أخبار السودان

من زي ديل وا اسفاي

[CENTER]من زي ديل وا اسفاي
[/CENTER]

تغرق الخرطوم في شبر موية عند أول مطرة، ومثلها كذلك مدني وسنار وغيرها من مدن السودان، وتتحول مياه الخريف إلي برك ومستنقعات تعج بالبعوض، والنفايات المعطونة بالمياه تلوث البيئة، وتخرج منها الغازات ذات الرائحة الكريهة، والمصابون بالأزمة ينقلون إلي أقسام الحوادث فلا يجدون الأوكسجين لأن الميزانيات ضعيفة، والوزارة لا تهتم.. هذه المشاهد تتكرر بالكربون كل عام.. بينما الإعلام الرسمي يقول:” إن الجهات المختصة اجتمعت ووضعت الاستعدادات اللازمة، وكوّنت غرفة طوارئ الخريف، ورصدت الأموال اللازمة.. “. وبين الواقع والدعاية تؤكل الميزانيات، وتبني العمارات.
قبل الإنقلاب الأخواني في يونيو 1989، كانت خدمات الصحة والبيئة المجانية توكل للمجالس البلدية، على رأس كل مجلس ضابط إداري، يعاونه مفتش صحة وتعليم، وموظفون وعمال، يعرفون مهامهم جيّداً .. ويدركون طبيعة المناطق وتركيبتها السكانية، ومشاكلها.
والعمل عندهم قائم على التخطيط، والشغل في معظمه ميداني، والضابط الإداري تجده مع الناس، حايم برجليه في الأسواق والمناسبات المختلفة، والطاقم المعاون أيضاً بنفس المواصفات.
ونظير عملهم هذا يأخذون مرتباتهم العادية، ولا يطلبون الحوافز ولا الامتيازات، لأن طبيعة عملهم خدمة المواطنين.. والحكم المحلي آنذاك كانت هياكله بسيطة، محافظ المديرية هو السلطة الأعلى، يشرف على ضباط تنفيذيين، وبدورهم يشرفون على المجالس والضباط الإداريين.
ومنذ 1989 وحتى الآن حل محل المجلس البلدي المعتمد والمجلس التشريعي، واللجان الشعبية، ومكان المحافظ استبدل بالولاية ومجلسها التشريعي، ولجنتها الأمنية، يصرفون الأموال الطائلة وهم جلوس على مكاتبهم الوثيرة، ليس من طبيعة عملهم خدمة الناس، ولا يعرفون حتى مهامهم الوظيفية، صعدوا إلي مناصبهم عن طريق التمكين، والولاء السياسي، والوظيفة عندهم هي المكافأة على الدهنسة، وعليهم الحصول على أكبر قدر من المال في أقصر فترة ممكنة.
على ذلك فإن نظافة البيئة، ورصف الشوارع، وتصريف مياه الخريف، وتفادي الأضرار ليست شغلهم الشاغل، لكنهم يصحون من بياتهم الشتوي متى ما زار الرئيس أو الوزير مناطقهم لأي سبب، فترى الآليات تعمل على تسوية الشوارع المتهالكة، التي سيمر فيها موكب السادن الكبير من أجل راحته لا راحة المواطنين.
ويصدرون الأوامر لموظفيهم وعسكرهم، بالهجوم على الأسواق والمحلات التجارية، من أجل تحصيل الرسوم والضرائب، ويلبسون الكاكي متى ما طلعت مظاهرة في حدود محلياتهم، ويطاردون ستات الشاى بالكشة والغرامة، ويستثمرون في الدرداقات وكراسي الشاي.. ومن زي ديل وا أسفاي.
مثل هؤلاء الذين يرفعون البنات في (الطارة) لأن الطرحة خفيفة، لا يحاكمون المسؤول صاحب اليد الخفيفة لو سرق المال العام.. لأن الحال من بعضو.
تحولت المديريات من ست (في السودان الحالي) إلى 18 ولاية، كل ولاية بها والي ووزراء ومستشارين، ومجلس تشريعي، ومعتمدين، ومحليات.. ليس الهدف خدمة المواطنين أو تقصير الظل الإداري كما يقال، بل توزيع كيكة السلطة على أكبر عدد من الفاسدين لتوسيع قاعدة النظام الاجتماعية. والولايات نفسها قائمة على الأساس القبلي والعرقي والمحليات كذلك، وإيرادات الولايات زائداً التحويل المركزي يذهب إلى جيوب السدنة، لهذا كانت ولا زالت حصيلة الإنجازات صفر كبير.
زمان يدخل المواطنون إلى مكتب الضابط الإداري دون انتظار صف، أو المرور بسكرتيرة، الآن لو طلب مواطن مقابلة المعتمد في أي شأن فدونه العراقيل والقيود، والمكاتب التنفيذية واللجان الأمنية، ولو أصر المواطن على حقه في المقابلة فسيبيت ليلته في المعتقل، بعد سلسلة تحقيقات، واتهامات، وتهديدات، وفي الآخر يفصل من عمله دون حيثيات، ويساق للنيابة بتهمة إزعاج السلطات.

كمال كرار
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..