النظرة الفكرية الشاملة والمعاصرة

إن العلمانية كانت هي الرحم والأرضية المناسبة التي ساعدت أو هيئت البيئة للإنسان الأوروبي وهيئت العقلية الأوروبية لإنتاج فلسفاتها المعاصرة ولإنتاج حضارتها الحالية. وذلك من خلال الدعوة إلى العقلانية والرشد وإلى تبني العقلية العلمية في التفكير في الحياة وإلى رفض الخرافات والغيبيات في التفسير الحياتي. كذلك العلمانية هيئت المناخ للحضارة والفكر الأوروبي من خلال توجهها نحو دراسة الواقع والدعوة للاهتمام بالحاضر والواقع المعاش كوسيلة لتحقيق السعادة والرفاهية للإنسان.
والعلمانية جعلت الإنسان الأوروبي ينظر للحياة الإنسانية من خلال أربعة اتجاهات فكرية وفلسفية وهي خلاصة تطوره الفكري. وهي الفلسفة الوجودية والفلسفة التحليلية والفلسفة البرجماتية والفلسفة الماركسية وكلها ساعدت في تطور العقلية الأوروبية وفي صنع حضارته.
فأنا هنا في هذا المقال أدعو إلى دراسة الفكر الماركسي والينيني و إلى دراسة الفكر الوجودي الفرنسي والفكر التحليلي الإنجليزي والفكر البروجماتي الأمريكي. و أيضا دراسة ونقد الفكر والتراث الديني حتى نصنع مزيج متكامل من هذه البوتقة ينتج عنه ظهور فكر إنساني حديث ومتكامل ومعاصر. فكل رؤية أو فكر من هذه الفلسفات كان يجيب على جانب معين من جوانب الحياة الإنسانية. وكما قال المفكر العربي الرائع أ.د زكي نجيب محمود في الاتجاهات الفلسفية والفكرية الأربعة المعاصرة أنها جميعا تكمل بعضها البعض رغم التنافر الحاصل بين شعوبها التي تبنتها والذي جاء نتيجة للصراع الدائر بينهم لفرض السيطرة. فأنا اتفق مع د. زكي في قوله :(هكذا نرى أن المذاهب الفلسفية في عصرنا حين اختلفت فهي إنما اختلفت في الجانب الذي تكون له أولوية النظر عند كل منها, دون أن تكون الجوانب المتعددة متعارضة في ما بينها , بل هي جوانب يكمل بعضها البعض, ونستطيع أن نأخذ بها جميعاً.)
وكذلك قال د. زكي: (وكدت أقول إنه لابد أن نأخذ بها جميعا في وقت واحد (أو عصر واحد). إذ لا تعارض هناك بين أن نقر للإنسان بحريته(وتلك هي الفلسفة الوجودية) وأن نبين لتلك الحرية ضوابط المنطق لتلتزم حدودها (وتلك هي الفلسفة التحليلية) , وأن نشترط لها كذلك التزام بالأهداف المراد تحقيقها ( وتلك هي البرجماتية) مدخلين في حسابنا دائماً ضرورة الواقع المادي الذي سنجري على أرضه لتحقيق أهدافنا ( وتلك هي المادية الجدلية) والقول لا يذال للدكتور زكي ((فهناك زوايا أربعة كما ترى يكمل بعضها بعضاً أكثر جداً مما يتنقض بعضها بعضا, فلكل منها سؤال يراد الجواب عنه. فالسؤال عند الوجودية هو: من؟ والسؤال عن التحليلية هو: ما المعنى؟ والسؤال عند البرجماتية هو: ما الهدف؟ والسؤال عند المادية الجدلية هو : كيف يحدث؟ وكيف يتغير؟ وكلها أسئلة ضرورية للموقف الواحد والجذر الذي تلتقي جميعاً عنده أو الجذر المشترك في فلسفات عصرنا هو الإنسان. وهو التصور الذي يجعل الإنسان محوراً يدير نفسه ولا يُدار من خارجه, فالمحور الفلسفي الرئيسي لعصرنا هو النظرة الإنسانية التي تجعل من الإنسان مبدأ وغاية, وتجعل هذه الحياة هي الأولى والأخيرة.)) وأخيراً هناك أهمية لحركة النقد والبحث والفرز والغربلة التاريخية للتراث والفكر الإسلامي والديني عموما حتى نستخلص منه ما هو مواكب ونترك ما هو معرقل وندمج كل ذلك مع بوتقة الفلسفات المعاصرة. والإبداع سوف يكون في عملية الدمج وفي الممارسة الفكرية للواقع المعاش من خلال الرؤية المتكاملة والشاملة الحديثة.
بقلم الكاتب: معاذ عمر حمور
[email][email protected][/email]