بين جنوب السودان وتيمور الشرقية..لا يوجد صرف صحي في العاصمة نفسها..مظاهر دولة أفريقية بائسة وفقيرة يبدو معلماً واضحاً لدى زائر الخرطوم من أول خطواته في المطار..!!

يدور الكثير من الجدل حول الاستفتاء في كانون الثاني (يناير) القادم الذي سيحدد مصير جنوب السودان، وبقاءه كجزء من السودان الموحد أو انفصاله وهو الاحتمال الأرجح.

عدت أخيراً من زيارة إلى الخرطوم للإطلاع على الأجواء المحتدمة هناك بسبب الاستفتاء المقبل، وكما هي حال بقية الدول العربية من دون استثناء لجهة عدم الاهتمام أو اللامبالاة تجاه الشأن العام فإن قضية الاستفتاء أو الانفصال لا يبدو انها تشغل الكثير من المواطنين في الشمال. إنها محل صراع سياسي بين قادة الأحزاب السياسية والنخبة الحاكمة، لكنها وعلى رغم مصيريتها لجهة اقتطاع جزء من الأرض فإن الإنهاك الاقتصادي وتردي سوء الحالة المعيشية تجعل الهم اليومي يسيطر على تفكير المواطنين ومشاغلهم. اللهم إلا لافتة قديمة في أحد شوارع العاصمة تدعو إلى التعاون حتى ولو أدى الاستفتاء إلى الانفصال.

يبدو أن التحدي الرئيسي المستقبلي امام السودان بشماله وجنوبه هو التنمية، فالشمال في حالة يرثى لها في ما يتعلق بغياب البنى التحتية (لا يوجد صرف صحي في العاصمة نفسها) وانهيار الخدمات الأساسية من حيث المياه النظيفة الصالحة للشرب والمواصلات وغير ذلك. إن مظاهر دولة أفريقية بائسة وفقيرة يبدو معلماً واضحاً لدى زائر الخرطوم من أول خطواته في المطار. ويترافق ذلك مع فقدان الحد الأدنى من القدرة على جلب استثمارات تنموية رائدة قادرة على وضع التنمية في السودان على السكة الصحيحة، حيث أن العقوبات الأميركية ثؤثر في شكل كبير على الاستثمارات الأجنبية والأهم انعدام البيئة القانونية والضمانات اللازمة لهذه الاستثمارات. وأعتقد أن هناك وهماً يسيطر على الكثير من الأنظمة العربية التي تعتقد أنه بمجرد تعديل القوانين وإقرار قوانين جاذبة للاستثمارات تقوم على الإعفاءات الضريبية فإن الاستثمارات العربية والأجنبية ستهرع إليها، من دون إدراك أن تقدير البيئة المناسبة للاستثمار يعتمد في شكل رئيسي على استقلال القضاء بما يضمن للمستثمر حقوقه (رأس المال جبان دوماً كما يقال)، وثانياً وجود البنية التحتية التي يجب أن تقوم بها الدولة والتي من شأنها أن تخفف العبء عن المستثمر وتشجعه على القدوم بسبب انخفاض الكلفة، ولا ننسى أن العالم يقوم على التنافسية، فرأس المال الذي لن يذهب إلى السودان أو غيرها من الدول العربية سيكون أمامه أكثر من 180 دولة للاستثمار فيها.

يضاف إلى ذلك كله أن انعدام موارد الدولة أو غياب مصادر الثروة الطبيعية لا يبرر بأي حال من الأحوال انعدام التنمية، فعدد الدول التي حققت قفزة نمو هائلة من دون ثروات طبيعية يفوق العشرات وأولها دول جنوب شرقي آسيا كسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرها، وهنا تأتي أهمية ما يسمى القيادة السياسية، المسؤولة ليس فقط عن تشجيع الاستثمارات عبر القوانين وإنما عن البحث عن مصادر دعم للدولة من أجل تنمية وتأمين البنية التحتية الملائمة.

إن كل هذه الشروط افتقدها السودان لزمن طويل ولذلك من الطبيعي أن يحصد اليوم ثمار سنوات من الحروب والنزاعات الأهلية وانعدام البوصلة باتجاه تنمية حقيقية، فإذا قدرنا هذا الوضع في الشمال فإن علينا أن نضربه بمئة حتى نتخيل الوضع في الجنوب، إذ لا وجود لطرقات اسفلتية أو الحد الأدنى من البنى التحتية التي من دونها لا معنى لوجود الدولة.

تقول التقديرات أن جنوب السودان يحتاج على الأقل إلى ما يفوق 110 بلايين دولار حتى يستطيع أن يبني المنشآت الأساسية التي من شأن الدولة أن تقوم عليها ومن أجل تلبية الحاجات الأساسية للسكان، وليس للمجتمع الدولي خطة واضحة حول كيف يمكن لجنوب السودان أن يقوم بمؤسساته مع توفر ما لا يزيد عن عشرة بلايين من الدولارات فقط، ولذلك فإن خيار الانفصال، على رغم أنه يبدو جاذباً للجنوبيين، إلا أنهم سيصحون على الحقيقة المرة بعد سنوات بعد أن يخف اهتمام المجتمع الدولي ويتركون لمصيرهم، كما حدث تماماً مع تيمور الشرقية التي استطاعت الاستقلال عن أندونيسيا بعد صراع طويل من أجل الاستقلال انتهى بقرار من مجلس الأمن وتدخل أممي واسع ودعم من القوى الغربية جعل الاستقلال حقيقة قائمة. لكن وبعد سنوات من خفوت الاهتمام وعدم وصول المساعدات الموعودة وانخفاض معدل دخل الفرد في تيمور الشرقية عن نظيره في أندونيسيا وتحقيق أندونيسيا معدلات نمو لا بأس بها واستقرارها السياسي على طريق التحول الديموقراطي، كل ذلك جعل سكان تيمور الشرقية يفكرون مجدداً في معنى استقلال الدولة على رغم شرعيتها الكاملة بنظرهم قانونياً ودينياً وسياسياً، لكن يبقى تحدي انعدام التنمية الاقتصادية هو ما يؤثر على المواطنين وقرارهم.

هل من الممكن أن يلقى الجنوب السوداني المصير نفسه؟ هذا برأيي الاحتمال الأرجح مع فارق أن تيمور الشرقية امتلكت نخبة متعلمة بحكم صلاتها السابقة مع هولندا والبرتغال المستعمر السابق، وهو ما لا نجده في جنوب السودان الذي تعلمت معظم نخبه في الشمال.

ويبقى في النهاية أن نشير إلى الدور الأميركي الذي تحول من إطار يسعى إلى الحفاظ على وحدة السودان إلى داعم لانفصال الجنوب لأسباب دينية وسياسية وعلى أمل أن الانفصال سيكون أفضل خيار لفكرة الاستقرار ومنع تجدد الحروب الأهلية. وبالتالي انتقل الموقف الأميركي من الخوف من تكرار شكل جديد للدول الفاشلة كما في الصومال واليمن تقريباً إلى مقتنع أن الانفصال ربما يحمي الاستقرار أكثر من وحدة هشة لا اعتبارات تاريخية أو سياسية لها، فقط لمجرد أن المستعمر البريطاني وضع خريطة السودان كما يشاء من دون أي إدراك لمحددات اثنية أو قبيلية أو سياسية، وبالتالي فالسودان بشقيه لم يكن دولة ? أمة حتى نعتبر أن الانفصال هو انشقاق عن هذه الفكرة بقدر ما كان تجمعاً هشاً لاثنيات متفرقة لم يستطع قيام الدولة الحديثة أن يحميها، فانفراط العقد كان مسألة وقت، وها هو الوقت قد حان.

رضوان زيادة *

* باحث في معهد دراسات الشرق الأوسط ? جامعة جورج واشنطن
دار الحياة

تعليق واحد

  1. Absence of democratic institutions, enforcing one track ideology are the main cause of adisintegrated sudan, the islamists schemes and experiments were doomed to fail in acountry like sudan, every one knew that, but Alingaz insisted on their adventureous illusions of the absolute dominance and power and carried the whole nation into the darkest tunnel in the history of sudan, The new nation in the south after apainful labor will gradually recover and rise they have the natural resources to push ahead, it will take time, but they will succeed, the rest of the north will retreat licking their wounds, and wait for Alingaz to take them into the next terrifying adventure

  2. بهذه العنجهية والعقليات المتخلفة التي لن تقدم شيئا ولن تقرأ الواقع بطريقة صحيحة يا ود شندي السودان سوف يذهب للهاوية وعندها لن تجد انت موطنا لك وسوف تهاجر انت والغبن الان في السودان وصل حد بعيد ولو كان هنالك من يفهم فليفهم كلام الدكتور لوكا الذي قاله وبصوت هادئ نحن مشكلتنا حليناها لكن انتم في الشمال حلوا مشكلتكم لانهم تعاملوا بذكاء في ادارة مشاكلهم ووصلوا لما يريدون والبشير يرقص ويحلف بالطلاق ويصدر في القرارات وهو على المنصة التي لا يدري انها سوف تنهار به والله البشير نفسه ما عارف البلد ماشة وين؟ ونوعك دا يطبل ليه لحدما لن تجدون ارضا تطبلون عليها ولا ارض لكم ملاذ . احسن ليكم تحكموا عقلكم قبل ان تؤخذون بحصاد السنتكم وتكبركم . فحال السودان ما كان له ان يكون هكذا لولا عصابة البشير الذي ادخل السودان في متاهات لا نهاية لها ونوعك انت المنتفع المطبل الذي يطبل للصاح والغلط . واخيرا لو دامت لغيرك لما الت اليك وسنة الله في الارض التغيير وصبر الغلابة لن يروح هدرا لا في الدنيا والاخرة ودعوات المظاليم والمقهورين لن تروح هباء وافعلوا ما شئتم كما تدينون تدانوا والكيس من دان نفسه

  3. انـــــــــــت يا الاسمك رضوان زيادة

    انشاء الله الزيادة عمرك ما تشوفها
    ليه انت بسجايب هذه الصورة

    افيدك مثل هذه الصوره موجودة في جميع بقاع الارض

    فعلا بقولو الصحافة هي السلطة الرابعة بس انت حطيت علي السلطلة الرابعة الزيت علي النار و انت عارف معني كلامي.

    مفروض تكون صحفي نزيييييييييييييييية بس يا خسارة فعلا المثل بقول القلم ما بزيد الم .

    ارجو ان تتقي الله في نفسك اولا و بعدها شوف الغير

  4. ليست العواصم تقاس بمظهرها ,فكل هذه العواصم التى من حولك بما فيها من ناطحات سحاب وخدمات لايذيد عمرها عن السبعون سنه , فوجد ت الخرطوم حينما وجدت دمشق ,اما امدرمان فهى (حبوبة العواصم) . فالحضارة تراث وتاريخ وايضا ( كما فى الصوره) بناية من ستة طوابق وماذنة وعربية وانسان :افندى وسيدة وشيخ ومتسول . كانها لندن ,,,,,,,,,

  5. السيد رضوان زياده متعك الله بالعافية بس ياترى انت بموقعك فى اعرق جامعة فى امريكا ياترى ممكن تكتب لنا وتعرفنا كيف نجعل الخرطوم ترجع درة افريقيا كما كانت فى الستينات وانت اكيد مطلع ومواكب العالم من كل النواحى بحكم موقعك الاكاديمى وياريت نرى كتاباتك وحلولك عسى ولعلة حكومتنا تستعين لو بجزء يسير من كتاباتك رغم انى عارفك باحث وليس مهندس معمارى
    وياريت الوقت ده كان حان زمان لانفصال ودى اكبر خدمه تقدمها لنا امريكا والامم المتحده لانفصال الجنوب والحمدلله لان وجود الجنوب كان عطله لنا ولهم اما وجود الكيزان وسلطتهم دى برضو الحين بتاعها قرب يجىء ولاتياس ولكل ظالم نهايه طال الزمن ام قصر والايام دول

  6. شكلكم انتو بتعاينو بس في الصور وما قريتو الموضوع ، الزول ده باحث يعني اكاديمي لا هو مع الحكومة ولا هو ضدها شغلو يشوف الواقع يدرسو ويحللو ويكتب كلامو ده وينشره ، وكلام الزول ده صحيح مية في الميه واكرر كلامو صاح لانو اكاديمي وشاف بي نفسو الوضع المزري في الشمال ، والما مصدق ينزل السودان يشوف بي عينو وخليكم من كذب وتضليل الفضائيات .
    ثانياً : الزول دة مع عندو علاقة بالصورة الموجودة في الموضوع لانو الصورة ختوها ناس موقع الراكوبة .

  7. لماذا كل هذا العداء لحكم الانقاذ ؟؟..رغم كل الهنات والاخطاء ولكن التنميه التي ظهرت في السنوات الاخيره توكد ان السودان يسير في الطريق الصحيح..والذين صوتو لحزب البشير صوتو بوعي تام بان الحكومه الحاليه هي الافضل لقياده البلد في المرحله القادمه..وهذا الكاتب يقارن الحرطوم بواشنطون القادم منها ..كان عليه ان يقارنها بالخرطوم قبل 20 سنه ويشوف الفرق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..