مفهوم الدولة القومية وتحديات ممارسة حق تقرير المصير

مفهوم الدولة القومية
وتحديات ممارسة حق تقرير المصير
مقدمة:
إستقرت العلوم السياسية والاجتماعية علي عدة نظريات أساسية لتفسير نشوء الدولة القومية، وتحديد معني الأمة، منها النظرية الماركسية: نشوء الأمم في عصر الرأسمالية، توحيد الأسواق، الخ. أو النظرية الصناعية التي تربط نشوء الأمم بالإنتقال من المجتمع الزراعي الي الصناعي. أو سوسيولوجيا الحداثة التي تري في الدولة القومية الشكل الحديث لتنظيم المجتمع.
عليه، سوف نستعرض في هذا البحث، بعض المفاهيم الجوهرية لنشوء الدولة القومية ، بدءً بتعريفات “القومية ? الأمة”، ثم الجذور الثقافية للقومية ، ومنابع الوعي القومي في الدولة الحديثة، و مستقبل النزعة القومية، وأخيراً قراءة للواقع السوداني مقروناً بتجربة إنفصال جنوب السودان التي أنتجت أفشل تجربة للحكم في القرن الحادي والعشرين، ومآلات حق تقرير المصير الذي رُفِعت شعاراته من جبال النوبة إبان الأزمة الحالية التي تمر بها الحركة الشعبية لتحرير السودان ? شمال.
أولاً/ تعريفات:
1- القومية:
لقد كان مصطلح القومية إجتهاداً لإيجاد مُعادل لكلمة “Nation State” الإنجليزية، والتي تعني عند ترجمتها للغة العربية “الدولة القومية” وقد أدي ذلك الإجتهاد الي كثير من الإلتباسات، وذلك لأنه حاول نقل المصطلح، ومن ثم المفهوم علي سبيل التقليد والمحاكاة، دون إعتبار لحقيقة التطور الإقتصادي والإجتماعي الذي يكوِّن الوحدات الإجتماعية. فإذا قبلنا القومية معادلاً لل”Nation State” فستبقي في واقع الأمر “أيديولوجية، وممارسة” وتقوم أيديولوجية “القومية” علي الوعي “بالأمة” الذي يقرر برامج محددة وأنماط سلوكية معينة تهدف الي تنمية وترقية وحراسة “مصالح الأمة” السياسية، الإقتصادية، والثقافية بشكل شامل. وبما أن “فكرة القومية” قائمة علي الوعي بالأمة، فإن من الضروري تحديد ما إذا كان هذا الوعي قائماً علي أساس “إثني” وهو عندما تكون الأمة قائمة علي إثنية واحدة، أو “إجتماعي” عندما تكون الأمة مكونة من عدة مجموعات إثنية، أم “رسمي” وهو إنتماء الأفراد للدولة دون وعي، كما يحدث في كثير من الدول القهرية التي تحاول فرض أيديولوجية الحُكام القومية ومفهومها للأمة.
2- الأمة:
لقد ظل مصطلح “أمة” كمصطلح سياسي ـ إجتماعي، يثير كثير من الجدل حول كثير من جوانبه. ورغم التحفظات حول إيجاد تعريف شامل للأمة فقد قبل عُلماء السياسة والإجتماع منذ العقود الأولي للقرن العشرين تعريفات لا تخرج في عمومياتها عن تعريف، فرانسيس ليبر، الذي يُعرِّف “الأمة” بأنها: (جمع من السكان، خرج من فترة، في مرحلة الصيد وإستقرت علي بقعة محددة من الأرض ذات حدود جغرافية محددة لها إسم محدد، ويتحدث ساكنوها لغتهم الخاصة ولونهم الخاص بهم ودستورهم الخاص الذي يميزهم عن المجموعات الأخري المشابهة وأن يكونوا مواطنين أو رعايا لحكومة موحدة)، وهذا التعريف إذا أسقطناه علي الواقع السوداني فلا يتعدي مفهوم القبيلة أو الإثنية ذات اللغة المشتركة بأي حال من الأحوال، وهذا يفتح أمامنا الباب علي مصراعية لتحديد ما هي الأمة التي نقصد، وهذا ما سنبحثه في نهاية البحث.
ولكن تبين فيما بعد عدم كفاية هذا التعريف وحجم الإلتباس الذي يسببه التداخل بينه وبين تعريف “القومية” من جهة و”الدولة القومية” من جهة أخري. ومنذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا فقد ظل عُلماء السياسة والإجتماع يواصلون جهودهم لإعطاء مصطلح “الأمة” أبعاداً وخصائص تجعله أكثر دقة ووضوحاً، وتميّز بينه وبين المصطلحات ذات بعض الصفات والخصائص المشتركة، ولا سيما بعد أن تبين أن بعض “الأمم” مازالت رغم إنشطارها الي وحدات صغيرة موزعة علي عدد من “الدول القومية،” فإنها ماتزال تحس بالإنتماء الي “أمة.” رغم عدم وجودها في “رقعة جغرافية محددة لها إسم محدد” مثل الأكراد، كمثل واضح لهذه “الأمم.”
فالأكراد توزعوا الي كيانات في عدة دول: العراق، تركيا، سوريا، إيران، وبعض أجزاء الإتحاد السوفياتي السابق، لكنهم مازالوا يصرون، بناءاً علي كثير من الخصائص التي يتضمنها تعريف الأمة، مثل: اللغة، الأدب المشترك، والتراث والتاريخ المشتركين، علي أنهم أمة واحدة. نتيجة لهذه التطورات دخلت تعديلات كثيرة علي تعريف فرانسيس ليبر أكثرها إحاطة هي تعديلات البروفسور، جيمس كيلاس، الذي فصّل تعريف الأمة الي خصائص “موضوعية” وأخري “ذاتية” وصار تعريفة للأمة كما يلي:
(الأمة مجموعة من الناس يحسون بأنهم يكوِّنون جماعة يربط بينها تاريخها وثقافتها ومنتجاتها وأسلافها، وللأمم خصائص موضوعية وأخري ذاتية، فالخصائص الموضوعية يمكن أن تحتوي علي رقعة الأرض واللغة والدين والأسلاف المشتركين، أما الخصائص الذاتية فهي وعي هذه الجماعة بهذه الأمة والإعتزاز بالإنتماء لها. وفي أعلي درجاتها هي ذلك “الولاء الأعظم” الذي يجعل الأفراد مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل الأمة).
بعد هذه التعريفات مازال مصطلح “أمة” يثير كثير من الإلتباس، فمصطلح “أمة” يُستخدم أحياناً ليعني دولاً وذلك مثلاً عند إستخدامه في إسم “الأمم المتحدة” فعضوية الأمم المتحدة تقوم علي أساس “الدول” وليست علي أساس “الأمم” ولكن صار متعارفاً علي تسمية هذه المنظمة بـ”الأمم المتحدة.”
حيث هناك عاملين شاملين أو مُحفزين حاسمين في تشكيل المجموعات والحفاظ عليها وبالتالي مُرشحان قويان لبناء نظرية الإنتماء القومي، وهما:
– العامل الأول: الإرادة، التمسك الطوعي والإنتماء، والولاء والتضامن من جهة.
– العامل الثاني: الخوف، القسر، والإرغام من جهة أخري.
مسلحين بالتعريفات والمفاهيم أعلاه نثبر غور المسألة، وذلك من خلال الآتي:
1- “الدولة القومية” تعني في جوهرها (فرض عام للثقافة العليا علي المجتمع، مما يعني أن هنالك ثقافات دنيا خاصةً في الدول متعددة القوميات، وتقوم فكرة القومية علي الوعي بالأُمة). ونترك سؤال في شكل نفاج يقودنا الي جوهر المسألة المتعلقة بالقضية السودانية وهو : ماهي الثقافة العليا التي يُفترض أن يتبناها السودانيين بمختلف إنتماءاتهم الإثنية /الثقافية والدينية؟ ومهما نختلف أو نتفق في مسألة (الفرض) كيف يتم ذلك؟ وكيف يمكن الوصول الي تلك الثقافة؟.
2- أنواع الوعي بالأمة: وسمها المعطيات التي نتبعها من أجل إثبات الفرضيات التي نعمل من أجلها، وهي:
(أ) الأمة القائمة علي الأساس الإثني: وهي عندما تتكون الأمة من إثنية واحدة، وهذه فرضية ينفيها الواقع السوداني، رغم نماذجها المتعددة في التجارب التاريخية.
(ب) الأمة القائمة علي الأساس الإجتماعي: وهي عندما تكون الأمة مكونة من مجموعات إثنية متعددة، وهي الفرضية التي نحاول إثباتها معرفياً منطلقين من رؤية السودان الجديد، وبطبيعة الحال لديها نظريات ونماذج مشرقة في عالم اليوم تتعلق بكيفية إدارة التنوع في الدولة الحديثة.
(ت) الأمة القائمة علي الأساس الرسمي: وهي فرض أيديولوجية الحكام علي الأفراد دون وعي منهم، وهي الجريمة التي تمثل الواقع الراهن في السودان، والتي نحاول بكل مانملك من معرفة لنفيها وتجاوزها وتبرئة من يساقون إليها دون وعي وتبصُّر، من أجل فتح المجال الإجتماعي لتقبٌل فرضيتنا المطروحة، أو نقدها وتجاوزها لما هو أشمل وفقاً للفرضية نفسها، وهي: (الأمة المكونة من مجموعات إثنية متعددة).
ثانياً/ الجذور الثقافية للقومية:
هناك جذور أساسية للقومية إذا أردنا تتبعها بشكل تاريخي، وهي:
1- السلالات الملكية:
وهي يمكن تسميتها الدويلات ما قبل ظهور الدولة الحديثة وتمثلها إجمالاً فترة (الممالك، والإمبراطوريات) في السياق التاريخي.
حيث كانت تلك الدول تتوسع وتضمن تماسكها الداخلي من خلال الحرب وعن طريق الزيجات السياسية “الزواج السياسي” ومن خلال التخويف والقسر والإرغام من جهة، ومن ثم التمدد من خلال الزواج (علاقات الزواج )Affinal : والتي هي علاقة القرابة التي تنشأ عبر الزواج. أي أن شخص ما يفترض أنه من سلالة الملوك تزوج امرأة ما من الخاضعين لتلك السلالة، ومع إعتبار علاقات السلطة فإن الطرف الثاني يخضع للأول ولو من قبيل التباهي بالإنتماء للمسيطر وما يتناسل عن ذلك من إمتيازات، فهذا يخلق صلة قرابة علي المدي البعيد تقود الي الإعتراف بالسلطة المفروضة بشكل يبدو طوعياً، من جهة أخري، وبذلك تكتسب الشرعية، لكن بعد العام 1789م تغيرت هذه الشرعية والسبب هو ظهور المفهوم الحديث للدولة بشرعيته الجديدة، والذي يختلف بنيوياً عن تلك الأشكال التاريخية.
2- الجماعة الدينية:
الشكل الثاني للجذور الثقافية لفكرة القومية تاريخياً، هو : الجماعة الدينية، حيث تاريخياً نجد إمتدادات لهذا الشكل من مفهوم القومية تمثل في الأمم الدينية الكبري، حيث:
(أ) أراضي الإسلام “أُمة الإسلام” وإمتدادها من المغرب الي أرخبيل سولو.
(ب) وإمتداد عالم المسيحية من الباراغواي الي اليابان.
(ت) ومن ثم إمتداد العالم البوذي، من سري لانكا الي شبه الجزيرة الكورية.
فـ”أمة الإسلام” أو “العالم المسيحي” أو “العالم البوذي ? المملكة المتوسطة Middle Kingdom ? المملكة الصينية” لم تتخيل “تلك الأمة أو هذه العوالم” نفسها إلا بواسطة اللغة المقدسة، والنص القدسي المدوَّن.
وفيما يتعلق بالمسيحية تاريخياً، فكانت اللغة اللاتينية، تمثل اللغة المقدسة، وبما أن اللغة حامل ثقافي فكانت ترفد متلقي تلك التعاليم الدينية بالمحتوي الثقافي للاتينية، وهو ما حطمته ثورة الإصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر عندما وضع أطروحاته عام (1517) علي بوابة الكنيسة المنشقة في “فيتنبرغ”حيث كانت الأطروحات مطبوعة في ترجمة ألمانية إنتشرت في عموم البلاد في ظرف (15) يوماً. وجاء أخرون بعد لوثر ليكملوا ما بدأه مُفتتحين حرب دعاية دينية هائلة تقودها الكنيسة البروتستانية، استعرت في عموم أوروبا في القرن التالي.
إن تحالف البروتستانتية والطباعة الرأسمالية الذي يعزيه بعض الكتاب لظهور الدولة الحديثة (Nation State)، إستثمر الطبعات الشعبية الرخيصة، ليخلق بسرعة جمهور قراء جديداً وضخماً ? وسط التجار والنساء الذين كانوا يجهلون اللغة اللاتينية، ويحرك هذا الجمهور ويعبئه في آن واحد لأغراض، دينية ? سياسية، ولم يقتصر ذلك الحراك علي هزّ الكنيسة وحدها. فالزلزال نفسه ولّد أوائل الدول الأوروبية المهمة، التي ليست دولة ? أسرة مالكة، أو دولة جماعة دينية، بل دولة جديدة من طراز الجمهورية الهولندية وكومنولث البيوتانيين، وهي نماذج لما صار لاحقاً يُعرف بالدولة القومية أو الدولة الحديثة.
نمط إدراك الزمن:
ففي جوف هذا الإنهيار للجماعات المقدسة، واللغات المقدسة، والسلالات المقدسة، كان هناك تغير جوهري في أنماط إدراك العالم، وقد أتاحت أنماط الإدراك هذه، أكثر من أي شئ آخر، “التفكير” في الأمة. لأن العقل المسيحي في القرون الوسطي لم يكن يحمل أي تصوُّر عن التاريخ بوصفه سلسلة لا مُتناهية من الأسباب والنتائج، أو بوصفه سلسلة تنطوي علي إنفصال جذري بين الماضي والحاضر. وإذا وقع حدثين الأول في الماضي والثاني في الحاضر فلا يمكن إقامة صِلة زمنية أو سببية بينهما وفقاً لإدراك الزمن في القرون الوسطي، إلا بواسطة ربطهما (الحدثين) عمودياً بالعناية الإلهية في السماء، فهي وحدها القادرة علي إبتداع مقادير التاريخ وتقديم المفتاح لفهمها … إن ما يحدث “هنا” و”الآن” ليس حلقة في سلسلة دنيوية من الأحداث، بل هو شئ متزامن وكان متزامناً منذ الأزل، وسيحصل في المستقبل، وهو في نظر الله شئ أزلي، شئ كليّ الزمن، شئ مكتمل في مملكة الحدث الأرضي المُجزأ. وهذه الفكرة عن التزامن غريبة كلياً عن فكرة العصور الحديثة عن التزامن الذي يعتبر من أهم إبتكارات القرن السابع عشر المتمثلة في:
1- هيمنة العقل.
2- تطبيق الحسابات الكمية علي ظواهر الطبيعة.
3- تطبيع الزمن علي يد نيوتن وهو “زمن الحداثة” الذي يُقاس بالساعة والتقويم.
أمّا أهمية هذا الإنقلاب في فهم الزمن لميلاد الجماعة المتخيّلة كـ”أمة” فيمكن أن نراها جلية لو تمعنا في دراسة البنية الأساسية لشكلين من التخيُّل إزدهرا أول مرة في أوروبا حتي القرن الثامن عشر، وهما: الرواية، والصحيفة. لقد قدّم هذان الشكلان الوسائل التكنيكية لـ”تمثيل” هذا الصنف من الجماعة المُتخيّلة في الدولة الحديثة المسمي: “أمة”.
ثالثاً/ منابع الوعي القومي في الدولة الحديثة:
إذا كان نمو الطباعة ? السلعية ? (رواية، صحيفة، كتاب، …)، هو المفتاح الموصل الي توليد أفكار جديدة كُلياً عن التزامن، فإن الأولوية لنشوء جماعات “Communities” من النمط العلماني ترجع لنمو الرأسمالية.
ففي عام (1500م) قد طُبع (20) ألف كتاب، وقد سجل ذلك بزوغ “عصر إعادة الإنتاج الميكانيكي،” وتميّزت صناعة نشر الكتاب بإعتبارها واحدة من الأشكال المبكرة جداً للمشروع الرأسمالي، بكل ما أنطوت عليه الرأسمالية من سعي دائب وحثيث الي الأسواق. وإذا كان عدد المجلدات التي طُبعت حتي عام (1600) قرابة (20) مليون، فمن الطبيعي أن يري فرانسيس بيكون أن الطباعة غيرت (شكل العالم وحاله)، وباتت هذه الصناعة “أكثر من أي وقت مضي” صناعة عظيمة تحت إمرة “الرأسماليين الأثرياء”، وبالطبع فإن “باعة الكتب” كانوا معنيين أساساً بجني الربح وبيع المنتجات، وعليه، فقد سعوا أولاً وقبل كل شئ الي نشر تلك المؤلفات التي تهم أوسع جمهور ممكن من معاصريهم.
لكن هناك أسباب متعلقة بمنطق الرأسمالية وهي ضخامة الجماهير المتحدثة باللغات المحلية ذات اللغة الواحدة وقِلة الذين يجيدون اللغة اللاتينية، فكانت للغواية والإغراء للسوق الكامنة الضخمة المتمثلة بجماهير “أصحاب اللغة الواحدة” أثراً كبيراً في التحول للكتابة باللغات المحلية، كما أنه بحلول منتصف القرن السابع عشر حدث شح في النقود في أوروبا، مما كان له الأثر البالغ في طباعة نُسخ رخيصة باللغات المحلية. إن هذا الإندفاع الرأسمالي الذي يهدف للربح من خلال الطباعة باللغات المحلية، حُظي بثلاثة حوافز جديدة، أسهم إثنان منها علي نحو مباشر في نشوء الوعي القومي عبر نشر الوعي بالأمة الجديدة (التنوير)، بطريقة غير مباشرة، وهي:
الحافز الأول:
تغير طابع اللغة اللاتينية ذاتها، فبفضل جهود الإنسانيين “Humanists” في إحياء الأدب القديم الواسع، السابق للمسيحية، ونشره عبر أسواق الطباعة، تبلور تقدير جديد وسط الإنتلجنسيا الأوروبية كلها، يُثمِّن الإنجازات الأسلوبية المتطورة للقدماء، وباتت اللاتينية التي يطمحون الي الكتابة بها في السابق، بعيدة جداً عن اللغة الكنسية ولغة الحياة اليومية (إنتفاء سبب اللغة في ذاتها ? كنص مقدس).
وبذلك بدأت مسيرة إحياء الأدب والمنتوجات الثقافية المعرفية، فنبضت الحياة بالإحياء الثقافي بإعادة قراءة ونقد وتجاوز، ما أنتجه اليونان من فلسفة (سقراط، افلاطون، وأرسطو) الذين تم دفنهم بالتأسيس لفلسفة القرون الوسطي من خلال القديسين (أوغسطين و توما الاكويني) ،أوغسطين: الذي أصدر كتاب مدينة الله وقدم فيه تفسيراً للتاريخ البشري بأنه صراع بين المسيحيين الذين يعيشون في مدينة الله والوثنيين والمرتدين الذين يعيشون في مدينة الدنيا. و توما الاكويني، الذي جمع فلسفة أرسطو وعلم بطليموس ووفَّقَ بينهما وبين التوراة والعقيدة المسيحية لصالح لاهوت مسيحي سياسي ساد فترة القرون الوسطي.
وبعدها تم نقد فترة الثبات المعرفي التي سادت فترة القرون الوسطي (التي تؤسس لتمجيد الماضي والإنكفاء عليه وتجرم من يقبل علي نقده) بنقد العقلية التي أسست لها وتجاوزها بفتح باب الإمكانية لظهور فلاسفة جدد من خلال، أهم الركائز التي قامت عليها الحداثة في أوربا ، وهي:
1- مشروعية الإبتكار والإبداع وإتخاذ المستقبل هو الهدف والتوجه إليه هو الدافع.
2- العلمانية: بمعني إعتماد نسبية المعايير علي مستوي المعرفة والممارسة الإجتماعية والتخلص من الأساطير القديمة وفصل الدين عن الدولة.
الحافز الثاني:
تأثير حركة الإصلاح الديني، الذي يدين بالكثير من نجاحه الي الطباعة الرأسمالية ذاتها، فقبل عصر الطباعة كانت روما تكسب كل المعارك ضد الهرطقة في أوروبا الغربية بسهولة كبيرة من جراء إمتلاك الكنيسة لخطوط إتصال داخلية أفضل وأكفأ ممن يتحدُّون سلطانها. ولكن بعد أن دقَّ “مارتن لوثر” المسمار وعلق أطروحاته عام (1517) علي بوابة الكنيسة المنشقة في “فيتنبرغ” أصبح ذلك مستحيلاً.
الحافز الثالث:
هو الإنتشار التدريجي لبعض اللغات المحلية كوسائل للإدارة المركزية (أو المركزية الإدارية).
ولو أخذنا الأمور في عُمقها، لقلنا، إن من المرجح أن “نخبوية اللغة اللاتينية، والإصلاح البروتستانتي، والتطور العشوائي للغات المحلية في الإدارة”، هي أمور هامة في الإطار الحالي في مساهماتها بإقصاء اللغة اللاتينية عن العرش، وتفتيت فكرة الجماعة المُتخيّلة في العالم المسيحي. مما فتح باب التنافس أمام اللغات المحلية المختلفة في أن تجد إمتياز كونها لغة ممكنة للطباعة، وتجد في الدوافع الرأسمالية الربحية مساحة إنتشارها علي أوسع نطاق مثل “الفرنسية” في باريس، و “الإنجليزية ? المبكرة” في لندن، وعلي هذا الأساس يمكن تماماً تصور إنبثاق الجماعات القومية المُتخيّلة، حديثة العهد، عن طريق شرط اللغة.
إن هذه اللغات ? الطباعية، أرست الأساس للوعي القومي في ثلاثة طرق مميزة، هي:
أ/ خلقت حقولاً موحدة للتبادل والإتصالات “أدني من اللاتينية وأعلي من اللغات المحلية المحكية.” فالناطقون باللهجات الهائلة المتنوعة للفرنسيات “Frenches”، أو للإنكليزيات “Englishes”، أو للأسبانيات “Spanishes”، الذين قد يجدون صعوبة أو يتعذر عليهم تماماً فهم أحدهم الآخر عند الحديث، باتو قادرين علي التفاهم عبر الطباعة والورق، وأصبحوا بالتدريج في مجري هذه العملية، مدركين لوجود مئات الآلاف، بل حتي الملايين، من الناس في نفس الحقل اللغوي الخاص، ومُدركين أيضاً أن هؤلاء المئات من الآلاف أو الملايين “هُم وحدهم من ينتمي الي هذا الحقل.” إن هؤلاء القُرّاء ? الأقران، المرتبطين معاً من خلال الطباعة، باتوا يؤلفون في وجودهم الدنيوي (العلماني)، الخاص، هذا اللاّمرئي الذي يُري. جنين الجماعة المُتخيّلة قومياً، وهذا ما حدا الفيلسوفة “حنة أرندنت” الي إطلاق صفة الثورة علي هذا الحراك الذي أدي الي ميلاد مملكة علمانية جديدة متجاوزةً التفويض الآلهي في القرون الوسطي.
ب/ إن الطباعة الرأسمالية أسبغت علي اللغة ثباتاً جديداً ساعد، علي المدي البعيد، في بناء صورة الماضي السحيق التي تحتل مركز الثقل في الفكرة الذاتية عن الأمم، وذلك عن طريق إعادة بناء الحقائق التاريخية التي تم إقصاءها بواسطة الكنيسة ووصفها بالأوثان و الإرتداد في التأسيس الفلسفي لفيلسوف القرون الوسطي القديس (أوغسطين).
ج/ الطباعة الرأسمالية خلقت لغات ? لـ”السُلطة” من نوع يختلف عن اللغات المحلية الإدارية القديمة. فبعض اللهجات كانت “أقرب” الي اللغة ? الطباعية، وقد هيمنت علي الشكل النهائي لها، وأصبحت اللهجات الأخري من العائلة (بنات العم المُتضررات) فاقدة لأدوارها رغم أنها كانت قابلة للإستيعاب من جانب لغة ? الطباعة المنبثقة، وسبب فقدان الدور يرجع الي أنها لم تنجح (أو نجحت بشكل جزئي) في الإصرار علي أن يكون لها شكلها الطباعي الخاص. إن عامية “ألمانيا / الشمال الغربي” صارت هي الألمانية المتداولة رغم أنها كانت لهجة ثانوية، وسبب ذلك أنها كانت مرنّة التحول الي ألمانية ? طباعية، خلافاً للغة التشيكية المحكية في بوهيميا، حيث لم تتكيف للطباعة. إن (الألمانية العُليا) و (إنكليزية الملك)، وفيما بعد (التايلاندية المركزية)، قد رُفِعت جميعاً الي مصاف جديد من السمو “السياسي ? الثقافي”، ومن هنا ظهرت نُزر الصراعات في أواخر القرن العشرين في أوروبا من جانب بعض القوميات (الفرعية) لتغيير مكانتها المتدنية والثانوية بإختراق ميدان الطباعة ? والراديو، وإنعكس الأمر برمته علي مُستقبل النزعة القومية في القرن العشرين في شكل صراع ثقافي/ إثني.
بإمكاننا الآن تلخيص الإستنتاجات المستخلصة من هذا العرض المتعلق بمنابع الوعي القومي في العصور الحديثة، بالقول بأن تلاقي (الرأسمالية وتكنولوجيا الطباعة، مع التنوع الحتمي للغة الإنسانية) خلق الإمكانية لنشوء شكل جديد من الجماعة المُتخيّلة (خارج التصور المسيحي للأمة)، التي هيّأت المسرح، في مورفولوجيتها الأساسية، للأمة الحديثة، في إطار الدولة القومية (Nation State)، التي يأرخ لها البعض بتواريخ مختلفة، فـ توماس كون يفضل عام 1642م، أما آكتن فيؤرخ لها بالعام 1772م عام تقسيم بولندا، وكثرة تختار عام 1789م عام الثورة الفرنسية.
حيث هناك إختلاف في تسلسل بناء الدولة القومية، فالانكليز والفرنسيون ساروا في التسلسل أدناه لبناء الدولة القومية:
دولة ـــــــ أمة ــــــــ نزعة قومية ـــــــ نظريات
أما الألمان والطليان والأمريكان فساروا عكس التسلسل أعلاه:
النظرية عن القومية أولاً ــــــــ ومن ثم تحرك النزعة القومية التي تبدو بمثابة مخطط إرادي يسبق تحقيق الأمة في الدولة، ولعل هذا التفارق هو وراء شيوع فكرة (إختراع) الأمة وتخيل الأمة عند أندرسون.
رابعاً/ مستقبل النزعة القومية:
إن قمنا ببعض التأمل حول النزعة القومية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، نجد من النظرة الأولي حصول تقدم مظفر لـ”مبدأ الإنتماء القومي” عمَّ العالم بأسره. إذ أن دول الكرة الأرضية كافة هي اليوم “أمم” رسمياً، كما تنزع حركات التحرر جميعها لكي تكون حركات تحرر “ذات إنتماء قومي،”.
لكن اللغات الأخري التي لم تتكيف للطباعة في بواكير العصر الرأسمالي أصبحت فاقدة لأدوارها ومن هنا ظهرت الصراعات في أواخر القرن العشرين وتطورت الي صراعات ثقافية/ إثنية، “ذات طابع قومي” أدي الي تصديع أقدم الدول / الأمة في أوروبا ? مثل أسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ولحدٍ ما سويسرا ذاتها ? وفي الأنظمة الإشتراكية في الشرق والدول الجديدة المتحررة من الإستعمار المباشر في العالم الثالث وحتي إتحادات العالم الجديد.
فما يزال التصدع يجري في كندا، ويزداد الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية لجعل اللغة الإنجليزية، اللغة الرسمية الوحيدة للشؤون العامة رداً علي الهجرة الجماعية من أميركا الأسبانية التي شكل مهاجروها أول موجة من المهاجرين الذين لم يفتتنوا بجاذبية الإنصهار اللغوي.
إن الحركات القومية التي ميزت أواخر القرن العشرين كانت بالأساس مسببة للإنقسام. حيث نجد الإصرار علي “الإثنية” وعلي الإختلافات اللغوية، وربط إحداهما أو كليهما بالدين أحياناً. وبمفهوم آخر فإن أغلب الحركات القومية في القرن العشرين، كانت ترفض النماذج الحديثة للتنظيم السياسي، سواءً علي الصعيد القومي أو فوق القومي، وغالباً ما تبدو كرد فعل للضعف والخوف، ومحاولات لإقامة متاريس لإبعاد قوي العالم الحديث.
إن تراجع الأهمية التاريخية للنزعة القومية في القرن العشرين، يحجبه اليوم لا الإنتشار المشهود للإضطرابات الإثنية/ اللغوية وحسب، وإنما أيضاً الوهم اللغوي الناشئ عن حقيقة أن الدول كافة أصبحت رسمياً اليوم “أمما،” رغم أن العديد منها لا يجمعها جامع مع ما يُفهم عادةً بإصطلاح “الدولة ? الأمة.” ولذلك فإن جميع الحركات الساعية للحصول علي الإستقلال تعتقد أنها تنشئ أمماً، حتي وإن كان من الجلي أنها لا تفعل ذلك. وسوف ترتدي كل الحركات الناشطة من أجل مصالح إقليمية أو محلية أو حتي طائفية، ضد المركزية وبيروقراطية الدولة لباس القومية الرائج إن كان ذلك بإستطاعتها.
وبذلك تبدو “الأمم” و”النزعة القومية،” أكثر تأثيراً وحضوراً من حقيقة واقعهما. وبإختصار فإن دعوة أغلب هذه “الأمم” و “الحركات القومية” كانت بالضد من النزعة القومية التي تسعي للربط بين أولئك الذين لهم نفس الإثنية واللغة والثقافة والماضي التاريخي وغير ذلك. فهذه الدعوة كانت في الواقع الفعلي أممية ? وتتجلى أممية قادة وكوادر حركات التحرر القومية في العالم الثالث بصورة واضحة حيثما قامت مثل هذه الحركات بدور قيادي في تحرير أقطارها، وأقل وضوحاً في الأقطار التي جرت إزالة الإستعمار فيها من فوق. وفي فترة ما بعد الإستقلال، يصبح إنهيار ما كان يفعل، أو يبدو أنه يفعل، كحركة موحدة للشعب، أكثر إثارة، وأحياناً تتصدع وحدة الحركة قبل الإستقلال، كما حدث في الهند.
ولكن الأكثر شيوعاً هو أن ينشأ التوتر بين الأطراف المكونة لحركة الإنفصال بعد فترة وجيزة من نيله (كما حصل في الجزائر بين العرب والبربر)، ومهما يكن من أمر، ففي الوقت الذي يكون طبيعياً أن تجذب جل الإنتباه حالات تجزأت فيها دول متعددة الإثنيات ومتعددة الجماعات، أو أنها قريبة من الإنقسام ? مثل تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وإنفصال الباكستان، ومطالب التاميل للإنفصال عن سري لانكا ? ينبغي ألا ننسي أبداً أن هذه هي حالات خاصة في عالم “القاعدة فيه” هي وجود دول متعددة الإثنيات ومتعددة الجماعات.
ومهما يكن من أمر، فعندما لا تقرن الأنظمة السياسية نفسها مع أي من القوميات المكونة لها، علي الصعيد النظري علي الأقل، وعندما تعتبر مصالح كل من هذه القوميات “ثانوية” بالنسبة لهدف مشترك أعلي، تكون هذه الأنظمة غير قومية.
وبالتالي، عندما نلقي نظرة الي الماضي، نجد أن إنجازاً عظيماً حققته الأنظمة الشيوعية في البلدان متعددة القوميات، عن طريق الترتيبات الدستورية التي اهتمت بها الدول الإشتراكية بجدية منذ عام 1917 وهو صيغ الفدرالية القومية والإستقلال الذاتي، وبذلك قلصت الأثار الكارثية للنزعات القومية الموجودة داخلها.
حيث كانت المعالجات لقضايا القوميات التي تشعر بالظلم في إطار الدولة القومية (الدولة الحديثة) أخذت طابعين هما:
1- الترتيبات الدستورية الجديدة التي تضمن حقوق القوميات المتضررة عن طريق صيغ الفدرالية المختلفة في الحكم، وهذا النموذج توضححة التجربة الاسبانية بنجاح وإقتدار.
ففي أسبانيا أُجريت إنتخابات علي مستوي الإتحاد بأكمله، وذلك قبل أن تتاح الفرصة للنخب الإقليمية، حيث تم تعبئة المعارضة الاقليمية للوحدة. ونتيجةً لذلك، حصل النواب المنتخبون علي حيز يناقشون فيه دستوراً جديداً يقدّس مبدأ الوحدة القومية والإستقلال الاقليمي. وقد سهلت هذه المقاربة بروز أسبانيا ديمقراطية جديدة فيها ظهرت هويات متعددة متممة.
2- الإنفصال، وهو الإستقلال ومواجهة تحديات بناء الدولة القومية في الجغرافيا المنفصلة مع إحتمال النجاح في إدارتها (كما في نموذج إنفصال النرويج عن السويد) رغم بعض التحفظات في إدارة الدولتين بعد الإنفصال. أو الفشل ومن ثم الدخول في نفس الصراع من جديد في كل دولة من الدولتين، وهذا النموذج يتجلي بوضوح في تجربة شبه القارة الهندية، وأيضاً التجربة حديثة العهد للدولة السودانية وهذه تمثل الفشل في مواجهة ووضع مشاريع الحلول لنفس أسباب الصراع في الدولة الواحدة، بعد الإنفصال، ونتيجة ذلك هو تجدُد الصراع بشكل أكثر ضراوة في الدولتين كلٍ علي حدة، بشكل يكاد أن يقود الي الإنهيار الشامل فيهما.
أخيراً/ قراءة للواقع السوداني:
أما فيما يتعلق بالواقع السوداني الذي نحن بصدده، فلا يمكن قياسه هكذا بتلك التطورات في أوربا أو غيرها، بل يحتاج الي قراءة متأنية تنبع من الواقع نفسه، وهذا ما يتطلب قراءة جديدة تنطلق من واقع الجماعة الدينية التي فرضت مفهومها للأمة في السودان من واقع التجربة الماثلة أمامنا، مع العلم بأن الحديث عن (الدولة القومية) في السودان يتم مجازاً، أو في أحسن الفروض علي سبيل التقليد والمحاكاة.
لأن الدولة القومية التي نشأت عقب فترة الإقطاع في أوربا سبقتها ظروف وعوامل كثيرة هيأت المسرح الإجتماعي لاستقبال هذا النوع من تنظيم المجتمع، وأهم تلك العوامل كما ذكرناها هي:
1- إقصاء اللغة المقدسة (اللغة اللاتينية) وتفتيت تخيلها لمفهوم الأمة في العالم المسيحي ، بفضل حركة الإصلاح الديني ومشروع الطباعة الرأسمالي.
2- وحدة اللغة في إطار الدولة الجديدة، طبعاً بسبب أطماع المشروع الرأسمالي الوليد، في الربح، وذلك من خلال فرض لغات بعينها عن طريق الطباعة.
3- الترويج من خلال الطباعة الي إمكانية وجود جماعات علي خلاف النمط المسيحي أو التصور المسيحي للجماعة المتخيلة، وهو النمط العلماني وذلك من خلال (الرواية، الصحيفة، والكتاب) التي أسست لوعي قومي يمثل الوجود الإجتماعي بشكل شامل (الثقافة وطنية/أو المشروع الوطني).
كل تلك العوامل وغيرها مجتمعةً قادت الي فترة مفصلية في تاريخ البشرية وهي الإنتقال من النظام القديم للدولة (الممالك والإمبراطوريات) الي النظام الحديث وهو الدولة القومية أو الحديثة (Nation State) التي قامت علي أسس جديدة أهمها:
1. فصل الدين عن الدولة ، وإخراج السلطة الزمنية مما يتعلق بالدين.
2. جعل العقل هو الأساس وماعداه هو الاستثناء ، عكس ما كان سائداً في العصور السابقة.
3. استقلال العلم وضمان تطوره.
4. إعادة البناء الشامل للثقافة والمجتمع علي أسس العلم ، وعبر فلسفتين أخذتا وضعاً مركزياً في الثقافة الغربية هما الليبرالية والاشتراكية.
أما الدولة السودانية فهي نموذج لما تم فرضه عبر الإستعمار دون إعتبار لحقيقة التطور الإقتصادي والإجتماعي الذي كوَّن تلك الوحدات الإجتماعية تاريخياً، وبالتالي لم تكن هناك أي محاولات جادة لإعادة البناء الشامل وذلك إما بسبب المستعمر الذي لم يكن همه بناء دولة قومية منسجمة وفقاً لشروط الواقع، بل كان همه تحقيق أهدافه (المادية والمعنوية) بإتباع أيسر الطرق. أو بسبب غياب المشروع الوطني (في فترة الحكومات الوطنية) الذي يتم علي أساسه إعادة البناء الشامل للدولة وهيكلتها.
ووفقاً لذلك الفشل كانت النتيجة هي إستدعاء أحد النماذج التاريخية البالية والمتفسخة لفكرة القومية، وهي: (الجماعة الدينية) في عصور ما قبل ظهور الدولة الحديثة نفسها، لتطبيقه علي الدولة السودانية الحديثة بعد الاستقلال للوصول الي مفهوم (الدولة القومية)، وهذه الجزئية هي أحد إهم عوامل التناقض في تجربة الدولة الحديثة في السودان والتي ينبغي إفراد مساحة كبيرة لنقاشها بشكل مفاهيمي دقيق لإزالة ذلك التناقض وتأسيس وضعية جديدة قياساً علي نماذج ذلك الشكل الحديث وأسس نشأته.
نموذج الجماعة الدينية في فكرة الدولة القومية في السودان:
إن سائر الجماعات الكلاسيكية الكبري رأت نفسها بإعتبارها جماعة تحتل مركز الكون من خلال وسيط اللغة المقدسة المرتبطة بنظام سماوي “فوق أرضي” للسلطة. وبناءاً عليه، فقد كان إمتداد اللغة المكتوبة، اللاتينية، أو البالية، أو العربية، أو الصينية، لا متناهياً، من الناحية النظرية. ومع هذا فإن مثل هذه الجماعات الكلاسيكية المرتبطة بلغات مقدسة تتميز بخاصية معينة تختلف عن الجماعات المُتخيّلة للأمم الحديثة. والفرق الحاسم هو “اليقين الراسخ للجماعات القديمة في القدسية الفريدة للغتها وكذا الحال في أفكارها وتصوراتها عن قبول إندراج أعضاء جُدد.
أما التقاليد الإسلامية فقد ظلت تقول، حتي فترة قريبة، بتعذُّر ترجمة القرآن (وبالتالي عدم ترجمته)، لأن كلام الله لا يمكن بلوغ معانيه بدون الحروف والكلمات الصحيحة للغة العربية. إن الفكرة هنا لا تقوم علي أساس وجود عالم مُنفصل عن اللغة إنفصالاً تاماً بحيث إن كل اللغات تقف علي مبعدة متساوية عنه وتقدم علامات متساوية عنه (وبالتالي فإن العلامات قابلة للتبادل). كلا، ليس الأمر كذلك فالواقع الأنطولوجي (الوجودي) لا يُفهم إلا من خلال نظام تمثيلات يتمتع بإمتياز خاص، فاللغة الحق للكنيسة هي اللاتينية، واللغة الحق للقرآن هي العربية، واللغة الحق للإختبار هي الصينية. إن هذه اللغات، بوصفها اللغات ? الحق، تطفح بنبض غريب علي النزعة القومية. وبالتالي فإن الإستيعاب عن طريق اللغة المقدسة هو الذي يحدد مفهوم الإنتماء ومتلازماته من إمتيازات مادية ومعنوية، وهذه الجزئية الأخيرة تمثل بيت القصيد في التجربة السودانية.
والسؤال الجدير بالتأمُل هنا، هو: كيف أصبحت اللغة العربية لغة الأمة السودانية تجاوزاً؟ وكيف أسس النص القدسي المدوّن لذلك في التجربة السودانية لمفهوم الأمة؟ وما هو المخرج؟
ولدينا بحثين في ذلك، هما: (نقد الخطاب الديني في الاسلام، والاسلام السياسي) يمكن أن يوفرا مدخل للإجابة علي السؤال أعلاهـ، فيما يتعلق بموضوع أزمة القومية والأمة في التجربة الحالية الفاشلة للدولة السودانية، وحسب رأينا تكمن المسألة برمتها فيما يسمي في الخطاب الرسمي بـ (الأمة الإسلامية) التي وضحنا إمتداداتها أعلاه، والتي تتجاهل العامل الجغرافي في تحديد معني ومضمون (الأمة).
لأن الجماعات التي سيطرت علي الدولة السودانية بعد خروج المستعمر، أنتجت (أيديولوجيا رسمية) أحادية ترفض حقائق الواقع السوداني المتمثلة في التنوع (التاريخي و المعاصر) وتتحكم في مجريات الصراع من خلال فرض توجهاتها الأحادية عبر خطاب ديني إسلامي وعرّفنا ذلك “الخطاب” بشكل دقيق وفقاً لراهن الأزمة بأنه: (الخطاب الذي يقوم علي خلط الإسلام بالقيم العربية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية في فترة ما قبل الإسلام وفرضه عبر التيارات التي كانت تمثل الطور الجنيني للسلفية في السودان بهدف بناء الدولة الإسلامية فيه، إبتداءاً من أزمة الدستور الإسلامي في بداية الستينات وما تلاها من محاولات لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وما صاحبها من تطورات في المشهد السياسي السوداني الي هذه اللحظه، وبذلك أصبح هناك (أيديولوجيا) هي أيديولوجيا المركز، التي يتم فرضها بعد أن تم فرض اللغة المقدسة التي تحملها وتبشر بها.
وبعد حسم مسألة اللغة المشتركة التي هي اللغة العربية، تأتي العوامل الأخري المتعلقة بمفهوم الأمة، وهي:
1- الأسلاف المشتركين (الجد) المشترك، وهذا تم التأسيس له في الإسلام من خلال الديانات الإبراهيمية (اليهودية، ومن ثم المسيحية وبعدها الإسلام) بأن البشرية بدأت بالأب الأول المؤسس لوجود الإنسان في الأرض وهو (أبونا آدم) في قصة الخلق، ومن ثم المرور بسيدنا (إبراهيم) مؤسس التصور الديني في الديانات الثلاثة قبل الطوفان، ومن ثم الأب الوحيد لكل البشرية بعد الطوفان وهو (نوح) وبذلك تتبدد كل التناقضات الخاصة بمسألة الأسلاف المشتركين في تصور الأمة المطروحة علي الساحة.
2- الثقافة المشتركة، وهذه محلولة عن طريق تبني اللغة، لأن اللغة حامل للثافة كما أسلفنا، وبالتالي من يتبني اللغة فهو بالضرورة متبني أنماط جاهزه للسلوك والممارسات الثقافية التي يتم تبريرها وفقاً للجماعات السلفية وجماعات الإسلام السياسي في السودان بأنها نصوص ناجزة أو أقوال وأفعال السلف التي لا ينبغي مفارقتها تحت باب السنة القولية والفعلية وإعلاءها علي العقل البشري الذي ينتج الحلول النسبية المتطورة.
3- التاريخ المشترك، وهو تاريخ الدول الإسلامية منذ عهد الرسول (محمد) مروراً بما تلاها من تجارب حتي ظهور دولة الأخوان المسلمين في السودان، وتسويق ذلك من خلال المناهج التعليمية في مختلف المستويات الدراسية بما نسمية تزييف الحقائق التاريخية وسياسات الذاكرة.
4- التراث الثقافي، وتمثله إجتهادات فقهاء وعلماء الأمة الاسلامية في مختلف الأزمنة والأمكنة الي أن نصل للدكتور حسن عبد الله الترابي في السودان.
5- الدستور، وهو من الشروط التي يجب توفرها في مفهوم الأمة، وما يقابله في التعريفات التي ذكرناها هو (العُرف) الراسخ لدي كل الجماعات التي تتماسك بناءاً علي المنظور نفسه، وهذا يتم تجاوزه من خلال الزعم بوجود دستور إسلامي تُحكم علي أساسه الأمة المتخيلة.
كل هذه العوامل أعلاه مجتمعة شكلت الخصائص المشتركة لمفهوم الأمة السودانية وفقاً لتخيٌل الجماعة الدينية المسيطرة، وتم فرضها علي الدولة المتنوعة ثقافياً وإثنياً ودينياً في شكل أيديولوجيا أخزت وضعاً مركزياً كـ،(ثقافة عليا) في التجربة السودانية الحالية.
لكن الغريب في الأمر أن هذه الثقافة العليا (إيديولوجيا المركز) يتم فرضها عن طريق حرب مقدسة تحت لافتات إبتغاء مرضاة الله بالجهاد في سبيله، ومن هنا تظهر حقيقة التطهير الثقافي للمختلف بتبريرات آلهية، بنفس الطريقة التي كانت سائدة في فترة القرون الوسطي تحت سطوة الكنيسة. وبذلك يظهر طابعها العنيف الذي لا يؤمن بالقيم الإنسانية الجديدة المتعلقة بالتعاقد (العقد الاجتماعي) وكيفية الوصول إليه وماهي أطرافه؟، وتناقضها مع مفاهيم (حقوق الإنسان، الديمقراطية، والموطنة). ومن هنا فتح الامكانيات أمام شرعية العنف التي ولدت مضاداتها من خلال الحروبات الأهلية طوال تاريخ السودان بعد الاستقلال.
ليس هذا فحسب، بل تلك الثقافة العليا (أيديولوجيا المركز) هي جزء من أيديولوجيا أممية تتعلق بقيام الإمبراطورية الإسلامية، ومن هنا نستشف طابعها الإستعماري من خلال فتح الصراع خارج إطار الحدود الجغرافية للدولة بحشد كل الإمكانيات (المادية والمعنوية) للتنظيم العالمي الأسلامي مقابل طرف داخلي تمثله القوميات الأخري المضطهدة في السودان، والتي تتناقض شروط وجودها الإجتماعي مع تلك الأيديولوجيا.
حقائق الواقع (التنوع المعاصر) في السودان:
التنوع المعاصر، هو أحد أشكال التنوع في السودان. إذ يتكون السودان من مجموعات إثنية متعددة؛ فهناك أكثر من 500 مجموعة تتحدث أكثر من 100 لغة مختلفة (هذا طبعاً قبل إنفصال جنوب السودان). فبالإضافة للقبائل العربية ذات الثقافات المتميزة المنتشرة في بقاع عديدة من السودان، نجد مجموعات لها ثقافات متميزة مثل الحلفاويين والمحس والدناقلة في شمال السودان. كما نجد مجموعات قبائل البجا ذات الثقافات المتميزة في شرق السودان. وفي جبال النوبة نجد عدداً كبيراً من القبائل المتعايشة. فبالإضافة لقبائل النوبة المتعددة، نجد قبائل عرب البقارة وقبائل الهوسا والفلاتا والداجو والبرقو والكثير من القبائل الأخرى. وفي النيل الأزرق نجد الفونج والأدوك والأنقسنا، والكثير من القبائل الأخرى ذات الثقافات المتميزة. هذا بالإضافة للكثير من المجموعات المتمايزة ثقافيا التي هاجرت من مواطنها الأصلية في الأطراف لتعيش في وسط السودان.
وبالإضافة لهذا التنوع الإثني الثقافي، فهناك التنوع الديني؛ فبالرغم من أن الأغلبية من المسلمين إلا أن هناك أعداد معتبرة من المسيحيين وأصحاب الديانات المحلية، وحتى في وسط المسلمين، فهناك تنوع واختلاف في أنماط التدين لا يمكن إغفالها، مثل الصوفية والسلفية والطوائف والإسلام الشعبي والإسلام السياسي. هذا هو الواقع. وهذا هو التنوع المعاصر.
وفي حالة فرض إيديولوجيا المركز، كما هو واضح من خلال التجربة الحالية، فإن هذا التنوع أعلاه يكون غير مُعترف به من قِبل الدولة السودانية، وهذا دليل كافي لعدم قوميتها، وهذه هي الكارثة التي يشملها مفهوم التهميش الذي كانت الحرب السابقة والحالية نتاج مباشر له.
مشاريع الحلول المطروحة:
تكمن الحلول في إحتمالين لا ثالث لهما وهما:
أولاً/ ترتيبات دستورية جديدة:
هذه الترتيبات تتعلق أولاً بتحديد مفهوم الدولة القومية، ووفقاً للفرضية التي نحاول إثباتها وهي (الأمة القائمة علي الأساس الإجتماعي، عندما تكون الأمة مكونة من مجموعات إثنية متعددة) ننطلق لبحث شروط الإمكانية والتي تقتضي الآتي:
1- تحديد الثقافة العليا، والتي تعني إنجاز مشروع وطني يجد الجميع تمثيلهم العادل فيه، وهذا يتطلب إنجاز الوعي الكافي بمعني القومية السودانية الجديدة ومكوناتها الإثنية ولغاتها وأديانها المختلفة، والتي هي ليست جماعة دينية حسب ما أنتجته الأزمة الراهنة، بل هي قومية سودانية في إطار تخيُلها الزماني العلماني، وذلك لا يمكن إلا (بتفتيت فكرة الأمة المتخيلة في الإسلام فيما يتعلق بالتجربة السودانية ووضع اللغة العربية في مكانها الطبيعي كأحد اللغات السودانية) وذلك بالكف عن فرض لغة وثقافة ودين بدواعي القدسية وإختزال الواقع في جزء من مكوناته، ومن ثم فصل الدين الذي يؤسس لذلك عن الدولة. وبما أنه لا يوجد مشروع وطني مطروح في الساحة السياسية السودانية بإستثناء مشروع السودان الجديد فلابد من العمل الجاد علي تمليك هذا المشروع للجماهير السودانية بشكل واعي كثقافة وطنية عابرة للتعدد الإثني/الثقافي/اللغوي، والديني الموجود، ومواصلة النضال من أجل ذلك.
2- إنجاز مرحلة الثورة وإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية علي أسس جديدة وفقاً لمشروع السودان الجديد.
ثانياً/ الإنفصال والإستقلال:
والانفصال كأحد الحلول المطروحة، يتطلب بشكل أساسي الحصول علي حق تقرير المصير الذي إذا تتبعناه بشكل تاريخي وإقتصادي، في تجارب الحركات القومية نجده يعني بشكل واضح (إنفصال تلك الأمم أو القوميات من الهياكل القومية الغريبة، وتشكيلها لدولة قومية مستقلة) وهذا هو المفهوم السياسي لحق تقرير المصير، الذي يختلف عن المفهوم القانوني له والذي يتأرجح بين إحتمالين هما (الوحدة أو الانفصال).
المفهوم القانوني لحق تقرير المصير:
اختلف فقهاء القانون في تعريف حق تقرير المصير. لكن أقرب التعريفات لمفهوم تقرير المصير هو: أنه حق أى شعب فى اختيار الحكم الذى يرغب فيه والسيادة التى يريد الانتماء إليها. هو بالتالى حق مكفول لكل الشعوب. لكن مهما يكن فإن الاعتراف بحق تقرير المصير وبانفصال إقليم معين واستقلاله يخضع للتوازنات السياسية. والمادة (1ـ2) من ميثاق الأمم المتحدة عرفت الشعب بأنه مجموعة من الأفراد لهم خصائص يشتركون فيها وتجمعهم مع بعض.
مع مرور الزمن والممارسة العملية نجد أن حق تقرير المصير تطور الى أن أصبح جزء من حقوق الإنسان الاساسية، ليس حقوق الإنسان كفرد انما حقوق الجماعات أو الشعوب أو القوميات. وذلك فى المواد 1514 و 1541 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 20 من الميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان وكذلك فى العهد الدولى للحقوق الثقافية والاجتماعية وميثاق اليونسكو. ونجد أن حق تقرير المصير بموجب ذلك وبمقتضى الممارسة أما أن يكون بمظهر داخلى كما حدث في الثورة الفرنسية أو بمظهر خارجى مثل استقلال الولايات المتحدة من بريطانيا. ولا ننسى كذلك تجربة جنوب افريقيا باعتبارها من أهم المظاهر الداخلية لممارسة حق تقرير المصير باعتباره حق للشعوب أو السكان الأصليين.
لكن هناك من يقول أن حق تقرير المصير الخارجي لا يجوز تطبيقه فى الدولة السودانية كى تمارس شعوبها ذلك الحق. و الحجة فى ذلك أن الدولة السودانية قد مارست تقرير المصير عند الاستقلال فى 1/1/1956م. وإنما الجائز هو فقط حق الحكم الذاتي للأقليات.
إلا أن هذا الاعتراض مردود، لسببين مهمين:
أولا: كما يقول الدكتور جون قرنق، أن حق تقرير المصير حق أصيل للشعوب وليس منحة من أحد وتناله عبر التجربة. وكما ورد في مقررات أسمرا للقضايا المصيرية أن تقرير المصير ممارسة ديمقراطية. والاحتجاج بأن السودان قرر مصيره بالاستقلال مردود، لأن السودان دولة متعددة دينيا وإثنيا وثقافيا وأن الذين فاوضوا الإدارة الاستعمارية لنيل الاستقلال لا يمثلون كل الشعوب السودانية، خاصة الشعوب المهمشة.
ثانيا: أكدت السوابق أن حق تقرير المصير الخارجي قد طبق في حالات تشبه حالة السودان مثل تجارب إثيوبيا إرتريا، تيمور الشرقية، دول الاتحاد السوفيتى سابقا، ويوغسلافيا حيث آخر إقليم يوغسلافي نال حق تقرير المصير هو إقليم كوسوفو.
لذا يصبح من حق الشعوب السودانية جميعها أن تمارس ذلك الحق. وهذا الحق قد يترتب عليه الإنفصال. ولكن الإنفصال ليس أمراً محتوما؛ فقد يؤدي تقرير المصير إلى الوحدة بشروط جديدة أو إلى توحد دولتين مثلما حدث لليمن وألمانيا.
تحديات خيار الإنفصال تاريخياً (دولة جنوب السودان نموذجاً):
يمكن تلخيص التحديات التي واجهت دولة جنوب السودان بعد الإنفصال في الآتي:
1- خيار الإنفصال وفقاً لمفهوم السودان الجديد هو ليس خياراً إستراتيجياً، بل هو خيار تكتيكي إقتضته ظروف وملابسات تاريخية بعينها في مسيرة النضال لتحقيق السودان الجديد، ووفقاً لتلك الظروف أصبح هو الغاية في نفسه وتم التعامل معه علي أنه الحل، ومن ثم تم تجاهل العوامل الأخري المتعلقة بمفهوم القومية والأمة في إطار الدولة القومية (Nation State) كما وضحناها أعلاه.
2- التعامل مع مفهوم السودان الجديد، كنقيض أو مقابل للإنفصال، مما أنعكس سلباً علي مفهوم الثورة في حد ذاتها وذلك بتقويض المشروع الوطني الذي يخاطب جذور المشكلة التي رُفع السل
يا استاذ تحياتي:
بي كلامك دا معناها الحركة الشعبية ذات نفسها غير مؤتمنة لي تطبيق مشروع السودان الجديد و فيها ناس كتار ما مقتنعين بي فكرة السودان الجديد…
لذلك نتسائل:
هل يكفي جمال فكرة السودان الجديد للمراهنة عليها ؟ بدون دراسة أحوال من يرفعون شعار السودان الجديد !
شكرًا للاضاءات القيمة…
الاخ ابراهيم خاطر يعجبنى اسلوبك العلمى الاكاديمى فى التحليل. انك تناولت اس المشكلة واستشهدت بما حدث لجنوب السودان من دمار اجتماعى واقتصادى بطريقة تتنافى مع شعار السودان الجديد الذى كان ديدن الاخوة حاملى السلاح. ولكن الا توافقنى بان الذين يحملون السلاح الان وبعض الناقمين على الاوضاع يحلمون بانفصال جديد لهذا الجزء المسمى جنوب كردفان والنيل الازرق لا لشيء الا النكاية بباقى الاثنيات والتى وصفتها بالمستعربة. ان المطالبين بحق تقرير المصير لاهم لهم سوى تحقيق ذلك الامر دون دراسة حتى يتمكنوا من طرد (العرب )اى انهم يريدون انتاج ازمة اخرى ثد تنجح وقد تفشل وان حدثت وفشلت لاقدر الله فانها لاتبقى ولاتذر. اننى يا اخ ابراهيم انتمى الى القبائل التى يحاول البعض نبذها ولكنى محبوب جدا من قبل اهلنا النوبة لا لشيء الا لاننى احترمهم وجل اصدقائى منهم ولكننى لا اتفق مع تقرير المصير لانه سيؤدى الى صراعات اثنية حتى بين اهلنا النوبة انفسهم ناهيك عن العرب او المستعربون. وهنالك سؤال نصحنى احد الاخوة الجنوبيين بتوجيهه الى اهل المنطقتين النيل الازرق وجنوب كردفان: لماذا تريدون حرمان انفسكم من حقكم فى كل شبر من دولة السودان؟ ان تقرير المصير سيحرمكم من الخرطوم وعطبرة والقضارف والجزيرة والدامر ودنقلا والتى فى اصلا نوبية ومدنى وكوستى وربك والدويم وشمال كردفان ودار فور…. ويواصل الاخ الجنوبى: اننا الجنوبيين لن نغفر لانفسنا خطا الانفصال عن السودان الكبير ولن ترحمنا اجيالنا القادمة لاننا تنازلنا طواعية امام العالم عن حقوقنا ووطننا وذكر لى بان حكومة الشمال ذكية جدا اذ استطاعت ان تتخلص منا زى الشعرة من العجين وخصرنا انقسنا فى رقعة ضيقة مليئة بالطين والوحل وبدانا نقتل بعضنا بعضا وضحك علينا المجتمع الامريكى والاوربى وهو ينصحنا بان نقيم علاقة مع الشمال اذا اردنا العيش؟؟؟ ونحن نتساءل طالما ان عيشتنا مرهونة بالشمال لماذا يا اوربيون واميريكيون طلبتم منا ان ننفصل عن الدولة الكبرى؟؟الاخ ابراهيم. نحن نحترم كل الاراء ولكن اطلب من الاخوة ان لايتعاملوا بالعاطفة بل بالعقل …. البحوث الاكاديمية يا اخوة هى المخرج… فى بحث عنوانه: cross boarder trade تحدثنا عن السمبك وكيف ان العرب ساعدوا الحركة الشعبية والمواطنون المقيمون فى مناطقها على الحصول على الدواء والكساء والملح وكل متطلبات الحياة الاخرى وتبادلوا معهم المصلحة واستطاعوا ان يخففوا عليهم الحصار ولكن كل ذلك يقابل بجزاء سنمار … نامل ان ينصلح الحال وان نستفيد من درس الجنوب القاسى…… اخوك محمد الحسب عمر الحسب / المراحل التعليمية: مدرسة كلاندى دكل—- مدرسة سلارا الابتدائية—– مدرسة الدلنج الاميرية المتوسطة—- مدرسة ابى جبيهة الثانوية—- هعهد البريد والبرق والهاتف ام درمان — ثم جامعة الجزيرة
يا استاذ تحياتي:
بي كلامك دا معناها الحركة الشعبية ذات نفسها غير مؤتمنة لي تطبيق مشروع السودان الجديد و فيها ناس كتار ما مقتنعين بي فكرة السودان الجديد…
لذلك نتسائل:
هل يكفي جمال فكرة السودان الجديد للمراهنة عليها ؟ بدون دراسة أحوال من يرفعون شعار السودان الجديد !
شكرًا للاضاءات القيمة…
الاخ ابراهيم خاطر يعجبنى اسلوبك العلمى الاكاديمى فى التحليل. انك تناولت اس المشكلة واستشهدت بما حدث لجنوب السودان من دمار اجتماعى واقتصادى بطريقة تتنافى مع شعار السودان الجديد الذى كان ديدن الاخوة حاملى السلاح. ولكن الا توافقنى بان الذين يحملون السلاح الان وبعض الناقمين على الاوضاع يحلمون بانفصال جديد لهذا الجزء المسمى جنوب كردفان والنيل الازرق لا لشيء الا النكاية بباقى الاثنيات والتى وصفتها بالمستعربة. ان المطالبين بحق تقرير المصير لاهم لهم سوى تحقيق ذلك الامر دون دراسة حتى يتمكنوا من طرد (العرب )اى انهم يريدون انتاج ازمة اخرى ثد تنجح وقد تفشل وان حدثت وفشلت لاقدر الله فانها لاتبقى ولاتذر. اننى يا اخ ابراهيم انتمى الى القبائل التى يحاول البعض نبذها ولكنى محبوب جدا من قبل اهلنا النوبة لا لشيء الا لاننى احترمهم وجل اصدقائى منهم ولكننى لا اتفق مع تقرير المصير لانه سيؤدى الى صراعات اثنية حتى بين اهلنا النوبة انفسهم ناهيك عن العرب او المستعربون. وهنالك سؤال نصحنى احد الاخوة الجنوبيين بتوجيهه الى اهل المنطقتين النيل الازرق وجنوب كردفان: لماذا تريدون حرمان انفسكم من حقكم فى كل شبر من دولة السودان؟ ان تقرير المصير سيحرمكم من الخرطوم وعطبرة والقضارف والجزيرة والدامر ودنقلا والتى فى اصلا نوبية ومدنى وكوستى وربك والدويم وشمال كردفان ودار فور…. ويواصل الاخ الجنوبى: اننا الجنوبيين لن نغفر لانفسنا خطا الانفصال عن السودان الكبير ولن ترحمنا اجيالنا القادمة لاننا تنازلنا طواعية امام العالم عن حقوقنا ووطننا وذكر لى بان حكومة الشمال ذكية جدا اذ استطاعت ان تتخلص منا زى الشعرة من العجين وخصرنا انقسنا فى رقعة ضيقة مليئة بالطين والوحل وبدانا نقتل بعضنا بعضا وضحك علينا المجتمع الامريكى والاوربى وهو ينصحنا بان نقيم علاقة مع الشمال اذا اردنا العيش؟؟؟ ونحن نتساءل طالما ان عيشتنا مرهونة بالشمال لماذا يا اوربيون واميريكيون طلبتم منا ان ننفصل عن الدولة الكبرى؟؟الاخ ابراهيم. نحن نحترم كل الاراء ولكن اطلب من الاخوة ان لايتعاملوا بالعاطفة بل بالعقل …. البحوث الاكاديمية يا اخوة هى المخرج… فى بحث عنوانه: cross boarder trade تحدثنا عن السمبك وكيف ان العرب ساعدوا الحركة الشعبية والمواطنون المقيمون فى مناطقها على الحصول على الدواء والكساء والملح وكل متطلبات الحياة الاخرى وتبادلوا معهم المصلحة واستطاعوا ان يخففوا عليهم الحصار ولكن كل ذلك يقابل بجزاء سنمار … نامل ان ينصلح الحال وان نستفيد من درس الجنوب القاسى…… اخوك محمد الحسب عمر الحسب / المراحل التعليمية: مدرسة كلاندى دكل—- مدرسة سلارا الابتدائية—– مدرسة الدلنج الاميرية المتوسطة—- مدرسة ابى جبيهة الثانوية—- هعهد البريد والبرق والهاتف ام درمان — ثم جامعة الجزيرة
شرحت فابنت استاذنا
مااردت قوله في مسالة القومية ولامة ، هناك خلط غالبا يحدث لدي كثير من الباحثين وذلك لغياب المنهج الواضح في التحليل للواقع ،فخلط المثالي بالمادي خلق الالتباس لدي المتلقي الذي لايتطيع ان يفهم من الباحث ، فيقع فريسة فخ الحلول والازمة ايهما السبب وايهما النتيجة
عموما البحث مشروع لدراسة كبيرة اتمني ان تتواصل ،
شرحت فابنت استاذنا
مااردت قوله في مسالة القومية ولامة ، هناك خلط غالبا يحدث لدي كثير من الباحثين وذلك لغياب المنهج الواضح في التحليل للواقع ،فخلط المثالي بالمادي خلق الالتباس لدي المتلقي الذي لايتطيع ان يفهم من الباحث ، فيقع فريسة فخ الحلول والازمة ايهما السبب وايهما النتيجة
عموما البحث مشروع لدراسة كبيرة اتمني ان تتواصل ،