تدريس أم تدليس..!

فجأة وبلا مقدمات أعلن المركز القومي للمناهج عن حذف بعض الدروس من المنهج التعليمي، وخاصة درس “الإسلام دين التوحيد” الذي كان مضمناً في كتاب الصف الثالث الثانوي، ودرس “اهتمام الإسلام بتنقية العقيدة من الخرافات”، الذي كان يُدرّس لتلاميذ الصف السادس بمرحلة الأساس..!
ويبدو أن كثيراً من الناس لم يستسيغوا فجائية القرار، لذلك قابلوا القرار بكثير من الاستغراب وغير قليل من الاندهاش. بينما رأى آخرون ? وخاصة السلفيين – أن الحذف جاء استجابة للضغوط الشديدة التي تعرضت لها الحكومة من قبل مشائخ الطرق الصوفية، وتهديدها بتكوين حزب سياسي خاص بهم.
وغض النظر عن الدوافع التي قادت لحذف الدرسين من المنهج، وبعيداً عن الجدال والخلاف المذهبي حولها، فأن وزارة التربية والمركز القومي للمناهج وقعتا في سلسلة أخطاء حول هذا الأمر، بدءًا من تضمين المنهج لدروس ليست محل اتفاق، مروراً بقرار الحذف نفسه، وانتهاءً باتخاذ القرار بطريقة تُوحي كما لو أن هناك ضغوطاً مُورست على وزارة التربية أو الحكومة، من جهة لم يرضها وجود تلك الدروس في المنهج..!
فليس من المنطق ان تقوم الوزارة بتضمين بعض الدورس في المنهج بقناعة كاملة، ثم من بعد ذلك تأتي وتقوم بحذفها وسحبها من المنهج..! وظني ذلك يعني أن وضع تلك الدروس كان خطأً. وفي كلا الحالتين تظل الوزارة مدانة وملومة على ما اقترفت. أي أنها اخطأت بتضمين تلك الدروس في المنهج، وأخطأت بحذفها، وذلك أدعى لتعنيف من اتخذ القرارين.
قناعتي، أن هناك حاجة ماسة للإكثار من دروس التوحيد في المناهج الدراسية، وخاصة بعد التدليس والتخليط الذي كرّست له هذه الحكومة المحسوبة كلياً على المتصوفة. لكن بالمقابل لا أجد مبرراً لتضمين قضايا دينية مختلف حولها في المنهج، لأن ذلك ربما يزيد من حالة الصراع المذهبي، في بلد تعاني أصلاً من استقطاب حاد في هذا المنحى. ولا أظن أنني في حاجة إلى تذكيركم بردود أفعال الطرفين، السلفيين والصوفية، فالسلفيون يرون أن عدم وجود تلك الدروس في المنهج يكرٍّس ويشرعن إلى انتشار الدجل والشعوذة والخرافات، ويشوِّش على عقيدة ومدارك التلاميذ والطلاب، وربما يجعلهم في تخوم البدع والضلالات وربما الشركيات. بينما يرى المتصوفة أن تدريس تلك الدورس للطلاب من شأنه أن يرفع نسبة الغلو والتطرف والإرهاب في البلاد، وربما يقود إلى نشوء جيل متطرف يؤزِّم المشهد المذهبي على ما هو عليه من تأزيم.
ومهما يكن من أمر، فعلينا أن ننأى بطلابنا من معترك الخلاف المذهبي، حتى لا نخلق أجيالاً مجبولة على الصراع وعدم تقبل الآخر، غض النظر عن صحة واعتلال ما يتبناه هذا الآخر. ولكن بالمقابل لا يجب أن يكون حرصنا على تجنيب أطفالنا للمعارك الخلافية، ثمنه حزف الدروس التي تتحدث عن التوحيد من المناهج، فهي الضامن لنشوء أجيال ذات عقيدة صحيحة. ونصيحتي أن يتم إيكال وضع المناهج إلى لجنة غير منحازة وغير متحزبة، قوامها أهل العلم والاختصاص حتى لا يصبح علينا صباح فلا نجد سوى أجيال، إما متطرفة لا ترى في الآخر خيراً، او مبتدعة تستلف من خيالها شرعة ومنهاجاً.
الصيحة