منحة البنك الدولي ضاعت

قبل أسبوع كشفت مُتابعات صحيفة ?الانتباهة? أن المحكمة أمرت بحجز خمسة ملايين كتاب مدرسي قادمة عبر ميناء بورتسودان إلى وزارة التربية والتعليم العام طُبعت في (فيتنام) من قبل شركة طباعة فيتنامية اسمها (هانوي)، وهذه الشركة اتفقت مع شركة أخرى اسمها (فاديكس) على ترحيل الكتب إلى السودان، وتوزيعها على جميع الولايات حسب اتفاق تمّ بينهما، وقامت فاديكس بما عليها، حسب الاتفاق على أن تقوم شركة هانوي بسداد قيمة التخليص والترحيل لفاديكس على دفعتين نصف المبلغ مقدماً والنصف الثاني مع ترحيل آخر دفعة إلى الولايات، وهنا أخلت شركة هانوي بالتزامها؛ مما دفع فاديكس إلى اتخاذ إجراءات قانونية؛ ليتم حجز الدفعة الأخيرة بأمر المحكمة، وهي 5 حاويات بها عدد 300 ألف كتاب، كما أوضحت الوزارة التي اتفقت مع هانوي على الترحيل وليس فاديكس، وما يُجدر الإشارة إليه أن الكتب تم ترحيلها في 49 حاوية تحتوي على 5 ملايين كتاب، وصلت كلها إلى السودان، الخلاف بين الشركتين هو الذي جعلنا نسمع بقصة الفساد هذه.
أصل الحكاية أن وزارة التربية والتعليم في إطار مشروع اسمه مشروع تقوية تعليم الأساس قدم لها البنك الدولي منحة قدرها (2 مليون يورو)، وتعاقدت الشركة الفيتنامية على طباعة 5 ملايين كتاب مدرسي على أن تقوم الشركة بكل الإجراءات من طباعة وترحيل إلى السودان، ثم الولايات، لكن الشركة تركت أمر الترحيل لفاديكس، وحسب تحليلي فإنّ مجموعة من مجرمي المؤتمر الوطني قرروا أن يكون لهم نصيب في هذه الـ 2 مليون يورو؛ فجاءوا بشركة هانوي، وشركة فاديكس؛ من أجل (الكوميشن)؛ إذ لا يمكن أن يصدق أحد أن السودان ودول الإقليم ? كلها ? ليست فيها مطابع وشركات ترحيل ليذهب عقل الوزارة إلى فيتنام في آخر الدنيا.
برنامج طباعة الكتب وترحيلها كله تم بمتابعة وزارة التربية والتعليم، ولديها مندوبها المُتابع لإجراءات التخليص والترحيل في بورتسودان، وقد أوضحت شركة فاديكس أنّ المندوب طلب منها مساعدته لإجراء فحص عن طريق مسّاح دولي على الكتب قبل خروجها من الميناء؛ لمعرفة مدى مطابقتها للمواصفات، فأبلغت شركة فاديكس، شركة هانوي بطلب المندوب لأخذ الموافقة، إلاّ أنّ هانوي رفضت، وألزمت فاديكس بترحيل الكتب دون فحصها، ورغم ذلك تم الفحص، وثبت أن الكتب غير مطابقة للمواصفات؛ مما يعني أن جودتها أقل، ولا شك أن هذا (يوفر مبلغاً من المال)؛ مما يعني أن هناك من لعب مع الشركة، وحين اكتشفت الوزارة الخلل نفذت ما ورد في العقد، وهو خصم 400 ألف يورو في حالة الإخلال بالعقد فخصمتها، وسكتت، وهذا المبلغ أعتقد أنه أقل بكثير من (فرق الجودة)، وعليه، الشركة لن تخسر شيئاً، وهناك صاحب مصلحة سيكسب، المهم تم تخليص وترحيل كل الكمية، ولم يتبقَ منها إلا الجزء الأخير؛ حيث رفضت هانوي إكمال مبلغ التخليص، والترحيل لشركة فاديكس، التي اتخذت إجراءات قانونية، وهو السبب الذي كشف لنا قصة الكتب، وقطعاً شركة فاديكس جاء بها أحدهم، وستتحصل على قيمة الترحيل بشكل أو آخر.
السؤال الذي يُطرح هنا لماذا شركة فيتنامية؟، ومنذ متى كانت لفيتنام سمعة في مجال الطباعة؟.. وفيتنام لمن لا يعرفها.. تقع في جنوب شرق آسيا تجاور الصين، وكمبوديا، وتايلاند (هنااااك)- أي أن تكلفة الترحيل- وحدها ? يمكن أن تطبع نفس الكمية في مصر أو لبنان أو سوريا، إن عدم السودان المطابع، بل المبلغ كله 2 مليون يورو يمكن أن يوفر لوزارة التربية والتعليم أجود أنواع المطابع، وأحدثها لتطبع لنفسها، ولكل السودان، والدول المجاورة، لكن هي عقلية المؤتمر الوطني الفاسدة لا تفكر إلاّ فيما يضر هذا الوطن؛ لأن في ضرره ? فقط ? تكمن مصلحتهم ? جميعاً ? لقد ضيعوا منحة البنك الدولي، ولن يُحاسبهم أحدٌ.
التيار