مقالات سياسية

المغتربون بين المطرقة والسندان!

حمل إعلان الحكومة السعودية عن تطبيق برنامج “المقابل المالي”، الذي يقضي بفرض رسوم على الوافدين ومرافقيهم، الكثير من التساؤلات، كما فتح المجال لكثير من النقاشات حول الآثار العامة للقرار وما قد يترتب عليه من انعكاسات فعلية؛ وخصوصاً عن تأثيراته على المغتربين السودانيين العاملين بالقطاع الخاص في المملكة العربية السعودية. أولاً، يجب التنويه إلى أن فرض الضرائب أو الرسوم حق سيادي، أساسي وأصيل، يجوز لأي حكومة ممارسته فيما يتعلق بالأفراد والمؤسسات داخل أراضيها؛ ولذلك لا يمكن لأي جهة أن تحتج على الإجراء الذي اتخذته الحكومة السعودية مؤخراً وفقاً لرؤيتها وبما يتفق مع سياساتها وحسب أوضاعها الداخلية، إنما على الأفراد والجهات المتأثرة بهذا القرار توفيق أوضاعهم وترتيب أولوياتهم حتى يستطيعوا التعامل مع آثار هذا القرار مادياً ومعنوياً. أما وقد أصبح القرار المذكور سارياً وواجب النفاذ، ينبغي على المتأثرين به التعامل معه بروية وتدبر؛ تفادياً لما قد يلحق بهم من أضرار وما يترتب عليه من أعباء مالية إضافية قد ترهق كاهل الكثيرين. ومن جانب آخر، هنالك جملة حقائق يستوجب ذكرها: أولها أن الاغتراب بالنسبة لكثير من السودانيين العاملين بالخارج قد تحول إلى هجرة دائمة،إما بسبب ظروف السودان،أو نظراً لطول المكوث في بلاد المهجر دون تحقيق فوائد مادية محسوسة مما أطال أمد الاغتراب وأصاب الناس بنوع من القنوط واليأس من العودة إلى أحضان الوطن؛ خاصة لدى الأجيال التي ولدت وترعرعت وتعلمت وعادت لتعمل في دول الخليج، ومنها المملكة العربية السعودية؛ فهؤلاء قد درجوا على أسلوب حياة معين يصعب عليهم تغييره،كما ليس لهم ارتباط وجداني أو اجتماعي يذكر مع الوطن، وهم معذورون في الواقع. ويضاف إلى ذلك أن بعض الأسر قد اندمجت تماماً في حياة الغربة، ولم تعد تتخيل أنها ستعود إلى السودان مرة أخرى، وهذا لعمري أمر جد مؤسف. عموماً، على المغترب أن يضع في الحسبان أن الناس قد اضطرت قسراً إلى العودة في بعض الحالات مثلما حدث أيام اجتياح العراق للكويت وفي الحالة الليبية وبعد أحداث اليمن؛ ولذلك كان ينبغي التحسب واتخاذ الحيطة والحذر طالما أن الإنسان يقيم في غير بلده، مع العلم أن الظرف الراهن في السعودية لا يقارن بما حدث في تلك البلدان بأي وجه من الوجوه؛ إذ العودة ستكون طوعية في هذه الحالة بيد أنها غير مخطط لها، إذ أنها قد فرضها الواقع في توقيت وظروف غير مواتية البتة! وعلى كل حال، فإن كثيراً من المغتربين السودانيين المقيمين في المملكة العربية السعودية، خاصة من العاملين في القطاع الخاص، قد وجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبة، وضعتهم بين المطرقة والسندان؛ بمعنى أنهم إما أن يستمروا في العمل والإقامة هنا وتبقى معهم عائلتهم ويوجهوا كل دخولهم، ومدخراتهم، إن وجدت، نحو الإنفاق المحلي بما في ذلك الالتزامات الرسمية الجديدة، علاوة على الالتزامات الأخرى من سكن وتعليم ومعيشة وعلاج، ويرضوا بالواقع وعيشة الكفاف، أو تعود العائلات إلى أرض الوطن لتواجه جملة من التحديات، أهمها غياب رب الأسرة وتفرقها، وما يترتب على ذلك من مخاطر أخلاقية واجتماعية وربما نفسية. وبكل تأكيد قد يواجه بعض العائدين مشكلة السكن والمدارس وغيرها من الأمور التي لم يستعد لها بعض المغتربين كما ينبغي! أما إذا قررت بعض العائلات البقاء في المملكة رغم مستجدات الظروف،فمن المؤكد أن أعباء الإقامة سوف تزداد بالنسبة للأشخاص الذين لديهم مرافقون كثر، وستكون الآثار أشد على ذوي الدخل المحدود أو الرواتب المتدنية! إزاء هذا الوضع، لابد من مراجعة أمور كثيرة أولها أوجه الصرف غير المرشد، خلال ما تبقى من شهور هذه السنة، حتى تتمكن الأسر من تفادي أي ضائقة مالية نتيجة لسداد مبالغ لم تكن في الحسبان. وفي حال قرر المغترب العودة مع عائلته، فعليه التخطيط بطريقة مختلفة عما كان يحدث في بلاد المهجر؛ خاصة وأن الشخص العائد سيجد نفسه في وضع قد يكون غير مستقر، على أقل تقدير في الأيام الأولى من عودته؛ نظراً لعدم الإلمام الكافي بما حدث من تغيرات في الأوضاع في السودان! وهنا تلزم الإشارة إلى إمكانية الاستفادة من الخبرات التراكمية التي اكتسبها العاملون بالخارج في كافة المجالات المهنية والحرفية؛ وذلك بتهيئة الحد الأدنى من متطلبات ممارسة المهن والحرف. ومع أن الدولة ليست مؤسسة خيرية منوط بها توظيف المغتربين العائدين إلى أرض الوطن إلا أن بإمكانها تقديم مساعدات مقدرة في هذا الصدد سواء عبر تمويل مشاريع التشغيل أو بتسهيل الحصول على السكن، وتقديم تسهيلات بضمانات شخصية أو بسيطة؛ سيما وأن إخوتنا من أبناء الوطن المغتربين قد قدموا تضحيات مهولة ودفعوا مبالغ طائلة للدولة في شكل ضرائب ومساهمات وطنية وغيرها وقد حان الوقت لكي ترد لهم الجميل بأحسن منه! وأخيرا:
الغريب عن وطنو مهما طال غيابو
مصيرو يرجع تانى ليأهلو وصحابو
ينسى آلامو وشجونو
وينسى حرمانو وعذابو

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..