فتش عن الخدمة المدنية !!

كلما ضاق الناس ذرعاً بالفساد في الأجهزة الحكومية،قال السدنة أنهم بصدد برنامج عريض لإصلاح الخدمة المدنية..ولكن هذه الخدمة التي تسمى مدنية لم تعد موجودة على الواقع،بل حلت محلها أجهزة تتبع للمؤتمر الوطني،من مديرها إلي (غفيرها).
ولأن الذين صعدوا إلي قمة هذه الأجهزة كانت ولا زالت مؤهلاتهم الولاء قبل الكفاءة،فانظر إلي ما فعلوه بالمال العام،حسب ما قاله المراجع العام لجمهورية السودان،فالذي لم يسرق الخزنة الحكومية في وضح النهار،تلاعب بفواتير المشتروات،والذي لم يرتشي من العطاءات،فرض رسوم خاصة ووضعها في حساب خاص يتصرف فيه بمفرده،والذي لم يوضع في كشف الترقيات،كتب أسماء وهمية في كشف المرتبات،ولهف قروش الشعب..
والذي سرق فيهم ولم يمسح(شنبو)وساقته الظروف للمحكمة تحلل،وتغيرت صفته من حرامي إلي شريف،وعاد لموقع عمله سالماً.
والذين كانوا من قبل الإنقاذ (فاقد تربوي)،صاروا ضباطاً في أجهزة حساسة،ومن صار بالمعاش احتل مقعده في رأس أي مؤسسة عامة أو صار عضواً منتدباً في مجلس إدارة شركة مشهورة،واللقب(جنابو).
وأجهزة المؤتمر الوطني التي كانت قديماً تسمى بالخدمة المدنية،لا علاقة لها اليوم بالمصالح اليومية للناس،بل تخدم حصرياً الحزب الحاكم،وتقف أنت يا أيها المواطن أمام أي شباك في أي منها،فيضيع يومك،وأنت ترى الآخرون يدخلون من الأبواب الخلفية،ويخرجون بالأوراق المختومة،ولو سألت عن المسؤول قيل لك أنه في اجتماع،ولو انتظرت لباقي اليوم،قيل لك أنه ذهب لاجتماع آخر مع الوزير،وأمشي وتعال بكرة،والحل أن تنتظر إلي يوم القيامة العصر،أو تدفع(حركة)كيما تسهل أمورك.
وفي يوم ما كانت بالخدمة المدنية،عربات حكومية ذات لوحات صفراء،لكنها وفي منعطف(فسادي)تم تمليكها لسدنة المؤتمر الوطني وبالقيمة الدفترية بعد طرح الإهلاك،ومنحوا بدل ميل مكافأة،وبالتالي حصلوا علي أصول الدولة وأملاك الشعب مجاناً.
وفي يوم ما كانت بالنقل الميكانيكي،وهي مؤسسة عامة تمت تصفيتها،قندرانات،وورش صيانة،ومعدات،وزيوت،واسبيرات،فأين ذهبت؟
وفي يوم ما كانت هنالك سكة حديد،ونقل نهري،ونقل بحري،فأين ذهبت القطارات،والبواخر،والسفن ؟ وقس على ذلك الطرق التي(أكلت)مثل طريق الإنقاذ الغربي.
ومن المفارقات أن المدير السادن،لو كان علي رأس مؤسسة ذات علاقة بالتدريب،كان له مركز تدريب خاص،ولو كان في قيادة مؤسسة صحية،كان صاحب مستوصف خاص،ولو كان مسؤولاً عن التعليم،كان مالكاً لمدرسة او جامعة خاصة،وهكذا تسخر إمكانات القطاع العام لخدمة القطاع الخاص،ومافيش حرامي بسأل حرامي.
والمدير السادن نفسه،يتم تعيينه بعقد خاص وبمرتب وامتيازات خاصة خارج إطار الهيكل الراتبي المعروف،وهو في الغالب ممن تجاوزوا سن المعاش،ولكنه(واصل)،بمعنى الإنتماء التنظيمي،والمصالح المتبادلة أسوة بالمثل الإنتهازي(نفع واستنفع).
إصلاح الخدمة المدنية وهو المطلوب،يأتي باسترداد الخدمة المدنية من الأول،ولا تسترد إلا باسترداد الحرية والديمقراطية،ويومها تنكشف الحقائق عما كان يدور في دهاليز الأجهزة الحكومية،وحكاية قدورة والدلالية.
واضـيف ايضا عـودة الـنـقابات .