أخبار السودان

واشنطن تضغط لحل أزمة السودان.. سباق مصالح أم “هاجس فوضى”؟

وفد أمريكي:واشنطن لن تستأنف المساعدة لحكومة الخرطوم في غياب إنهاء العنف وحكومة مدنية.

مجذوب :الولايات المتحدة لا تهتم بمن يحكم، وإذا وجدت نظامًا عسكريًا يحقق مصالحها ستدعمه.

– واشنطن ستدعم توازن بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة لإكمال الفترة الانتقالية.

رزق :لا توجد جهود أمريكية، في الوقت الراهن، إنما هي جهود أممية.

– أمريكا، وحلفائها بالمنطقة، يميلون لترتيب الأوضاع بما يتسق مع مصالحهم

الفاضل :الولايات المتحدة ربما يفترسها هاجس الخوف من نتائج أية تحولات راديكالية تخرج من رحم الثورات الشعبية.

تسعى الولايات المتحدة لإيجاد حلول للأزمة السودانية “المعقدة والشائكة”، تفاديا لانفراط عقد الأمن والانزلاق نحو الفوضى، في ظل تباعد المواقف بين المكونين المدني والعسكري، واستمرار الاحتجاجات.وثمة سؤال يتبادر إلى الذهن عما إذا كانت الجهود الأمريكية المبذولة على الساحة السياسية السودانية، تدعم خيارات الشعب في الحرية والسلام كما هو معلن، أم تبحث عن توازن عسكري مدني في الفترة المقبلة للانتقال؟

وكان وفد أمريكي أجرى زيارة إلى السودان في 17 يناير الماضي، استمرت 3 أيام؛ لبحث الأزمة التي بدأت مع اتخاذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إجراءات يوم 25 أكتوبرالماضي، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية “انقلابا عسكريا”، في مقابل نفي الجيش.

ووقع البرهان وعبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر الماضي، اتفاقا تضمن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، قبل أن يستقيل حمدوك في 2 يناير، في ظل احتجاجات رافضة لهذا الاتفاق ومطالبةً بحكم مدني كامل، راح ضحيتها العشرات.

ويرى مراقبون في أحاديث لهم مع الأناضول، أن الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة يريدون واقعا في السودان “يضمن لهم استمرار مصالحهم”، لذلك سيدعمون الجهود المبذولة حاليا من الأمم المتحدة وأطراف أخرى، لإنهاء الأزمة الراهنة.

إنهاء العنف
في 20 يناير الماضي، أكد الوفد الأمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية مولي في، والمبعوث الخاص للقرن الإفريقي ديفيد ساترفيلد، أن بلادهما لن تستأنف المساعدة لحكومة السودان في غياب إنهاء العنف واستعادة حكومة بقيادة مدنية تعكس إرادة الشعب”.

وأعلن الوفد في ختام زيارة إلى الخرطوم، دعم العملية السياسية التي أطلقت مؤخرا بقيادة السودان، والتي تسهلها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الانتقال بالسودان “يونيتامس” كوسيلة لمساعدة أصحاب المصلحة المدنيين في تحديد طريق مشترك للتغلب على المأزق السياسي والتعهد بالدعم الأمريكي الكامل.

لكن وفق بيان لمجلس السيادة، فإن لقاء جمع رئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مع الوفد الأمريكي أفضى إلى اتفاق الطرفين على تشكيل حكومة كفاءات وطنية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ودخول الأطراف السودانية في حوار شامل للتوصل إلى توافق وطني للخروج من الأزمة.

وقبل أن يغادر الوفد الأمريكي أصدر البرهان، قرارًا بتكليف 15 وزيرًا في حكومة تصريف أعمال جديدة.

منطقة حيوية
بالنسبة إلى الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، أمين إسماعيل مجذوب، فإن الولايات المتحدة تنظر للسودان باعتباره منطقة حيوية للأمن القومي الأمريكي، لذلك تهتم به كموقع جغرافي وموارد طبيعية وقوة بشرية وتوازن للقوة في المنطقة مع القوى العالمية الأخرى.

ويقول مجذوب في حديثه للأناضول، إن “الولايات المتحدة لا تهتم بمن يحكم، وإذا وجدت نظامًا عسكريًا يحقق مطالبها ومصالحها ستدعمه، وإذا وجدت نظاما مدنيًا يُحقق مصالحها ستدعمه أيضا”.

ويضيف: “أما مسألة الديمقراطية والحكم المدني فهي في حسابات الأمريكان عبارة عن جزرات تقدم لبعض الدول وتُمنع من دول أخرى، وهناك شواهد كثيرة في تعامل الأمريكان مع أنظمة عسكرية أو مدنية”.

وتابع مجذوب: “لذلك في هذه الحالة يحرص الأمريكان بعدم مجيء الروس إلى السودان وعدم منحهم قواعد على البحر الأحمر، وألا تأتي الصين وتنافسهم على الموارد النفطية ومصادر الطاقة الموجودة فيه، وأن لا تأتي غريماتها من الاتحاد الأوروبي إليه للاستثمار في اليورانيوم، وأسواق الصادرات”.

ويتوقع أن “الولايات المتحدة ستدعم توازن بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة لإكمال الفترة الانتقالية، وعندما تأتي الانتخابات سيكون لها شكل من أشكال السيطرة على من يأتي في المرحلة القادمة”.

ومضى المحلل السياسي قائلا: “في تقديري أن الولايات المتحدة تميل للتوازن واقتسام السلطة ومشاركة العسكريين باعتبار أن مصالحها متأرجحة ما بين النظام العسكري السابق، وبين قبول العسكريين للتطبيع في الفترة الانتقالية، والعلاقات العسكرية التي نمت في العامين الماضيين”.

تحركات دولية وإقليمية
وتشهد البلاد حاليًا تحركات إقليمية ودولية، وطرح 6 مبادرات دولية وإقليمية ومحلية في مقدمتها المبادرة الأممية برعاية بعثة “يونيتامس”، إضافة لما طرحته “إيغاد” “والاتحاد الإفريقي” و”جوبا”، و”مدراء الجامعات” وحزب “الأمة القومي” لإنهاء الأزمة.

بهذا الصدد، يقول الكاتب والمحلل السياسي، عبدالله رزق: “لا توجد جهود أمريكية، في الوقت الراهن، وإنما هي جهود أممية، فقد انسحبت أمريكا، من مهمة التوسط والتواصل المباشر مع طرفي الأزمة، بمكونيها العسكري والمدني، وتركت المجال للمبعوث الأممي فولكر بيرتس، مكتفية بدعم ما يقوم به من جهود”.

وفي 8 يناير الجاري، أعلن رئيس بعثة (يونيتامس) فولكر بيرتس، إطلاق مشاورات “أولية” لعملية سياسية شاملة بين الأطراف السودانية لحل أزمة البلاد.

ويشير رزق في حديثه للأناضول، إلى الموقف الذي تبنته واشنطن في بداية الأزمة عندما رفضت “انقلاب 25 أكتوبر”، ودعت إلى العودة للوثيقة الدستورية وعودة حمدوك لموقعه كرئيس وزراء انتقالي بكامل صلاحياته، ومطالبتها بإطلاق سراح المعتقلين ورفع حالة الطوارئ.

وأضاف: “ثم رحبت أمريكا وحلفائها، بعودة حمدوك لموقعه الدستوري والإفراج عن المعتقلين من الدستوريين، وقد عدت الاتفاق (21 نوفمبر) الذي تم بموجبه عودة حمدوك لموقعه الرسمي خطوة أولي، لكن لم تتلوها أي خطوة إلى أن غادر حمدوك المشهد الرسمي في 2 يناير”.

ويرى رزق أن هذا الأمر “مؤشر أولي على ضعف التأثير الأمريكي، عبر تحرك واشنطن، على حالة الأزمة، إذ لم تؤثر التهديدات علي موقف العسكر، وفي ذات الوقت بدأ التردد ظاهرا في اتجاه واشنطن نحو فرض أي عقوبات على معرقلي الانتقال الديمقراطي”.

وتابع بالقول: “تردد أن خلافا وقع بين المبعوث الأمريكي للسودان وإثيوبيا، جيفري فيلتمان، من جهة، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكية، مولي في، بشأن العقوبات، ويبدو أن استقالة فيلتمان المؤيد لفرض العقوبات، ليخلي الموقع لخلفه ديفيد ساترفيلد، متصل بمصائر المساعي الأمريكية ووصولها لطريق مسدود”.

ويؤكد رزق أنه “منذ اتفاق 21 نوفمبر، بدا أن تحولا حدث في الموقف الأمريكي، وموقف حلفائها، باتجاه التعامل مع الانقلاب كأمر واقع، والتخلي عمليا عن شعار العودة للمسار الشرعي للانتقال بقيادة مدنية”.

ويشير إلى أن “واشنطن تركت للمبعوث الأممي عقب هذا الاتفاق مهمة إيجاد قواسم مشتركة بين طرفي الصراع في البلاد، وهو اتجاه يتصادم مع تبني كافة قوى الثورة لخط رافض للتفاوض مع المكون العسكري والحوار معه أو إعطائه أي شرعية”.

ويوضح رزق أن أمريكا، وحلفائها بالمنطقة، يميلون لترتيب الأوضاع بما يتسق مع مصالحهم، ويتردد بصورة واسعة أن دولا من بينها إسرائيل ومصر والإمارات، معنية بشكل كبير بالوضع في السودان، وتمارس تأثيرًا علي مجرى الأحداث فيه، وتدعم، بشكل خاص، البرهان، وبقائه على رأس السلطة خلال الفترة الانتقالية”.

**هاجس الخوف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن “الولايات المتحدة ربما يفترسها هاجس الخوف من نتائج أية تحولات راديكالية تخرج من رحم الثورات الشعبية لا تعرف هي عواقبها ويصعب عليها السيطرة والتحكم في مآلاتها النهائية من واقع تجربتها مع الثورة الشعبية الإيرانية التي أطاحت بعرش الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1979”.

ويقول الفاضل في حديثه للأناضول: “أتصور الآن أن واشنطن تسعى بشتى الحيل للبحث عن مفتاح يغلق جريان وتدفق سيول الشارع الثوري السوداني توطئة لإنتاج معادلة جديدة من شأنها أن تمتص حالة الغضب والفوران الشعبي”.

ويعتقد أن “الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة يريدون معادلة تضمن لهم استمرار مصالحهم في السودان، وتُنهي حالة الضغوط الداخلية التي تواجه إدارة الرئيس جو بايدن من قبل الكونغرس الأمريكي”.

ويتابع الفاضل بالقول: “المهم فإن نوع الحلول التي تهيئ لها واشنطن الآن من خلال مبادرة الأمم المتحدة أو باتصالاتها المباشرة مع لجان المقاومة وأسر الشهداء والأحزاب وتجمع المهنيين كلها تندرج في سياق البحث عن مفتاح للأزمة على مقاس هذه المصالح”.

ويستدرك: “لكن يظل هذا البحث عن المفتاح كالبحث عن إبرة صغيرة في كوم قش هائل”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..