الإحسان..!ا

حديث المدينة

الإحسان..!!

عثمان ميرغني

زرنا ليلة أمس الأول.. الدكتور حسن الترابي في منزله بالمنشية.. كعادته كان كريماً للغاية في المعلومات.. ويجيب على الأسئلة بأوضح ما تيسر بلا أدنى تردد أو هواجس.. والترابي في معظم الأحيان يغنيك حتى عن طرح الأسئلة.. لأنه ينساب في الحديث عن قضايا الوضع الراهن دون انتظار للسؤال.. ولكن..!! أشد ما أثر في نفسي.. حديثه عن ظروف اعتقاله الأخير.. قال الترابي وكررها أكثر من مرة؛ أنه ومنذ الستينيات ظل ضيفاً دائماً على سجن كوبر.. قضى فيه أكثر من عشر سنوات كاملة.. مع ذلك لم يرَ معاملة أسوأ ? طوال سنوات سجنه في كوبر ? من المعاملة التي تعرّض لها هذه المرة.. حكى كيف سقط على ظهره عند محاولته غسل رجليه أثناء الوضوء.. طار وسقط على ظهره وارتطمت جمجمته بالأرض.. مما استدعى نقله إلى مستشفى ساهرون.. ولا يزال الأطباء يطلبون منه العودة مرة أخرى للاطمئنان أن الجمجمة لم تتأثر.. وروى كيف أنه فوجئ بزج سجين آخر معه في الغرفة التي ليس بها سوى سرير واحد.. وكيف أن السجين مرض وتطلب الأمر نقله إلى الطبيب.. فقيدوا بالسلاسل يديه ورجليه ثم عصبوا له عينيه بقطعة قماش.. قبل نقله إلى المستشفى.. في تقديري أن أوضاع المعتقلين (والمحكومين) في سجن كوبر يجب أن تتغيير.. الإسلام أمر بـ(الإحسان) حتى في الذبح.. فلماذا الإهانة والمعاملة الخشنة، طالما أن القاعدة القانونية تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته.. وزير الداخلية المهندس إبراهيم حامد يجدر به أن يذهب بنفسه إلى سجن كوبر ويراجع أوضاع المقيمين فيه.. من أبسط حقوق الإنسان أن تحسن دولته معاملته طالما هو في كنفها.. حتى لا تبدو الصورة في أحط النقيض مع ما نسمع به من معاملة الغرب لمن هم في سجونه.. في التحقيق الصحفي بعنوان (اختطاف) والذي لم يكتمل نشر حلقاته بعد. حكى لي السجين السوداني محمد النافع عن سنوات حبسه في أقوى القلاع الأمريكية.. سجن في باطن الأرض بعمق خمسة طوابق.. مع ذلك كانوا يجلبون له أعظم المراجع الإسلامية عندما يطلبها ويسمحون له بممارسة الرياضة ولعب كرة القدم.. ويعلمونه عبر شبكة تلفزيونية مغلقة حتى أتقن اللغة الإنجليزية وحصل على عدة شهادات في مختلف العلوم.. وكان يقدم لهم أفضل الطعام والوجبات بما فيه الآيسكريم. الأمر في النهاية يعتمد على مدى قناعتنا بكرامة الإنسان حياً أو ميتاً. لكن إذا افترضنا أن الإهانة هي جزء من العقوبة.. فنحن في حاجة ماسة لمراجعة فهمنا للإسلام.. حتى محكومي حركة العدل والمساواة المقيدين بالسلاسل في سجن كوبر؛ يجب أن نحسن معاملتهم.. فالعقوبة هي تقييد الحرية.. وليس تقييد الكرامة الإنسانية..(ولقد كرمنا بني آدم).. (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا.. اعدلوا هو أقرب للتقوى..).

التيار