الشارع السوداني.. المطلوب والمرتجى

ما الذي يعنيه الاشتباك الذي شهدته الخرطوم بين الشرطة ومؤيدين لانفصال السودان خلال مسيرة لداعمي الوحدة يوم السبت الماضي.
هل هو مجرد حادث معزول يمكن تطويقه، ام انه مقدمة لسيناريوهات مقبلة قد تشهدها البلاد في ظل الاحتقان الحالي الذي يسبق الاستفتاء على مصير جنوب السودان في كانون الثاني/يناير المقبل.
كشف الحادث ان الشارع السوداني شمالا وجنوبا ليس معزولا عن حرب التصريحات والتصريحات المضادة التي اكثر شريكا الحكم، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، من اطلاقها اخيرا وبوتيرة تنذر بالخطر.
فالشارع السوداني بشقيه لم يجد نفسه في خضم ازمة سياسية كما هو وضعه اليوم، ليس لان المرحلة مصيرية او لانها غير مسبوقة في تاريخ السودان الذي اجادت نخبه عبر التاريخ الحديث التحكم في القضايا الكبرى وعزلها عن الرأي العام إلا بمقدار ولاعتبارات تحددها هي.
لكن النخب اختارت هذه المرة تهييج المشاعر الشعبية وحشدها خلف موقفين متناقضين، مرشحين للانفجار قبل كانون الثاني/يناير 2011 وبعده حسب التوقعات.
بعبارة اخرى نقول ان المؤتمر الوطني اختار نقل المعركة الى الشارع بمخاطبة الرأي العام الشمالي، ويمكن رد هذه الخطوة لعدة اسباب، اهمها حاجته للتخفيف من وطء المسؤولية التاريخية عن تقسيم البلاد وتفتيتها.
تفتيت لم يتخيل الحزب الحاكم تسارع خطاه على هذا النحو وسط دعم دولي واقليمي غير مسبوقين.
قد يتساءل سائل ألم تسبق الحركة الشعبية شريكها المؤتمر الوطني في نقل معركة الاستفتاء الى الشارع، وبصورة تؤثر من دون شك في خيارات الناخبين.
هذا حدث وستفعل الحركة كل ما في وسعها لتغليب خيار الانفصال، وذلك لان الناخب الجنوبي هو وحده من سيقرر مصير البلاد.
اذن يبدو وضع الشارع الشمالي اكثر فداحة لانه سيدفع الثمن من أمنه ومعاشه، وربما من دمائه لا قدر الله.
تتنازع الشماليين مواقف ومشاعر واراء شتى في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان. هناك نسبة لا يستهان بها من الشماليين تحمل المؤتمر الوطني ما آلت اليه الامور منذ توقيع اتفاقية نيفاشا وربما ما قبلها، بل منهم من يذهب الى القول بان الحزب قدم للحركة الشعبية الجنوب ووحدة البلاد على طبق من ذهب.
هذا الفريق من الشماليين يتمنى حدوث معجزة تجنب البلاد الانقسام، وهو لا يملك غير التمني بكل أسف، خاصة القوى السياسية التي تجاهل المؤتمر الوطني دورها مثلما تجاهل تاريخها.
فريق اخر من الشماليين وهم قلة تمادوا في التعبير عن رد فعلهم حيال النزعة الانفصالية للجنوبيين، واصبحوا يستعجلون الانفصال اكثر من اهله المعنيين به.
فريق ثالث التزم الحياد معتمدا على قراءة عميقة للواقع السوداني تأخذ في الحسبان تراكم الاخطاء منذ سنوات الاستقلال الاولى، ويعتبر هذا الفريق التطورات الراهنة والمتوقعة قريبا تجسيدا لفشل الساسة شمالا وجنوبا في التعامل مع القضايا المصيرية. لكن هذا التفاوت في المواقف والاراء في اوساط الشماليين لا يمنع من البحث عن حد ادنى من التوافق شماليا. اذن على منظمات المجتمع المدني والمثقفين وغيرها من الفئات النشيطة التحرك والتعبير عن موقف وطني يضع عينه على سلام البلد وأمنه، من خلال التعاطي الايجابي مع نتيجة الاستفتاء لتفويت الفرصة على دعاة التصعيد الذين بدأوا ينفثون سمومهم من الآن، سواء في الشمال او الجنوب او الخارج.
سينقسم السودان الى شمال وجنوب تحت بصر العالم، ولن يكون الانقسام سلسا لان المقدمات لا تشي بذلك، وعليه لا بد من تدارس كل الاحتمالات والاستعداد للــــتعامل مع أسوأها. ونعني عودة الحرب، فالرأي العام الشمالي مطالب بموقف واضح يرفض اي محاولة لاشعال الحرب من جديد مهما كانت المسوغات. وعلى المؤتمر الوطني ادراك ان زمن التعبــــئة وتهييج المشاعر والعواطف والشعارات ولى، ويكفي ما دفعه السودان من الحملات السابقة طوال عقد التسعينات، كما يجب على الحركة الشعبية ان تتجنب استفزاز الشارع الشمالي بأكثر مما هو مستفز من شريكي الحكم.
عمر الخطيب
‘ صحافي سوداني – الدوحة
القدس العربي
نضحك مما نسمع ونبكي مما نرى، أو كما يقول أهلنا "أسمع كلامك أصدقك … أشوف عمايلك أستعجب". البشير وسلفا وطه يرددون دوماً "لا عودة للحرب". في وقت يقرع فيه المؤتمر الوطني والحركة الشعبية طبول الحرب للمواطنين في الجنوب والشمال، واتهامات متبادلة بتجييش الجيوش وحشد الحشود على الحدود المتنازع عليها، وما خفي من تسليح واستعدادات عسكرية أعظم. لا أرى تفسيراً لهذا التناقض بين القول والفعل إلا في كلام ياسر عرمان الذي قال إن قرار الوحدة أو الانفصال يصنع في الخرطوم من خلال تغيير دستوري يجعل الوحدة جاذباً. فهل كل ما يدور من شد وجذب الغرض منه تجهيز المتشددين من دبابي المؤتمر الوطني لقبول رئيس غير مسلم للسودان؟