نظرية الكباية ونظرية الجردل

لا تستغربوا فللأواني المنزلية أيضا نظريات ، منها ما ابتدعه بعض « المسحلبين » من أصحاب الخيال الشاطح ، ومنها ما حاز براءة اختراعه بعض الأذكياء ،تذكرت نظرية الكباية عندما نظرت في قرار ترامب حول العقوبات الاقتصادية ،وعندما أعدت النظر الى الداخل تذكرت نظرية الجردل..
نظرية الكباية تحكي عن مُسحلب دخل السوق لشراء طقم كبابي، وقف أمام أحد الباعة ونظر إلى كبابيه المعروضة فوجد أنها موضوعة بالقلبة عاليها أسفلها، فهاج وماج في البائع قائلاً له: «الله عاوز تبيع لينا كباية مقفولة بي فوق»، وبفطرته وخبرته أدرك البائع سحلبة هذا الزبون، وبكل بساطة وبرود ودون أن يرد عليه بكلمة استعدل وضع الكبابي، ولكن هذا الوضع أيضاً لم يعجب المسحلب، فصاح فيه «وكمان مقدودة بي تحت»، وبالطبع لم يدخل الشاري في أية مفاوضات حول السعر ولم يشتر شيئاً ، أما نظرية الجردل التي تجمعه بالحنفية ، مؤداها أن الحنفية إذا «انحلجت» ولم يتم استبدالها بالكامل بأخرى أصلية وليست «تايوانية»، فإنها تبدأ في رشح الماء، فنتجاهل هذا الرشح في بدايته، وعندما يزداد نلجأ لربطها بقطعة قماش بالية، وعندما يزداد أكثر نستبدل القماش بسير من البلاستيك، ثم بسلك، وعندما لا يجدي كل ذلك نضطر لوضع إناء تحت الحنفية، حيث نبدأ بإناء صغير ثم يتطور إلى حجم الجردل وربما أكبر، وهكذا دواليك، ننفق الوقت والجهد بلا جدوى إلى أن تتدفق المياه وتنهمر كالسيل وتغمر المكان وتتمدد حتى تصل الجيران، ويحدث الغرق وما يتبعه من خوف من سقوط الجدران وتندلع حرب المياه بين السكان.
هذا بالضبط ما يحدث عندنا في إدارة شؤون الدولة وأمور حياتنا الخاصة، أما في الدول المتقدمة والمتطورة اذا رشحت حنفية، لا تترك المشكلة كي تتفاقم ويمتلئ البيت ماء ويزحف على بيوت الجيران، ويلحق ضرراً بالمباني والأثاثات، إذ سرعان ما يتم إبلاغ الجهة المختصة فتهرع الى المكان وفي معيتها فريق متكامل من المتخصصين في كل ما قد تتطلبه الحالة من فنيين يتلافون الخلل بمخططات مدروسة ومعدة للسيطرة على أي عطب طارئ. أما ما يمارس هنا عندنا بشكل يومي فغالباً ما يتم عملياً على طريقة رزق اليوم باليوم حتى مع أعتى الأزمات، فبعد استهلاك الوقت في الاجتماعات وحلقات النقاش والحوار الطويلة ثم من بعد انفضاض تلك المجالس والانتقال إلى التطبيق العملي لما تم الاتفاق عليه، اذا بكل هذا لا يعدو أن يكون سوى « ورجقة» وطق حنك لا يحل ولا يربط بل تظل معه المشاكل والأزمات قائمة تراوح مكانها، هكذا ظل الحال منذ الاستقلال والى يوم السودان هذا، ونظرة واحدة للحال تكفي لتأكيد مدى الترقيع والتلتيق الذي يكتنف الصيغ المطروحة والأطروحات المصاغة لحل المشاكل التي توطنت وتوطدت وأزمنت وظللنا ندور حولها كما «الدابي مقطوع الرأس»، وكل هذا بسبب نظرية الحنفية والجردل التي أدمنا تعاطيها.
الصحافة