مقالات سياسية

الدولة … ومحكمة جرائم (المعلوماتية)

الدولة ….. ومحكمة جرائم ( المعلوماتية )

لقد فوجئ الرأي العام السوداني كما سيفاجأ أنصار الحرية والديمقراطية وحرية الفكر في جميع أنحاء المعمورة بإنشاء قانون ومحاكم تسمى ( محاكم جرائم المعلوماتية ) والتي تخص الجرائم التي تتعلق بالإنترنت
وإذا كانت الدولة رفعت الآن راية الحرب ضد مواقع التواصل الإجتماعي بجميع أنواعها وبدون تمييز فسوف تخسر هذا النزال دون أدنى شك في ذلك .. لأنها ستحارب أشباح ومخلوقات فضائية لا وجود لها … لذلك عليها أن تميز بين الجريمة وبين حرية الرأي والتعبير …
نعم لمحاربة الجرائم الإلكترونية التي تستهدف الأشخاص وتستهدف الدولة والضرر بالأمن العام والذي يشغل المواطن ويجعله ليس آمنا في مسكنه وفي مشربه وفي حله وترحاله
كيف سيتم محاربة هذه الظاهرة أو هذا النوع من الجرائم التي تستهدف الأشخاص والأمن العام وهي ليست في السودان حصراً دون غيره من دول العالم فهل بالوعيد والردع القاسي على مرتكبيها ؟ كل الدول والحكومات تعاملت مع هذه الظاهرة العالمية بتمليك الحقيقة للمواطن وليس ( التطنيش ) وليس بمزيد من كبت الحريات ولا بالوعيد بل بمزيد من الحريات وبتمليك الحقيقة للمواطن عن طريق مواقع التواصل نفسها بمعنى الحرب عليها الأفضل أن يكون في نفس الميدان وبنفس السلاح أو عن طريق وسائل الإعلام المتاحة

لقد أخطأت الحكومة بإتخاذها هذا القرار بغض النظر عن حرية الرأي التي كفلها الدستور السوداني وأيدتها الممارسات الديمقراطية التي حكمت السودان والتي سار عليها مجتمعنا منذ الإستقلال وحتى لحظة الإنقلاب على الديمقراطية الثالثة .

وأي حكم قضائي يصدر في أي قضية معلوماتية إلكترونية ليس دائما عادلا وشريفا ويشوبه كثير من الشوائب في عدالته مهما بلغ القاضي من نزاهة وشرف ؟ وذلك بسبب سهولة الإختراقات والتهكير الذي نسمع به من حين إلى آخر للمواقع الشخصية وحتى المواقع الرسمية لم تسلم من ذلك ؟ فإذا كان موقع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بجلالة قدره يتم إختراقه ويبث من خلاله أخبار كاذبة إذن فما أسهل إختراق المواقع الشخصية لأشخاص عاديون ويبث من خلالهما أي أخبار يحاسب عليها صاحب الموقع ومن ثم محاكمته وردعه حسب القانون وهو برئ براءة بن يعقوب وبالتالي سيكون عدد الضحايا بالمئات

الأمر الذي يدعو للإستغراب هو هل كل من إستغاث بحاكم أو والي عن تظلمه في عدم توفر خدمات مهمة مثل العلاج أو أي ظلم وقع عليه من جهة ما أو غير ذلك على أي موقع إلكتروني فهل هذه تعتبر جريمة أو إشانة سمعة ؟ وفي عدم توفر فرص مقابلة المواطنين وبث شكواهم وتظلمهم للمسؤولين عنهم وإغلاق أبواب المكاتب أمامهم فلم يجدوا هؤلاء الغلابة ملجأ الا هذه المواقع الإسفرية لبث نجواهم وشكواهم لأصحاب القلوب التي من المفترض أن تكون رحيمة .

في تقديري الهدف من إصدار هذا القانون هو كلمة حق أريد بها باطل … إن هذا الشعب ذكي جدا ويفهم وليس بهذا الغباء .. الهدف هو لجم الباحثين عن العدالة الإجتماعية والحدّ من كشف عورات الحكومة في عجزها في تقديم الخدمات للمواطن وكذلك في عدم فضح الفاسدين والمستبدين والتشهير بهم

إن من أكبر أخطاء الحكومة هي إنها لم تتصالح مع مواقع الإنترنت أو مع وسائط التواصل ودائما في حالة حرب معها وشك وريب في معلوماتها ولم تنظر الى الجانب الإيجابي فيها . لأنها تريد جميع الناس أن يفكروا بتفكيرها ولا يتكلموا إلا بكلامها فهذا يسمى بقمة الاستبداد

كنت أتمنى كما تمنى غيري ليس إصدار قانون فقط لمثل هذه الجرائم بل أيضاً كيفية التفاعل والتصالح مع مواقع التواصل الإجتماعي ( الإعلام البديل ) وفي كيفية التحقيق من المعلومة الصادرة وتحليلها…
ما شهدناه من ردة فعل الحكومة العراقية ومن وزارة الداخلية العراقية بالتحديد في محاسبة مرتكبي جريمة الإعتداء على المواطن السوداني بشير آدم في مدينة الموصل ما هو إلا دليل على تصالح الدولة العراقية ووزارة داخليتها وتفاعلها مع وسائط التواصل فلم تكذب الواقعة ولم ( تضرب الطناش ) ولم تجند جيش من ( الجداد الإلكتروني ) لكي يكذب الحادثة على إنها مؤامرة تستهدف الجيش والشرطة وأن الشرطة خط أحمر وكلام من هذا النوع … بل بحثت عن موقع الحادثة حتى وصلت للحقيقة … ولقد زادت من رصيدها داخليا وخارجيا بهذا العمل الجليل
لم نسمع يوما إن مسؤولا سودانيا واحدا أو وزيرا أو مديرا أو مؤسسة أو مصلحة تفاعلت مع قضية أو نداء إستغاثة وجه إليها عبر وسائط التواصل وبحثت هذه الجهة عن هذا الشخص حتى تم الوصول إليه … وتم حل هذه المشكلة .. فهل هؤلاء المسؤولين يعيشون في وطن آخر غير الذي نعيش فيه ؟ أم على قلوبهم أقفالها ؟

ليس أمام الدولة إلا أن تتصالح مع المواقع الإلكترونية وتستفيد منها وتتفاعل معها في تقديم أروع الخدمات للشعب المغلوب على أمره وترفع الظلم والضيم عن المحتاجين وتغيث المستغيثين عبرها ؟؟ بدلا من إعلان الحرب عليها والسعي لإغلاقها.

ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..