في رثاء الكهرباء

وصلت الخرطوم في ذات عطلة، والبلد كله في حالة ترقب، لأن توربينات كهرباء سد مروي، كانت على وشك أن تضخ تيارا كهربائيا يهزم الظلام الذي أبدع التيجاني يوسف البشير في وصفه: لليلِ عمقٌ وفي الدجى نفقٌ/ لو صُبّ فيه الزمان لابتلعه، وكنت بدوري فرحا لأن خوفا طفوليا من الظلام ما زال يلازمني،وجلسنا لنحو ساعتين لتوديع الكهرباء الحرارية، وفجأة حدث أمر، لا سابق له في تاريخ السودان: إظلام تام في كافة ربوع الجمهورية الفتية (الأمريكان يعتبرونها «فاتيّة»، شكيناهم للذي لا نام لا أكل الطعام)، فصارت ليلتي هذه عروس من الزنج عليها قلائد لا ترى بالعين المجردة، وهرب النوم من جفوني فيها هرب الأمن من فؤاد الجبان، وعلمنا لاحقا أن كهرباء مروي طرشقت خطوط الجهد العالي والواطي، ومنذ يومها لم تشم الكهرباء في السودان العافية، خاصة وقد آل أمر إدارة مرافق الكهرباء لأشخاص يحسبون أن الفيزياء تخصص طبي.
وظللت لسنوات أعاني من تقلبات مزاج الكهرباء، التي فتكت بمعدات كهربائية «حنكوشة»، لا تتحمل الشدائد لأنها مبرمجة على تيار ثابت، ثم أهداني الأستاذ زين العابدين حجاز، قصيدة للشاعر المبدع شمس الدين حسن خليفة،وقيامي بنشرها هنا، لا يجعل مني لصا بل مجرد شخص تسلم الشيء المسروق، وتصرف «فيه»، وعموما فأنا ابن بلد لا احترام فيه للملكية الفكرية او الفكر، وحتى لو واجهت تهمة السرقة فالبركة في فقه السترة، (لا استطيع التحلل في هذه الجريمة لأن موهبتي الشعرية وئدت على يد مدرس اللغة العربية في المرحلة المتوسطة، عندما ضبط البيت الأول والأخير في مسيرتي الشعرية (من نارك يا جافي / أنا طالب المطافي)، وضربني حتى طار شيطان الشعر من رأسي نهائيا
عنوان قصيدة شمس «حليل الكهربا»، ويقول فيها: حليل الكهربا الجافتنا دون أسباب / لا تنكرنا ليها ولا قفلنا الباب / يزيدوا رسوما نتفاءل نزيد ترحاب / وكل ما نقول توافي / نلاقي ظننا خاب
???
متين يا الكهرباالمقطوعة I see you
وإنتي دوام مريضة و راقدة I.C.U
معاك الناس تعيش كل يوم مآسي New
محتارين معاكي : يموتوا أم يحيوا
(لأترك بصمتي في هذه القصيدة أوضح أن ال ICU هي وحدة العناية المكثفة في المستشفى)
تبكيك المصانع ? تعطلت مكناتا / زايده خسائرا ? و متوالية يوتنكباتا
وكهربة السواد السادرة في حركاتا / لاها الحية لا أعلنتوا لينا مماتا
تبكيك المكاتب ضُمه ما شغالة
الأمخاخ معطلة و السموم ملالة (رياح السموم الصيفية وليس سموم السيانايد المستخدمة في تعدين شختك بختك للذهب)
الناس بي هدوما تضيق وحالتا حالة
وكهربة السرور بدغاله سايقة دلالا
تبكيك كل تلاجه و فريزر سايح / بدموع التلج السايلة تملا صفايح / والأكل التلف قطع قلوبنا سرايح / وكرت الجمرة مدفوع تمنو ساكت رايح
يبكيك جسمي عرقو دموع غزيره تسيل / خلاص صابني الجفاف و إنهد مني الحيل
معدومه الشهية ونومي ذاتو قليل / مهيأ صرت لي ضربة حرارة عديل
تبكيك الشموع شوف عيني جارية دموعا / سوقن حرَ ? في كل بيت مزروعة /
الناس كيف كمان ما تكون دوام موجوعة / مادام كهربتنا نهار وليل مقطوعة
تبكيك الشوارع فايرة زادت عتمة / باليل الأرض نار قايدة و الحوش كتمة /
والروح في المناخير لا هبوب لا نسمة / علينا إتفقوا ديل ولا الحكايه دي قسمة
تبكيك الحلوق الناشفة ولسانا إنسلّ / حاره الموية و الريق الدقيق ما اتبل
ولو جانا التراب الطينه تزداد بله / قلنا الروب وراجين الفرج من الله
ما بنستغنى عنها ? إلا كيف نصلا ؟ / رضينا نصوم ونفطر حتى لو بي بصلة /
حكاية الكهربه و مغايصا المتصلة / زي حب الحلنقي الإشتهر في كسلا
أنا متأكد من أن هذا المقال المسروق بالكامل تقريبا سينال استحسان القراء، بل وأدرك أن منهم من سيسطو عليه ويتداوله عبر واتساب وكتاب الوجه (فيسبوك)
الصحافة
يا أبو الجعافر …. ده شنو يا أخي ؟؟؟
رائع ياجعفر عباس ، رائعة و ياريت الملامة تفيد
عازه قومي كفاك