تفاعل الشعراء مع الأعياد فرحاً وحزناً

تفاعل الشعراء مع الأعياد فرحاً وحزناً

شكلت المناسبات الإسلامية مادة خصبة للشعراء منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وتفاوت إحساسهم به قوة وضعفاً، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر عديدة، ومن هذه المناسبات، – إن لم يكن من أهمها- مواسم رمضان، والحج، والعيدين ؛ فهي تتكرر كل عام مع اختلاف الظروف والأحداث التي قد تمر بالشاعر خاصة أو تمر بالأمة الإسلامية عامة، وقد تفاعل الشعراء مع الأعياد تفاعلاً قويًا ظهر في أغراضهم الشعرية.
ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك ساقتني نفسي إلى استجلاء معاني العيد في اللغة العربية الجميلة (حيث التخصص) فوجدتها تستجمع الأفراح ، لكن الحال تأبى إلا بالوقوف على ما قاله بعض الشعراء في العيد من زاوية الأتراح.
وليكن البدء بالتعريف قال الخليل: “والعيد كلُّ يوم مجمع، من عاد يعود إليه. ويقال: بل سُمّي لأنّهم اعتادوه، والياء في العيد أصلها الواو قُلبت لكسرة العين .. وإذا جمعوه قالوا: أعياد، وإذا صغّروه قالوا: عُيَيْد، وتركوه على التغيير، والعيد يذكّّر ويؤنث.”
وقال ابن الأعرابي: “سمّي عيداً لأنّه يعود كلّ سنة بفرح متجدد”
وقال الأزهريّ:”وقد عيَّدوا، أي: شهدوا العيد”.
ذلك‌ أنّ كلمة‌ العيد من‌ عَوَدَ بمعني‌ عاد. وقال‌ في‌ “أقرب‌ الموارد”: العيد: الموسم‌، وكلّ يوم‌ فيه‌ جمع‌، أو تذكار لذي‌ فضل‌، وقيل‌: حادثة‌ مهمّة‌. وقال‌ ابن‌ الأعرابي‌ّ أيضاً: لأنه يعود كلّ سنة‌ بفرح‌ مجدّد.
وورد هذا الكلام‌ أيضاً في‌ “صحاح‌ اللُّغَة‌” و «المِصْباح‌ المنير». وأضاف‌ في‌ “المصباح‌” قوله‌: عَيّدتُ تَعييداً، أي‌: شهدت‌ العيد.
وبعد أن‌ علمنا معني‌ العيد في‌ اللغة‌، ننتقل‌ إلی‌ معناه‌ المصطلَح‌ علیه‌ عند الناس‌،
والعيد في الاصطلاح: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد. عائد: إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع أو الشهر، أو نحو ذلك.
ولطالما الفرح مأخوذًا في معنى العيد، فمن الضروري الوقوف على معناه ودلالته اللغوية كذلك، لأنه قد ورد في القرآن الكريم في مقام الذمّ والباطل، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}، وقوله تعالى: {ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.
وورد في القرآن الكريم كذلك في مقام المدح والحق والرضا، كما في قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، وقوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
فالفرح، الذي يعني الانبساط والانفراج وبهجة القلب ولذّته, يختلف مدحًا وذمًّا باختلاف مقتضياته ودواعيه.
وبعبارة أخرى, معنى الفرح واحد, ولكنّ أفراده ومصاديقه هي التي تختلف باختلاف دوافعها, فيتّصف بالمدح والحق تارة, وبالذم والباطل أخرى، وليس مذمومًا بنفسه، كما ربما يَتوهم بعضهم أنّ الإيمان أو التدين ملازمٌ للعبوس والحزن وأشباه ذلك.
لا..فشكل العيد عند العرب مناسبة يبثون فيها أفراحهم ويطردون أتراحهم، ويمارسون من خلاله إسقاطاتهم، يحدث ذلك على الرغم من أن الحزن هو سمة العرب، فالشاعر العربي يبدأ قصائده بمطلع مأتمي، يقف على الطلل، ويبكي الأحبة،ويشكو سوء الحال والمآل،والمتنبي قبل أكثر من ألف عام أطلق قصيدته الدالية الشهيرة واصفاً حاله بمصر، باثاً أحزانه ومعاناته بعد أن تبخرت كل آماله، نختار منها:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ** بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم ** فليـت دونـك بيـداً دونهـا بيـدُ
لم يترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي ** شَيْئا تُتَيّمُه عَين وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما ** أمْ في كُؤوسِكُمَا هم وَتَسهيدُ
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني ** هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ
وجاءت هذه الأبيات حاملة هموم كل أصحاب المعاناة أو المغتربين خارج الوطن، معبرين فيها عن اشتياقهم للعيد داخل بلادهم ومع أهلهم وأحبتهم، لكن بعد المسافة والارتباط العملي، أو الدراسي حال دون تحقيق ذلك، أو أولئك الذين يمرون بظروف مرضية أو ضائقة مالية ويرون في العيد تجديدا لأحزانهم ومعاناتهم.
وغير بعيد عن ذلك، فإن بعض الرسائل التي يتم تداولها أيام العيد تحمل أبياتا للمعتمد بن عباد حاكم قرطبة قالها يوم العيد وهو في سجن «أغمات» في المغرب بعد أن اكتوى بنار نزاعات حكام الطوائف والصراع بين حكامها ليلقي زعيم الموحدين يوسف بن تاشفين القبض على ابن عباد ويودعه السجن، فيتذكر بناته وهن جائعات عاريات في يوم العيد، فيقول:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ** وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ ** فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً ** في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العــزّ ممتهنٌ ** يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه ** ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَـجٌ ** فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا
أما الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي فيقول في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثيًا حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها:
أقبلت يا عيد والأحزان نائمـة ** على فراشي وطرف الشوق سهران
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي** قلوبنا من صنوف الهمِّ ألـــوان؟
من أين نفرح والأحداث عاصفة ** وللدُّمى مـقـل ترنـو وآذان؟
ثم ينتقل إلى الجرح الذي لم يندمل، والذي يؤرق الأمة الإسلامية ألا وهو جراحات مقدساتها العظيمة التي سلبها عدوّها لما نام عنها راعيها من المسلمين فقال:
من أين والمسجد الأقصى محطمة ** آمالـه وفؤاد القـدس ولهـا؟
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي ** دروبنا جدر قامـت وكثبـان؟

أسعدتم أوقاتاً.

د. محمد آدم عثمان
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..