شرطي يتحدى الحواجز..!

ظني، أن الرسالة التي سطرها أحد أفراد الشرطة وهو يقفز فوق الحواجز، ويتجاوز الموانع، ويصل إلى النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، الفريق بكري حسن صالح، ينبغي أن تُكتب بحروف بارزة، ثم تُرسل إلى الدائرة الضيقة حول كل مسؤول، بأن أفسحوا لمن وقعت عليهم المظالم، ولا تحولوا بينهم وبين المسؤولين، حتى لا تتكرر مثل تلك المشاهد الاقتحامية..!
فلو كانت المسارات مفتوحة أمام المواطنين من أصحاب المظالم، إلى المسؤولين، لما اضطر هذا الشرطي إلى كسر البروتوكول والمراسم، وخاطر برتبه العسكرية من إجل إيصال مظملته إلى النائب الأول، أثناء خطابه في المجلس التشريعي لولاية الخرطوم. ولو كانت الطرق سالكة إلى والي ولاية الخرطوم الفريق عبد الرحيم محمد حسين، لما غامر هذا الشرطي، حتى ينقل مشكلته إلى الفريق بكري..!
ولكن يبدو أن الرجل تأذى من سد المنافذ في وجهه، حتى أعجزه الوصول إلى والي ولاية الخرطوم، وربما إلى هيئة المظالم والحسبة العامة، وغيرها من الجهات التي يُفترض أن أبوابها مُشرعة في وجه أصحاب المظلمات. ولكننا للأسف نعيش في عصرٍ تنشط فيه بطانة الحاكمين ? إلا من رحم ربي ? في تشييد جُدر شاهقة، للحليولة بين المواطنين وبين المسؤولين. ونحيا في زمن يطرب فيه المسؤولون لتسويرهم بحواجز عاتية، حتى لا يصلهم المواطنون، فيفسدوا عليهم هناءة ساعتهم وحبورهم..!
المؤسف في الأمر كله، أن المغامرة التي قام بها ذلك الشرطي، وهو يتخطى المتاريس والمطبات المصنوعة، ويضع شكواه على طاولة رئيس مجلس الوزراء، ربما تجعله أمام محاسبة عسكرية شاقة وعسيرة، ليس لأنه مسّ بالتراتبية العسكرية او أخلّ بها، وإنما لأنه قام بإحراج مسؤولين كبار، ما كانوا يودون أن تظهر مثل هذه المظالم إلى رئيس مجلس الوزراء..!
ويبدو أن حادثة الاقتحام قد لفتت انتباهة الفريق بكري إلى عيوب، ربما يكون القائمون على أمرها، قد سعوا ونشطوا لمداراتها، وربما لذلك سارع بكري إلى توجيه نقد نادر إلى حاكم ولاية الخرطوم الفريق عبد الرحيم محمد حسين وفريقه عمله، وإلى الخدمات التي تقدمها حكومة الولاية إلى المواطنين، وذلك حينما قال بكري إنها دون الطموح، وخاصة المتعلقة بمياه الشرب والبيئة العامة.
أعود وأقول، إن الترسانة الموضوعة أمام الحاكمين والمسؤولين، وإن عصمتهم من مشاغبات الجمهور هنا، فإنها لن تكون واقياً لهم من حساب يوم البعث هناك. بل إنها لن تكون عاصمة لهم من الإحراج مع قادة الجهاز التنفيذي والسياسي، على نحو ما حدث مع بعض قادة ولاية الخرطوم، حينما اختصمهم الشرطي إلى الفريق بكري حسن صالح.
قناعتي، أن غالبية البطانة التي تحيط بالمسؤولين في الجهاز التنفيذي والتشريعي والحزبي، بحاجة إلى إعادة تهيئة وإعادة ضبط، حتى يجد كل مسؤول طريقه إلى الناس ليسمع منهم ما وسعه الزمن، وما سمحت له طبيعة المهمة العامة التي يتولاها، وإلا فإنهم سيكونون في وادٍ، وسنكون نحن في وادٍ آخر، لكنه ? للأسف ? وادٍ غير ذي زرع ولا ذي تنمية أو رفاه.
الصيحة