مقالات سياسية

من طيرة أم بشار جانا السلف قطّار!

أم بشار هي أول ما يظهر في السماء من سحب، إيذاناً ببداية موسم الخريف ونزول المطر واخضرار الأرض وامتلاء الضرع، وهذا ما ينتظره الناس في كثير من بقاع السودان بكل شوق ولهفة، ويستعدون له بشتى الطرق، كل حسب حرفته ومنطقته .
فرعاة الإبل، يعني لهم ذلك الرحيل طلباً للكلأ بعيداً عن “مدامر” الصيف، وهذا يتطلب إعداد أشياء كثيرة تتعلق بحياة البادية منها “الشقاق والشملة” وكل ما يلزم تلك الرحلة من متطلبات ومؤن وغير ذلك. أما المزارع فتلك الفترة هي أيام “المسور والرميل” والاستعداد لحرث الأرض وفلاحتها والتشمير عن ساعد الجد خلال فترة “مفرق الحبتين” وهي فترة لا تخلو من شظف ومشقة وعمل دؤوب. هذه الفترة يكتنفها كثير من الأشواق وقيلت فيها أشعار رائعة، منها البيت الذي اتخذته عنواناً لهذا المقال؛ لأنها بكل بساطة تعني عودة الحياة؛ خاصة لإنسان دار الريح الكادح. وفي آخر إصدار له يصور الشاعر المبدع الهندي خير الله هذا المشهد بقوله:
جاد الخالق الدنيا وفَرَجْ للهمْ

وأهل الثروة روّقوا تب وريقهم جمْ

الزراعي شال سلوكته والتيراب وللقوز لمْ

وشاعر البادية بالقافية المرتبة نمْ

للأسف هذا النمط من الحياة، في دار الريح، بات مهدداً بكثير من المشكلات الإدارية والنزاعات، إذا جاز التعبير، علاوة على بعض العوامل البشرية التي تعوق ممارسة النشاط التقليدي، وقد يؤدي ذلك إلى تدهور قطاع اقتصادي مهم جداً ليس لإنسان المنطقة فحسب بل لخزينة الدولة ودخلها أيضاً. وحسب الوضع الراهن في شمال وغرب كردفان، هذا العام، لا يستطيع كثير من الرعاة التحرك في مساراتهم العادية بشكل طبيعي؛ نظراً للنزاع الذي نشب مؤخراً بين إخوتنا في دار حمر والكبابيش من جهة، وبين حمر والمعاليا من جهة أخرى، وراح ضحيته عدد من الأرواح؛ ولذلك نناشد الجهات المعنية ونطالبها بسرعة التدخل، قبل حلول الخريف، وقد بدأت تباشيره في الظهور، وطلبنا موصول خاصة إلى شيخي العرب عبد القادر منعم منصور، والتوم حسن علي التوم، لاستخدام ما عرف عنهما من حكمة وفصل الخطاب لإعادة المياه لمجاريها ورأب الصدع وإنهاء هذا الخلاف حتى يستأنف الناس حياتهم دون تخوف أو حذر . ونرجو من السلطات التنفيذية في الولايات المعنية بذل مزيد من الجهد من أجل التوصل لحل يرضي الأطراف ويعيد اللحمة إلى مجتمعنا بأقرب وقت ممكن. وبما أننا نتحدث عن النشاط البشري والاقتصادي نود أن ننوه إلى شكوى يجأر بها كثير من المزارعين تتمثل في تعدي الرعاة على زراعتهم متجاهلين العرف والنظام والشرع. قديماً كان الناس يتمسكون بما يعرف لدى الأهالي والإدارة الأهلية “بشيل العصا” وهو عرف كان سائداً ويطبق بمجرد أن يبدأ الناس أعمال الزراعة و”الحش” وهو يلزم أصحاب “السعية” بعدم التعدي على الزراعة ليلاً أو نهاراً وإلا أصبحوا تحت طائلة القانون. ولكن للأسف الشديد ذكر لي بعض الإخوة بأنهم اضطروا لترك الزراعة لأن الرعاة يتعدون على مزارعهم ويكبدونهم خسائر فادحة! ولهذا السبب على الجهات الإدارية والإدارة الأهلية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع تكرار ما حدث في السنوات الماضية، واضعين في الاعتبار القاعدة الشرعية “لا ضرر ولا ضرار”؛ حفاظاً على حقوق الناس وحثاً وتشجيعاً لهم على العمل في هذا المجال الحيوي، والمعنى الذي يدل عليه الحديث هو: أن الشخص ليس مطلوباً منه أن يضار نفسه، وليس مسموحاً له بأن يضار غيره. كما اشتكى بعض الناس من تدهور الغطاء الغابي في دار الريح وبشكل خاص اختفت أشجار الهشاب التي تمثل مصدراً اقتصادياً لا يستهان به فهي الشجرة التي تنتج الصمغ العربي وتوفر حطب الوقود وتساعد على تماسك التربة ولكنها تعرضت لإزالة وقطع جائر وتصحر كاد يؤدي إلى اختفائها من شمال كردفان تماماً. ومما يبشر بالخير في هذا الصدد أن هنالك مشاريع مدروسة لإعادة استزراع الهشاب في مواقع متفرقة من شمال كردفان بجهود رسمية وشعبية تشارك فيها بعض الجهات الاستثمارية. ولعمري مما يشرح الصدر أن تدرك كل هذه الجهات مجتمعة ضرورة عودة الهشاب لدورة الاقتصاد في الولاية مما يعني أننا الآن نسير في الاتجاه الصحيح. من جانب آخر، هنالك الآن مساع حثيثة تسير على قدم وساق لعقد مؤتمر علمي زراعي، قبيل نهاية هذا العام، في مدينة بارا، وسيكون بحضور علماء ومختصين في مجالات تشمل الزراعة والثروة الحيوانية والأسماك وعسل النحل والصناعة التحويلية والتسويق، وهو يستهدف تدريب المزارعين واكسابهم المهارات العملية المطلوبة لمنتجات المنظومة العضوية المتكاملة وذلك بالتنسيق مع وزارة الزراعة في الولاية وبرعاية مولانا أحمد هارون والمهتمين الإنتاج العضوي في البلاد. والقصد هو وضع شمال كردفان في موقع متقدم على خارطة الإنتاج العضوي؛ خاصة بعد اكتمال طريق الصادر. المطلوب هو حشد الرأي العام لهذا التوجه مع تنظيم المنتجين في كيان من شأنه أن يدفع بعجلة الإنتاج العضوي قدماً. وسوف يكون هنالك مهرجان تراثي مصاحب للمؤتمر حتى تكتمل التنمية مادياً وثقافياً.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..