أخبار السودان

حادث سيارة كاد يعصف بعملية انتقال السلطة في الصين

«شكرا لكم، أنا بخير، لا داعي للقلق»، ظهرت هذه الرسالة على موقع تواصل اجتماعي صيني، وبدا واضحا أن هذا التعليق الذي نشر في يونيو (حزيران) صادر عن لينغ غو، 23 عاما، ابن أحد المساعدين البارزين للرئيس الصيني، وأسهم في دحض تقارير قالت: إنه قتل في حادث تصادم سيارة فيراري بعد ليلة من الاحتفال. واتضح لاحقا أن الرسالة كانت مزيفة نشرها شخص تحت اسم لينغ المستعار بعد ثلاثة أشهر من وفاته.

كانت هذه إحدى الحيل الكثيرة التي استخدمت لوأد أخبار الحادثة التي لقي فيها لينغ مصرعه وأصيبت خلالها شابتان بإصابات حرجة، توفيت إحداهما في وقت لاحق. طفت تفاصيل الحادث قبل عدة شهور لكنها أصبحت الآن أكثر وضوحا في أن حادث التصادم ومحاولة التعتيم على الخبر كانت لها عواقب بالغة الأهمية، وغيرت مسار الخلافة في الحزب الشيوعي الصيني الشهر الماضي والتي تجري كل عشر سنوات.

دخل الرئيس الصيني السابق هو جينتاو هذا الصيف في وضع قوي بعد الحادثة المشينة التي لحقت ببو تشيلاي، العضو البارز سابقا من فصيل سياسي منافس والذي أطيح به بسبب اتهام زوجته بالتورط في قتل رجل أعمال بريطاني. وكان جينتاو قد واجه معارضة شديدة من داخل جماعته عندما قام قادة الحزب، يقودهم سلفه جيانغ زيمين، بمواجهته بمزاعم أن لينغ جيهوا، أقرب حلفائه ومستشاره السياسي كان مهندس التغطية على وفاة ابنه.

ويشير مسؤولون سابقون وحاليون إلى أن الكشف عن الفضيحة ساعد في ترجيح كفة الميزان في المفاوضات الصعبة، والتسريع في تخلي جينتاو عن السلطة والمساعدة في تصعيد القائد الجديد تشي جينبينغ، واستفادة جيانغ الذي يسيطر مساعدوه على القيادة الجديدة المؤلفة من سبعة أفراد على حساب مرشحي عصبة جينتاو. كما تظهر القضية كيف يمكن لأسلوب حياة أقارب وأصدقاء قادة الحزب أن تلقي بثقلها على مشادات السلطة وراء الكواليس.

قدم الكثير من المصادر المطلعة معلومات من داخل الحزب، لكنهم طلبوا عدم ذكر أسمائهم خشية التعرض للعقاب من السلطات، بشأن الحادث، وقالوا: إن المسؤولين أجروا تحقيقا بشأن الحادث في أعقاب تحطم السيارة بما في ذلك النظر في الاتهامات بأن شركة النفط التابعة للدولة دفعت مبالغ مالية كبيرة لعائلات السيدتين.

في ظل قيادة جينتاو قاد لينغ المركز الإداري للقيادة، المكتب العام، لكنه شغل منصبا أقل تأثيرا في سبتمبر (أيلول) قبل الموعد المحدد. وقد فشل الشهر الماضي في الحصول على عضوية اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي والمؤلفة من 25 شخصا وفقد مقعده في أمانة الحزب.

تخلى جينتاو، الذي تخلى عنه مقعد رئاسة الحزب، عن منصبه كقائد أعلى للجيش ما يعني أنه لن يحتفظ بأي نوع من السلطات كما فعل جيانغ. وقال مسؤول ذو رتبة متوسطة في إدارة التنظيم، مكتب أفراد الحزب: «جرى إضعاف جينتاو حتى قبل أن يغادر السلطة».

لا يزال مصير لينغ غير واضح، حيث تعتقد مصادر مطلعة داخل الحزب أن حالته تشكل اختبارا مبكرا لوعود تشي بتنفيذ وعوده العلنية بمحاربة الفساد في المستويات العليا من الدولة. ويقول وو غوغوانغ، كاتب خطب مسؤول الحزب السابق، ويعمل الآن أستاذا في العلوم السياسية في جامعة فيكتوريا في كولومبيا البريطانية: «بمقدوره أن يقرر ما إذا كان سيسعى خلف لينغ جيهوا أم لا. وسيشكل ذلك في كلا الحالتين ورقة رابحة في يد تشي جينبينغ».

بدأ لينغ، 56 عاما، مسيرته في رابطة الشباب الشيوعي، وفي مرحلة مبكرة من عمره التحق بزمرة جينتاو الذي قاد رابطة الشباب في بداية الثمانينات وساهم في دخول لينغ إلى المكتب العام عام 1995. ويقول مسؤول في إدارة التنظيم: «لم يكن له كثير من الأصدقاء، لكنه يعلم أن لينغ شخص يمكنه الوثوق به. وقال مسؤولون إنه إذا اتصل شخص ما بلينع فربما يكون هو جينتاو المتصل».

لعب لينغ دورا محوريا في انتقال قادة رابطة الشباب إلى المناصب العليا وتقويض قوة خصوم جينتاو، وفرض لينغ أيضا رقابة على نشر أخبار القادة على الإنترنت وسعى إلى استخدامه لصالح داعمه الأوحد، جينتاو. وقال أحد مساعدي قادة الحزب: «لم تكن الدعايات السيئة بشأن تشي جينبينغ تقمع بنفس الصورة التي كانت تقمع بها الدعايات المضادة لجينتاو».

وبعد تنامي نفوذه، حاول لينغ ألا يزج بنفسه في صدارة المشهد، فأغلقت زوجته قبل عقد شركة برمجيات كانت تمتلكها وأنشأت منظمة غير ربحية لرعاية المشروعات الصغيرة. وأرسل الزوجان ابنهما لينغ جو إلى مدرسة النخبة الثانوية في بكين تحت اسم مستعار، وانغ زيون. وقال زميل سابق في رابطة الشباب إن «لينغ جيهوا طلب من عائلته عدم تدمير مسيرته المهنية، لكن يبدو أن الأمور لم تسر وفق ما أراد».

واصل لينغ غو، خريج جامعة بكينغ العام الماضي والحاصل على بكالوريوس العلاقات الدولية وبدأ في إجراء دراسات عليا في التعليم، العيش تحت اسم مستعار. وقال: «أعتقد أنه كانت هناك الكثير من الإغراءات والمغريات». قبل فجر يوم 18 مارس (آذار)، اصطدمت سيارة فيراري سبيدر سوداء تسارع على طريق فورث رينغ في بكين بحائط، وانشطرت إلى نصفين، وقتل لينغ في الحال، ودخلت السيدتان اللتان كانتا معه إلى المستشفى مصابتين بجروح خطيرة. توفيت إحداهما الشهر الماضي وتقضي الأخرى فترة النقاهة في المستشفى.

ويفيد مطلعون داخل الحزب بأنه في ظل الظروف الطبيعية يكون التعتيم على مثل هذه الأنباء لحماية صورة الحزب أمرا عاديا. لكن لينغ جيهوا مضى أبعد من ذلك، ومضى يناور في إخفاء موت ابنه حتى عن القيادة. نشرت صحيفة «بكين إفنينغ نيوز» مقالا وصورة لكن الموضوع سرعان ما حذف من الإنترنت. وفي وقت لاحق تلقت عائلات السيدتين اللتين كانتا في السيارة تعويضات من شركة النفط المملوكة للدولة، بحسب مسؤول تنفيذي بشركة أجنبية دولية رئيسة، أشار إلى أن مبالغ ضخمة دفعت للتأكد من صمت هذه العائلات. وقد رفض مسؤول الدعايات في شركة النفط الوطنية الصينية الإجابة على التساؤل بشأن الأمر.

عندما نشرت وسائل الإعلام الناطقة بالصينية في الخارج في يونيو أن قائد السيارة الفيراري كان ابن لينغ، نشرت صحيفة «يازهو زهوكان» قصة تفند هذه التقارير، مستشهدة برسالة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن محاولة التعتيم خرجت عن سيطرة لينغ. وتقول مصادر مطلعة داخل الحزب إن الشرطة سجلت الاسم الأول لضحية الحادث بـ«جيا»، والتي تبدو مثل كلمة «مزورة»، وهو أسلوب عادة ما تلجأ الشرطة إليه في بعض الأحيان عندما تود طمس الحقيقة. وقد أدت هذه الخطوة إلى انطلاق عدة شائعات تربط السائق المتوفى بزعيم الحزب المتقاعد مؤخرا جيا كينغلين، الذي شعر بالغضب ونقل حزنه إلى الرئيس السابق جيانغ. تم حشد مكتب الحرس المركزي، الذي يدير أمن القادة للمساعدة في عملية التعتيم، لكن ذلك أثار غضب رئيس المكتب الأسبق، وحليف جيانغ والمدير الحالي كاو كينغ، الذي راودته شكوك بشأن لينغ. وقالت سيدة من عائلة نافذة في الحزب: «قالوا: إن لينغ كان دائما ما يتصل بكاو كينغ ويطلب منه القيام بهذا وذاك. كان لينغ متبجحا وعديم الاحترام».

طفت القضية إلى السطح في يوليو (تموز) عندما ناقشت القيادة مصير بو وخطط نقل القيادة. وقال مسؤول من مؤسسة الإعلام الحكومية المركزية: «كانوا يناقشون الترتيبات، وقالوا: إن على القادة الانصياع لقواعد الحزب، لذا فإن هذا الشخص لم يكن مؤهلا للارتقاء إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي». وفي مقابلة مع هو جينتاو، شكك جيانغ أيضا بشأن إنسانية لينغ حول الاتهامات بأنه كثير الانشغال إلى حد أنه لم يلاحظ موت ابنه، بحسب الكثير من الأفراد.

شعر جينتاو أنه مجبر على التضحية بحليفه، خاصة أن الحزب كان يحقق أيضا في القضية ضد بو تشيلاي بشأن الأسس التنظيمية. وقال قريب لمسؤول سابق: «لم يرغب في أن يمنح الآخرين شيئا يمكنهم استغلاله ضده».

وفي هزة محورية، وصل بديل لينغ، زميل قديم لتشي في يوليو بعد ستة أسابيع من نشر التعديل الوزاري. وأشار إلى أنه بحلول سبتمبر تعرض جينتاو لضغوط علاقته بلينغ ورضخ لمفاوضات القيادة التي بدت مستعدة لتسليم السلطة. ومع تواري نفوذ جينتاو بدأ تشي في تولي مسؤولية العلاقات العسكرية، بما في ذلك مجموعة تنسق رد الصين تجاه التصعيد الياباني بشأن الجزر المتنازع عليها.

* شارك إيان جونسون وإدوارد وونغ في إعداد التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..