وماذا عن سودان ون وحمى غرب النيل

أتعمد عدم تناول أي مسألة يكثر فيها اللت والعجن الصحفي، لأنه قد لا يكون عندي ما أضيفه للأمر، ولا أجاري الهوجات الصحفية التي تهب فجأة ثم تخمد نهائيا وبعبارة أخرى فإنني لست ميالا للّتِّ والعجن في مخبز يتولى فيه المئات تلك المهمة، بعضهم باقتدار والبعض الآخر فقط للورجغة أو الشتارة أو الشطارة التي يسميها العوام تكسير الثلج، ولكن قد تكون هناك قضية عامة لبانة في أفواه الكثيرين، ومع هذا أقرر الخوض فيها لأن هناك أمرا حولها استفزني أو شجعني على تناول جانب منها
ولهذا أخوض اليوم في أمر قرار الحكومة الأمريكية باستمرار العقوبات الاقتصادية على السودان حتى 12 أكتوبر المقبل، بعد ان استفزتني ردود أفعال عرجاء لفظا ومحتوى، وكنت أصلا مستفزا من انتشاء بعض أهل الحكم بوعد رفع تلك العقوبات باعتبار أنه شفرة فتح خزائن علي بابا.
انتبهت من قبل إلى أننا سلكنا النهج الليبي في تقديم التنازل تلو الآخر لمحور «الخير» الذي يتألف من الولايات المتحدة وحليفاتها، ولكن مفيش فايدة، فمع كل تنازل صاحت واشنطن: هل من مزيد؟ ففي الجنوب بصمنا بالعشرة على اتفاق أدى الى انفصال ذلك الجزء من البلاد، وفقدنا الشيء الوحيد الذي كنا نتباهى به على العرب، ألا وهو أننا أكبر الدول العربية مساحة، وفي دارفور دعونا القوات الأفريقية لحفظ السلام، وقلنا لقوات الغرب والشرق الافريقي تفضلوا البيت بيتكم، وجلست حكومتنا تفاوض حركات بعضها متمرد فعلا والبعض الآخر من اختراعها، والحال في حاله.
وكلما لاح للحكومة أمل في الخروج من النفق الذي حشرت نفسها فيه، «حفرته في بادئ الأمر بالناب والظفر ثم انهد حيلها، وجلست في عتمته تتصبب عرقا، عاجزة عن شق مخرج منه»، وكلما لاح الأمل اتضح أن الحكومة معمول لها «عمل» لأنها بالمصري «تقوم من نقرة تقع في دحديرة»، ويقول بعض خبراء المعارضة انه ليس هناك «عمل كجوري» بل إن ما أوصل البلاد إلى حال البؤس الراهن، هي «عمايل» الحكومة، من فئة «ال تسويه بإيدك يغلب أجاويدك».
ظلت حكومتنا تكابس وأحيانا تكابر في شأن علاقاتها مع الغرب، ولكن وكلما حسبت أنها أوشكت على كسب ودّه، قام الغرب بتلبيسها تهمة جديدة، ولعلي أول من نبه إلى زعم السلطات في بريطانيا اكتشاف صبغة مسببة للسرطان في أكثر من أربعمائة نوع من الأغذية والصلصة، وتلك الصبغة تضاف الى الشطة، وتعطي الأطعمة مذاقا طيبا فاتحا للشهية! وقالوا إن تلك الصبغة اسمها «سودان وَنSudan one»
والسودان ليس منتجا لتلك الصبغة، ولا توجد عندنا صناعة تعليب الأطعمة او البهارات، بل لا نصنع شيئا صالحا حتى للتسويق المحلي «سيبك من التصدير»، وليس لدينا ما نصدره سوى إناث الإبل والنعاج! ومعظم أطعمتنا غير قابلة للتعليب: أم رقيقة، تركين، أم تكشو، تقلية، بوش، وكمونية «التي صارت طعام الأثرياء القادرين على ذبح الخراف في غير عيد الأضحى».
لماذا أطلقوا اسم بلادنا على الصبغة المسرطنة وأسموها «سودان ون»؟ الحكاية فيها «إنّ»!! صح؟ ون تعني «واحد»، يعني هناك نية لاكتشاف سودان تو وسودان سيفن، وصولا الى اتهام السودان بأنه سبب رئيسي للإسهال والبواسير وسرطان القولون والحنجرة! لماذا لم يسموها بوركينا فاسو ون، أو ألمانيا فور أو يابان سيفن؟ المسألة ملعوبة بخبث: فالخواجات سمعوا بدارفور، ولعلهم حسبوا انها دار 4 «four/4» وأن هناك بالتالي دار تو، ودار فايف، إلخ، فقرروا تأليف سلسلة من السموم ونسبتها الى السودان! وعنصر الخبث هنا هو ان دارفور تشتهر بإنتاج الشطة، ومن ثم نسبوا صبغة الشطة المحظورة دوليا إلى السودان .
وقبلها أصيب بعض مواطني مدينة نيويورك بحمى غريبة، أسموها «حمى غرب النيل»،فهل قام السودان بتصدير البعوض سرا الى الولايات المتحدة؟ سيقول الأمريكان «كل شيء جائز في السودان ! طيب إذا نجح البعوض في اجتياز المحيط الأطلسي، رغم ان دورة حياته من 24 إلى 96 ساعة، وجناح البعوضة لا يقوى على الطيران المتواصل إلا لبعض دقائق، فلماذا بقي في نيويورك ولم يهاجر الى لاس فيجاس وهوليوود وميامي حيث اللحم الأبيض المتوسط مكشوف مما يسهل مهمة البعوض ويفتح شهيته؟.
باختصار المسألة ملعوبة، وإذا أضفنا حكاية شطة سودان ون الى حمى غرب النيل فإنهما «مشروع أسلحة بيولوجية سودانية» جاهز، فابشروا باستمرار العقوبات.
الصحافة