الماركسية اللينينية والحوجة الملحة للتطوير النظري

الفكر الماركسي اللينيني أو الشيوعي يتكون من ثلاثة محاور وهي (الفلسفة المادية والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية) وقد ظهر في أوروبا نتيجة الاستغلال الإنساني الفظيع لأخيه الإنسان.
فقد ظهر الفكر والفلسفة الماركسية نتيجة لان الألاف من العمال الأوروبيين الذين كانوا يعملون في المصانع والمزارع والمناجم والخدمات كان نتاج عملهم يذهب أغلبه إلى أصحاب هذه المنشأة من الاقطاعين والرأسمالين وينالون هم أي العمال الفتات منه فقد نادت الماركسية بالعادلة في توزيع الثروة. لقد جاءت الشيوعية لمحاربة الاستغلال الواقع على العمال في كل نواحي النشاط الاقتصادي في أوروبا ولتحسين ظروف العمل بشكل شامل للعمال الأوروبيين الذين كانوا يعيشون تحت ظل ظروف مهينة وسيئة للغاية.
لقد جاءت الماركسية لمحاربة الاستعمار الأوربي للشعوب الأخرى واستغلالها اقتصاديا وسياسيا. كما حاربت الشيوعية الاستغلال الكنسي المسيحي للشعوب الأوروبية باسم الدين ورفضت الشيوعية الممارسات السيئة للكنسية المسيحية ولقد حاربت الماركسية الكنيسة في كثير من الممارسات الدينية السيئة لها ومنها إخضاع الشعوب الأوروبية للعمل بأراضيها تحت ظروف سيئة ومقابل الفتات من الرزق تحت معنى الإرضاء الإلاهي عن العبد وحتى ترضى الزعامات الدينية عن أتباعها وقد جاءت الشيوعية لرفض تسلط الحكومات الملكية والدكتاتورية ضد شعوب أوروبا. ولقد نادت الماركسية بدراسة العالم والإنسان بشكل علمي ومعالجة قضاياه بصورة علمية ومعرفية ونادت بتفسير الظواهر والنشاط الإنساني تحت مظلة العلم والمعرفة. لهذا كله ظهر الفكر الماركسي واللينيني لاحقاً في الحياة الفكرية الأوروبية.
ولكن في خضم صراع الفكر الماركسي او الفلسفة المادية ضد أعدائها وقعت في إشكالات نظرية كبيرة رغم منجزاتها الفكرية الرائعة والتي من أهمها المعرفة بالمكون المادي أو الاقتصادي كأساس للحياة الإنسانية ولكن نتيجة لنشأتها لم تعترف النظرية الماركسية بالمكون الأخر للحياة الإنسانية وهو المكون المعرفي. ورغم اهتمامها العظيم بالأخلاق والسلوكيات المجتمعية والترابط و التضامن الاجتماعي ولكن الاعتراف بأن المكون المعرفي أو الفكري هو الطرف الأخر المؤسس للحياة الإنسانية ونظام الادارة العلمية للذات والمجتمع الانساني كان ينقصها. فممارسة قانون الحركة على الحياة الإنسانية هو من أروع إسهامات النظرية الماركسية والذي يدعم رأي تماماً. فقانون الحركة الذي ينتج من طبيعة التضاد في الأشياء مثل حركة الموجب نحو السالب وحركة الليل والنهار وحركة اللون الأبيض مع اللون الأسود وحركة الجسم الفيزيائي ما بين صعود وهبوط وغيرها من مظاهر الحركة المتضادة. فأي شكل في الكون لكي يتحرك يحتاج إلى طرفين متضادين.
وهنا حين نطبق قانون الحركة على حركة ونشاط الحياة الإنسانية نجد الطرفين هم الجانب المادي والجانب الفكري وهما اللذان يصنعان حركة النشاط الإنساني والمرتبطان بنظام اداري للذات الانسانية والمجتمعية.
والسبب في تجاهل الفكر الماركسي للجانب الفكري والجانب الاداري العلمي للانسان هو اهتمام مفكريه بمشاكل الاقتصاد والسياسة في أوروبا والتي فرضت نفسها علي كل تفكيرهم وأيضاً بسبب تمثل الجانب الفكري أو المعنوي في شكل الكنسية المسيحية وممارستها الاستغلالية للبشر فتم رفض الديانات والشكل الفكري لظلم الإنسان. و سبب أخر هو اختلاط المفهوم الفكري للإنسان في الفكر الأوروبي السابق للماركسية بالغيبيات والميتافيزيقيات والخرافات مما أدى إلى تشوه المفهوم والطبيعة الفكرية للإنسان أمام المفكرين الماركسيين مما أدى إلى رفضهم لهذه الأشكال المشوهة للمكون الفكري والمعنوي للحياة الإنسانية. ومن الأسباب أيضا أن العلم والمعرفة بالسلوك الإنساني وطبيعة الجانب الفكري او المعرفي كانت في فترة ظهور الفكر الماركسي في بداياتها فلم يتسنى للمفكرين الماركسيين الاطلاع المعرفي على هذا الجانب . وكل هذه الأسباب قادت إلى عدم وجود البديل العلمي للنشاط الفكري الديني فاكتفت الفلسفة الماركسية برفض الفكر الديني المعنوي ولم تعطي بدائل لهو وهنا كان القصور الفكري الكبير.
فلقد استغل الغرب اليوم هذا الفراغ المعرفي للجانب الفكري والمعنوي في الفكر الماركسي أسوء استغلال من خلال تسخير الفكر الديني واستخدامه من خلال صنع كيانات دينية ذات طابع متعصب وموالي له لمحاربة الفكر والفلسفة الماركسية ولمحاربة التقدم الحضاري للدول العربية والافريقية من خلال زعزعة استقرارها ونهب ثرواتها باسم الدين. فلقد استغل الغرب عدم وجود بديل علمي للمكون المعنوي أو الفكري للنشاط الإنساني في الفكر الماركسي أسوء استغلال. ولهذا كله يجب العمل على تشكيل رؤية وفلسفة علمية معاصرة لطبيعة ودور ومحتوى الجانب المعنوي والفكري للنشاط الإنساني, فلقد تراكمت ثروات معرفية وعلمية ضخمة الأن وهي تهتم وتدرس الجانب الفكري و للحياة الإنسانية والادارة العلمية للذات الانسانية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السلوكية وعلم البرمجة العصبية اللغوية وبعض العلوم القانونية وغيرها من العلوم الأخرى. فهذه العلوم انصب اهتمامها على دراسة المكون الثاني أو الطرف الأخر لقانون حركة الحياة الإنسانية وهو المكون الفكري للبشر وايضا درست الادارة الذاتية العلمية للانسان والادارة المجتمعية له. والان الفكر الماركسي يحتاج إلى إعادة النظر في رؤيته الفكرية ويحتاج إلى إيجاد البديل الفكري للجانب المعنوي أو الفكري وذو الطابع العلمي للإنسان مكان الفكر الديني والعشائري والبدائي المتخلف عن متطلبات هذا العصر.
ولقد اقر الاقتصاد السياسي الماركسي اللينيني على ان العمل البشري يصبح ايضا اجتماعيا بسبب الانتاج الرأسمالي من خلال اندماج الصناعات والعمليات الانتاجية المبعثرة في عملية واحدة او وحده إقتصادية واحدة فالنظام الرأسمالي بذلك يعمل على جمع كل الحرفيين والمزارعين والعمال وغيرهم في تشكيلة اقتصادية اجتماعية موحده ذات تخصيصة. ففي داخلها تتشكل علاقات انتاجية بين كل هذه الفئات وصاحب راس المال الراسمالي والنتيجة المترتبة على ذلك كله هو تحول النظام الراسمالي الى نظام اشتراكي من جراء جعل العمل اجتماعيا حتى يتحول شكل الملكية الخاصة ايضا في الراسمال الى ملكية اشتراكية في النظام الاشتنراكي وهنا يصير الانتاج اجتماعي وملكيته ايضا جماعية. وقانون تطور المجتمع المعاصر هو كما عرفه الفكر الماركسي القانون الاقتصادي لحركة المجتمع والذي يدرس التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية مثل” دراسة التشكيلة الرأسمالية”.
وهذا الفهم الاقتصادي الاجتماعي ذو نظرة أحادية الجانب والتفسير فاذا عرفنا التشكيلة الاقتصادية الرأسمالية على انها تشكيلة اجتماعية اقتصادية فقط نكون قد عرفناها بشكل ناقص فالتشكيلة الانتاجية الرأسمالية هي تشكيلة اجتماعية اقتصادية معرفية ادارية, اي ان الراسمالي حين يمتلك بأمواله المشروع الانتاجي يكون قد أمتلك عمل ومهارة العمال والمزارعين والحرفيين اليدوية والمادية ويكون أيضاً قد إمتلك المعرفة التقنية للعلماء والباحثين والمهندسين والتقنيين ويكون قد امتلك نظام التشغيل الإداري بشقيه التخطيطي والتنفيذي وبالتالي يصبح إستخدام القانون الاقتصادي لحركة المجتمع قانون ناقص الرؤية والصحيح استخدام القانون الاقتصادي والفكري والاداري في تفسير ظاهرة التشكيلة الانتاجية المعنية بالامر, ورد الظاهرة الى المكون المادي فقط امر قاصر تماماً عن تفسيرها, لان هناك جوانب معرفية و إدارية تخص الظاهرة فقانون حركة المجتمع هو يتكون من جانب مادي اقتصادي وجانب فكري معرفي وجانب اداري كنظام تشغيل للجانبان المذكوران سابقاً. ومن يقول ان الجميع عمال فهو مخطئ فالعامل هو ذو طبيعة مهارية فيزيائية وتنفيذية تختلف تماما عن طبيعة الفني او العالم ذو الطبيعة الذهنية والمعرفية او الفكرية وتختلف ايضا عن الاداري الذي يمتلك في داخله الجانبيين الذهني والفكري للتخطيط و المادي للتنفيذ والاشراف.
” مهارة فيزيائية يقابلها معرفة ذهنية او فعل مادي يقابله تصور فكري” يشكلان معا طرفا الحركة المطلوبة مع وجود نظام تشغيل وادارة.
اذن الجانب المادي مرتبط بالمهارات ذات الطبيعة الفيزيائية ومن صفاتها الكفاءة وتغذى بالتدريب المهاري. والجانب الفكري مرتبط بالمعرفة الذهنية ومن صفاتها الطريقة العلمية وتغذى بالتحصيل العلمي والمعرفي. والجانبان يشكلان حركة الحياة الانسانية على مستوى الفرد وبالتالي على مستوى المجتمع ومرتبطان بنظام تشغيل اداري للذات الانسانية والمجتمعية.
وأحد مكونات الفكر الماركسي يحتاج ايضاً الى المراجعة النظرية ونخص بالذكر الاشتراكية العلمية فقد أقرت النظرية الماركسية بأن المجتمع في وضعه المثالي يتكون من طبقة العمال فقط. وفي وضعه الثوري يتكون من طبقة العمال والطبقة المضاد له أي طبقة الرأسمالية وهنا حسب قانون الحركة الاجتماعية يحدث حراك في المجتمع وصراع وثورة بين العمال وطبقة الرأسمالية حتى ينتهي الحال بانتصار العمال و حدوث الاستقرار على هذا الوضع.
في رأي هذا الحديث ليس صحيح تماماً فالمجتمع يتحرك أيضا في الوضع المثالي له من خلال طرفين هم الطرف المادي او ذو المهام المادية وهم العمال والطرف الفكري او ذو المهام المعرفية وهم العلماء والتقنيين والفنيين وهناك طرف ثالث يربط بينهما وهم الاداريين وهم ذو طبيعة مختلطة من الجانبان المادي والفكري اي التخطيطي أو التشريعي والاشرافي والتنفيذي. فقانون حركة المجتمع يتكون من طرف مادي او ذو طبيهة مهارية مادية وطرف فكري او ذو طبيعة معرفية ذهنية وطرف اداري لربط وادارة كلى الطرفين. فالمجتمع ليس ساكن في الوضع المثالي حتى يتكون من طبقة واحدة فقط بل هو متحرك في وضعه المثالي كما هو متحرك في وضعه المغلوط. فالصحيح هو تحالف الطبقة المادية الطابع والتي يكونها العمال والحرفيين والمزارعين مع الطبقة المعرفية الطابع وهم العلماء والتقنيين والفنيين ومع الطبقة التي تربط بين الطبقتين وهي طبقة الإداريين والتشريعين ضد الطبقة الاستغلالية من الرأسماليين وتجار الدين حتى يحلوا مكانها كفئات تؤمن بالعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة على المجتمع والمتصفين بالحرية والديمقراطية.
فأنا هنا في هذا المقال أدعو إلى السعي لتطوير الفهم والفكر الماركسي والينيني وعدم التحجر في الماضي وتقدسيه فهو نتاج بشري قابل للتطوير والمراجعة وهذا ما اقره اصحابه تماما في كل مراحل نضالهم وكفاحهم ضد الفكر الانساني الديني ذو الطابع القدسي . والى سد الثغرات امام اعداء الانسانية فكريا ومنهجيا حتى يعود التوازن الفكري للحياة الفكرية مما يؤدي ذلك الى النهوض والتطور الحضاري للشعوب من خلال ارتباط الجميع بمرحلة التجديد والتطور الفكرية القادمة.
بقلم الكاتب: ‏معاذ عمر حمور‏ ‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اتمني ان تعيد قراءة الماركسية مرة اخري وتعيد التسمية فيما يختص الاشتراكية العلمية واضح في تتاخل شديد في ترتيب المفاهيم

  2. اتمني ان تعيد قراءة الماركسية مرة اخري وتعيد التسمية فيما يختص الاشتراكية العلمية واضح في تتاخل شديد في ترتيب المفاهيم

  3. مقال رصين ولا توجد عليه أي ملاحظات، خلا أن كلمة حوجة عامية والمفردة الفصيحة هي حاجة. تحياتي

  4. مقال رصين ولا توجد عليه أي ملاحظات، خلا أن كلمة حوجة عامية والمفردة الفصيحة هي حاجة. تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..