حباحب وتماسيح

الحباحب تأكل البعوض ،والأسماك تأكل الحباحب التي أكلت البعوض ، والكل ، الحباحب والبعوض والأسماك ، تذهب الى بطن التمساح ، الأكبر حجما والأعلى سطوة وقوة ، يسطو على ما عداه الأقل منه حجما والأدنى رتبة ، تلك هي دورة الحياة التي قضت حكمة الله أن تمضي هكذا ، لتحفظ توازن الكون ، ليس بمنطق القوي يأكل الضعيف ، بل بالتدافع والتنافس ، أو ما يسميه علماء الزولوجي ( zoology ) الأعداء الطبيعيين ، ويطلق عليه العامة ( سيدي بي سيدو ) والكل برب العالمين .. فمثلا البعوضة هذه الحشرة المزعجة التي تقلق منام العالمين وتصيبهم بالسهر والحمى ، تعتبر الوجبة المفضلة للوطواط ، يقبل على التهامها بشراهة وهي تبذل جهدها لتفاديه والهرب منه ، بينما تبحث عن البني آدم أينما حل ، وعلى هذا قس بقية مخلوقات الله ، فما من مخلوق منها الا وله آخر يؤدبه ، وربما يودي بحياته ، ولكن للأسف فإن لهذا الناموس الكوني المسطور منذ الأزل ، لحفظ توازن الحياة واستمرارها ، دون طغيان ودون اختلال حتى لا تفسد الأرض ، ناموسا آخر فاسدا من صنع البشر ، يستحل دماء الخلق ويستبيح مالهم بنفس تراتيبية الحباحب والتماسيح ، تبدأ بالفاسد الصغير حجما وسلطة وتتدرج..
فالفساد درجات و رتب ومراتب ، وكذلك اللصوص واللصوصية ، فمنهم من يسطو على عشرات الألوف ، ومنهم من ينهب الاف المليارات ، كل ينهل من معينه الذي وضعته المقادير لقضاء حوائج الناس منه ، فإذا به يقضي عليه حتى صار عند الناس بعض الفساد أهون من بعض ، وأذكر هنا ( مرافعة قوية ) لأحد المسؤولين ضد تهمة تلاعب لحقت بمؤسسته ، قال فيها إن نسبة 20% فقط فساد شئ يستحق الاشادة فتأملوا ..وبهذا القياس الفاسد اذا كنت مثلا مسؤولا عن مصير عدد من الرعية ، هب أنهم عشرون فردا ، وتلاعبت في حق أربعة ، تكون بذلك قد حققت انجازا في الأمانة والنزاهة تبلغ نسبته 80% وهذا عمل جدير بالاشادة ، أو اذا كنت مؤتمنا على مبلغ ، لنقل إنه مائة مليون بالقديم ، ولكن نزاهتك وأمانتك وخوفك من حساب الله الآجل والعاجل جعلتك تحول منها فقط عشرة ملايين لمصلحتك الشخصية ، فأنت اذن من الأمناء الأقوياء خير من يستأجرون ، لأنك لم تقض الا على عشر مبلغ الأمانة وهذا منطق في الفساد عجيب ، لا يكف يد الفاسدين عن المال العام ، بل يبقيها ممدودة اليه تطلب المزيد ، فلا حرج ان أكلت التلتين وأبقيت على التلت فالمال تلتو ولا كتلتو ، وان فاتك الميري ادردق في ترابو ، وأعطوا الخبز لخبازو ولو ياكل نصو ..

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..