..
ياخي الحقوق الادبية مفروض تكون محفوظة …
البروف قال : ما عندو تفسير لتمركز اللغة العربية في وسط السودان وأكد أنها لم تأتي مع دخول الاسلام وهجرة المسلمين
واستدل بان القبائل المتاخمة للمناطق التي دخل منها العرب لا تتحدث العربية
( الشمال و الشرق )
والذين يتحدثون العربية عربيتهم مكسرة
ما تحاول المحاولة الفاشلة في تشويه وجه اولائك الذين اثروا وجدان الشعب السوداني بكل جميل …
أرجو أن تنسب الحق لاهله
وان كنت لا تعلم أن العلامة بروفيسور عبد الله الطيب تناول هذا الموضوع(“تاريخ وكيفية سيادة اللغة العربية في الوسط النيلي”)باسهاب وسرد جميل
إن كنت لا تعلم فلك العتبى .. وإلا فلزمك الاعتذار
مع مودتي
عليك الله الوداك تهبش هناك شنو؟؟؟ يعني ابوصلاح ودالرضي وسيدعبدالعزيز وغيرهم من عمالقة ديل كلهم يجتمعوا علي باطل ويطلعوا حرامية؟؟؟ لعلمك ديل فيهم الامي وزمنهم ماكان في مدارس كتيرة والفرص محدودة للغاية…بس شغف السوداني بالعروبة والعرب والادب العربي مازال مسيطر علي عقولنا (استلاب كامل) لدرجة انو في نوبة وجانقي كتار أعضاء في حزب البعث العربي والناصري كمان…بالله الادب ليس له وطن ولا الفنون كده راجع بحوثك وبعد تتأكد اكتب …
سلامات محمد، واصل في البحث، اما ان اثبت حجتك او تنفيها، طبعا اغلب الاحيان الكتاب او الشعراء، يتاثرون بما قراؤه، او باهتماماتهم، من الممكن ان يكون شعراء الحقبه قد تاثرو بالزجل الاندلسي، لان السعر او الكتابه لاتاتي من فراغ
أرجو من الكاتب أن يرجع إلى كتابات الموسيقار الراحل جمعه جابر عليه رحمة الله على صفحته بمجلة الاذاعة والتلفزيون عامي 1982م و 1983م تحت عنوان موسيقانا العربية والرطانية هناك مقال نشر بأسم الأستاذ / عبدالله محمد البشير تحت عنوان هل هناك تأثير للكلمة الغنائية العربية الأصيلة على الغناء السوداني تناولت المقارنة الدقيقة بين أغنيات الحقيبة والقصائد الأندلسية وهو مقتال جد رائع وهناك مقال آخر تحت عنوان إختراع عربي محير عن الغناء الأندلسي والموشحات الأندلسية ولو راجعت أعداد مجلة الاذاعة والتلفزيون لتجد ذلك البجث والذي يمكن الاستفادة منه في محاولاتك سبر أغوار ذلك الموضوع وترى تعليق الموسيقار الراحل والذي ذكر في مقدمته الأستاذ / جمعه جبر ( يسرنا أ، يكسب هذا الباب كاتباً مجيداً من المهتمين بالموسيقى ….. ) .
الأكرم محمد جمال
تحية واحترما
يطمئن المرء حين يعلم أن الدراسة والتدقيق ينتظر انك. وينتظرك عمل كبير ، ولكن من الأصوب إن كان الموضوع قيد البحث فإن الفرضية التي تقول عنها ( تظل احتمالاً ) ولكني لمست أنك تتحدث عن السرقة في الأشعار واللحون . وأنك لم تتحدث عن التناص .
يلزمك المعرفة التاريخية والتدقيق على أن النفر من المبدعين في الشعر وفي اللحن والغناء ، في فترات زمنية مُحددة ، لها معرفة بالموشحات : نظمها ولحونها ، وكيفية انتقالها لمجموعة من الشعراء والملحنين كمجموعة ، لأن ( المُكاورة ) ليست من أساليب العلم .
وأغلب هؤلاء المبدعين هم من دارسي الخلاوى والمدرسة الأولية في زمانهم ، واطلاعهم على التراث في الشعر العربي القديم ، ومقارنة بين بيئة البوادي في جزيرة العرب ، وبيئة البوادي في أرض الكبابيش والشُكرية .
ويمكنك المقارنة على سبيل المثال بين معلقة ” طرفة بن العبد ” ووصفه لسفينة الصحراء، ذات الوصف تجد تناصه مع شعر محمد أبوسن ” الحاردلو ” الذي توفى 1916 . والأمثلة كثيرة . فألفية ابن مالك كانت معروفة منذ التركية السابقة ، والشعر العربي القديم وفي فترات الحكم الأموي والعباسي كذلك .
أما الأندلس ، فمعظم التراث كان يتنقل بين مصر والشام وبغداد ، ومبدعيه كانوا يسافرون تلك الأماكن ، ولا أثر مباشر ليعبروا إلى وسط السودان، ولا لما نقلوا كذلك . وهنالك آثار تاريخية من أنه بعد انهيار الحكم في الممالك الإسلامية في الأندلس ، هاجر المغاربة إلى السودان عبر غربه ، واستوطنو ا مناطق في حلفا ووسط السودان ، بل هنالك زعم بأنهم كانوا من وراء حلف عبد جماع وعمارة دنقس في القضاء على سوبا المسيحية . وهؤلاء محاربون وليسوا أهل ثقافة وإن كانت كذلك لظهرت في حكم التركية السابقة .ولا أعتقد بأن موشحاتهم انتظرت أكثر من أربعمائة عام ليطلع عليها رواد الشعر واللحون في الثلاثينات والأربعينات وبدء الخمسينات من القرن الماضي .
ووصف أغنية الحقيبة هي وصف لحقيبة الشاعر” صلاح أحمد محمد صالح “التي يأتي بها لإذاعة أم درمان ، وليست فترة يمكن القبض عليها والتدقيق على شعرائها .أن أساطين الألحان أمثال كرومة وحاج محمد أحمد سرور ليست لهم صلة ثقافية بذلك التناص الذي تتحدث عنه ، فالأخير كان سائقاً يتنقل بين ” تسني ” ومدن أواسط السودان وشرقه ، يمكن أن تكون هنالك صلة بينهم وبين أثيوبيا أو أريتريا الحالية ، ولكن بثقافة موشحات الأندلس ، فذاك بعيد وفق ما أرى .
أذكر في زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ” الشيخ زايد ” قد زار السودان في السبعينات .وتم إقامة سباق للهجن في بوادي كردفان ، وقد تستغرب أن فرسان الهجن ، كانوا يتحدثون بطلاقة أهل بدو الإمارات ، فكان الشيخ زايد يشرح لنميري حديثهم !!!!. وتلك مشتركات بدو الجزيرة وبدو أواسط السودان.
أتمنى أن أكون قد أضئت بعض الجوانب الهامة في الموضوع .
*