مقالات سياسية

ثورة أخلاق لا نفاق 

يوسف السندي 

لم تكن ثورة ديسمبر ثورة عبثية ، بل كانت ثورة قيم ، القيم التي حملها شعار الثورة الأشهر (حرية، سلام، عدالة) ، كان معبرا بالضبط عن النقيض الذي كان يحمله نظام المخلوع الذي أدمن (القهر والحروب والظلم) ، لذلك المعركة الأعظم في الثورة هي معركة القيم، قيم الخير ضد الشر وقيم الشراكة ضد قيم الدكتاتورية الفردية .
حركة الإسلام السياسي التي قام عليها نظام الانقاذ انبنت على هوس الغاية تبرر الوسيلة، لذلك لم يتورعوا عن ارتكاب كل الموبقات من أجل تحقيق شعارهم الإسلام هو الحل، انقلبوا على السلطة الديمقراطية الشرعية ، شردوا الموظفين للصالح العام ، اعلنوا الحرب الدينية على أبناء الجنوب، استقبلوا كل المتطرفين الإسلاميين في السودان ووفروا لهم الحماية والأرض والسلاح، اقاموا بيوت الاشباح ومعتقلات التعذيب تحت الارض واستباحوا الوطن طولا وعرضا بذريعة انهم جاءوا لبعث الإسلام !
لم يمض على حكم الانقاذ الكثير حتى أكتشف الشعب الخديعة والكذب الصريح الذي يمارسه الإسلاميين، اذ لم يمض وقت طويل حتى امتلأت جيوبهم وتضخمت ارصدتهم البنكية و ارتفعت بيوتهم من طين إلى اسمنت مسلح ، وأصبح واضحا انهم لصوص سرقوا السلطة من الشعب لا ليقيموا عدل الإسلام و لا ليعيدوا حكم الفاروق ، بل ليمارسوا أكبر تجارة باسم الدين في تاريخ السودان ، وليطبقوا أسوا الأنظمة الدينية عبر تاريخ المنطقة ، لا يعملون لشيء سوى الدنيا وحظ النفس النهمة الطماعة.
لذلك فثورة ديسمبر ليست انتفاضة جوع ، ليست ثورة هياج أعمى ، بل ثورة لاسترجاع قيم سودانية نبيلة ضيعتها جماعة البشير والترابي ، ثورة لاستعادة هوية شعب سمح وسطي شوهها نظام الانقاذ ، ثورة بعث لامة حولتها الانقاذ من أمة عريقة التاريخ إلى مسخ مشوه لا يسر صديق ولا عدو ، من هذا المنطلق فإن ثورة ديسمبر ثورة أخلاقية ، لحمها وشحمها الأخلاق، الأخلاق التي ضحى من أجلها الشهداء وقدموا الأنفس الذكية راضية طائعة ، ثورة كهذه لا يجب أن تعامل الكيزان بالمثل ، ولا يجب أن تنغمس في التشفي والانتقام ، بل يجب أن تعيد ترتيب القيم الحقيقية في الشعب ، ان تنشر في كل مكان قيم الحرية والسلام والعدالة ، انتشار هذه القيم قادر تلقائيا لوحده على عزل كل لصوص الدين وكل الكاذبين ، وملاحقتهم اخلاقيا بشكل يومي حيثما ذهبوا .
مهم ان يزرع الثوار الآن بذور القيم الصحيحة وأن يتعهدوها بالرعاية و العمل و تقديم الانموذج، الميدان الوحيد الذي يمكن ان ينهزم فيه الكيزان إلى الأبد هو ميدان الأخلاق، إذا أعاد الثوار نموذج القيادة العامة إلى الشوارع من جديد ، إلى المدارس و الجامعات و الأسواق و المساجد ، سيكون هذا هو العامل الحاسم في إكمال انتصار الثورة و تثبيت أركان الحرية والسلام والعدالة ، إما إعادة إنتاج نموذج التمكين والسيطرة على الأجسام المستقلة واختراق تجمع المهنيين ولجان المقاومة والتفرغ للصراع ، فهذا هو ما سيفشل عودة دولة القيم ويساوي بين القتلة والثوار ويجعل الجماهير تنفض رويدا رويدا عن محفل الثورة.
يوسف السندي
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..