معراج سيدي الرئيس: ضياع الفشقة (ا)

صاح خليفة بعشوم في وجه جلال بوش في اجتماع نادي البوص الشهير: ساذهب لاقاتل الاحباش وحيدا منفردا سانتصر او اموت.. نحن الان اشبه بحالة غزوات الرجل الابيض لارض الهنود الحمر .. الاحباش هم الرجل الابيض الذي يريد انتزاع اراضينا بقسوة وجبروت.. انا سوف اكون مثل المحارب الهندي الاحمر تاتانكا لوتاك..انا لا اثق في الاحباش ولا اثق في وعود السيد الرئيس.. لن اترك ارضي لياخذها الحبشي نوقوسي كمانت..
ثم استل سيف ورفعه عاليا حتى يراه فرد من المخابرات مختبيء بين الجموع ..
بعد اكثر من عشر سنوات من استلامه لرسالة مجيد الورتابي التى ارسلها اليه من مدينة الحديد والنار يبشره فيها بقيام (المدينة الفاضلة).. هاتف خليفة بعشوم صديقه الحبشي كداني كرانكيل..
– كداني ارجوا ان تمهلني عشر دقائق.. سوف آتيك في المتمة في حي (قُندر بَر) كما اتفقنا.. الان لدى السيد الرئيس خطاب مهم على شاشة التلفزيون عن تدهور العملة..
– شقر يلم..
قالها كداني كرانكيل بالامهرنجة وتعني: ليست هنالك مشكلة..
الحشود الصاخبة في بلدة القلابات تنتظر خطاب السيد الرئيس بفارغ الصبر.. وجموع اخرى انضمت اليهم جاءت من قرى الفشقة المجاورة من شنقال وعطرب وكنينا البير وكنينا تبلدية وام خراييت وباسنقا.. اخذوا اماكنهم امام شاشات التلفزيون داخل النوادي المبعثرة في السوق.. كان يحزنهم ترنح الجنية الضعيف امام البر الحبشي.. فمعشيتهم وسبل حياتهم تعتمدان على قيمة الجنيه امام البر الحبشي ..
وفي الناحية الاخري من الحدود تطل بلدة المتمة الحبشية اكثر ارتفاعا وضوضاءا وضبابا.. بجميع احياءها المتعرجة الدروب خاصة حي (جنقرة) الذي يرتاده الغبش والحبش من رواد المتعة..
اطل السيد الرئيس عبر التلفزيون وهو يضع يده على كتفه ضاغطا على صقر (الاسبليطة) المغلوب على امره.. وجوار يجلس الرجل القصير حسان حسان وخلفهما صورة كبيرة تاريخية مكتوب تحتها الفرعون سينبكاي.. صاح السيد الرئيس بصوت عال كأنه يدعوا لنفير: أيها السادة لن أطيل عليكم.. الجنيه (مكنوبٌ مكنوبٌ ياولدي منكوب).. لكننا سنؤمن له نزولا هادئا بباراشوت ترشيد الواردات.. كما سنؤمن له صعودا هاديا ب(عفريتة) الصادرات.. فالعفريتة التى ترفع (البوكس) هي ذات العفريتة التى ترفع (القندران) هي ذات العفريتة التى ترفع الجنيه ..
كانت ثلة من الصائحين المأجورين وجوقة من الهيفة المأمورين يصرخون عاليا بحياة السيد الرئيس وبحياة الصقر الجاثم على الاسبليطة وبحياة العفريتة والبرشوت وبحياة الفرعون سينبكاي..
ترك خليفة بعشوم السيد الرئيس يرغي ويزبد وقال متحسرا: هذا حديث فاتر يحتاج لترجمان..
توجه ناحية مدينة المتمة الجاثمة على الضفة الاخرى من الحدود حيث عبق الشورو.. بينما هو يعبر الكوبرى الفاصل بين الغبش والحبش قابلته قدست اديسو سالته عن اخبار الراعي طرفة سعيد الذي خطفته عصابة الشفتة من بيئر الجيش.. افادها انه لا يعلم اي شيء عن اختطافه وانه مشغول بالعفريتة التي قال عنها السيد الرئيس سترفع (البوكس) و(القندران) والجنيه ..
قطع خليفة بعشوم الطريق الرئيسي الفاصل بين جنوب المتمة وشمالها ويحتشد سمعه بموسيقي مكديس ابابا الواردة من بار التجقراوي رسوم علماية .. على حافة الشارع قابل عمدة القلابات الشيخ خريف.. داعبه خليفة بعشوم قائلا : اتيت لتوك من جنقرة ..أليس كذلك؟..
نفى العمدة بشدة دخوله لحى جنقرة معقل الفساد الاكبر.. ونقطة تجمع (شفاتة) الجريمة.. بحسبان انه الممثل السامي للسيد الرئيس الذي رفع شعار دولة الله في الارض .. فجنقرة حي فسق لا يحق لاتباع الرئيس التواجد فيه..
– سيدي العمدة اليوم اكلت عشرة رغيفات.. اما ان كرشي كبرت اما ان الرغيف صغر.. يجب ان تحل هذه المشكلة..
– ليس الرغيف صغر حجمه انما منعنا استعمال بروميد البوتاسيوم ..بروميد البوتاسيوم هو الي يجعل حجم الرغيفة اكبر..
استأذن العمدة من خليفة بعشوم بحجة انه يستعجل حضور خطاب السيد الرئيس الظافر..
انعطف خليفة بعشوم يمينا الى زقاق ضيق تقوم على جانبيه شجيرات الجاتروفا وتوجه مباشرة صوب شجرة (بحرزاب) عالية تجثم وحيدة في صحن الدار.. طرق الباب الواهن المصنوع من المهوقني ودخل.. القى السلام على كداني كرانكيل اما زوجتة فخفًت الى المطبخ لعمل القهوة..
من سخريات القدر ان كداني كرانكيل كان يجلس امام التلفاز وهو يسمع خطاب السيد الرئيس وكان على اواخره .. صاح السيد الرئيس كالغريق الذي يرجو النجاة فجحظت عيناه وصدرت غرغرة من حلقه تشبه زفير الموتى: نحن لا نريد الشعراء ان يصوتوا لنا في الانتخابات القادمة.. الشعراء (ما ناس دواس).. (الشعراء لايرتكبون جريمة قتل أبدا) هكذا قال فلاديمير نابوكوف..
الهيفة يصيحون( فلاديمير نابوكوف..ريسنا.. ما منو خوف) .. كانت كاميرا التلفزيون تسلط الضوء على صورة الفرعون سينبكاي..
هب خليفة بعشوم ناحية التلفزيون واغلقه وصاح :خطاب الرئيس هـذا يرفع ضغطي أكثر.. اليوم جميع أهلكم في المتمة يستمعون للخطاب بانتشاء وسعادة.. اليوم ستسخرون منا..
كانت قهقهات زوجة كداني تصله تباعا وقالت : انتم الغبش اسعد ناس لديكم اظرف رئيس في القارة وانتم ناقمون لماذا..
جاءت ووضعت القهوة ثم انصرفت لحال سبيلها..
تنحنح كداني ثم تكلم بجدية: اسمع كلامي جيدا يا صديقي.. علمت قبل ساعات ان كل من عصابة يوهانس مسفن وعصابة نوقوسي كمانت غدا سوف يغيرون على اراضيكم .. نوقسي كمانت سوف ياخذ الاراضي جنوب القلابات حتى شنقال اما يوهانس مسفن وجماعته سوف ياخذون الاراضي شمال قلابات حتى بلاشورا.. اي ان ارضك ستكون من نصيب نوقوسي كمانت.. قلت احذرك وانت صديقي الذي اعرفه قبل 30 سنة من زمن جزيرة الفيل ايام الجنقو الاولى.. ماذا ستفعل.. هل ستشكي للشرطة؟..
ضحك خليفة بعشوم بسخرية : اي حكومة ساشتكي لها.. حكومة سيدي الرئيس تخاف من الاحباش مثل خوفها من اليانكي.. قبل قليل قالت قدست اديسو… ان الراعي طرفة سعيد خطفته عصابة الشفتة جوار ماء الجيش.. لم يخطفوه في جبال بنداقي او جبال باسنقا او انما خطفوه من جوار معسكر الجيش..
والحكومة كالعادة لا تحرك ساكنا.. كم من اراضي اغتصبت والحكومة صامتة صمت القبور.. جميع الاهالي اصبحوا لا يعولون على السيد الرئيس في حماية اراضيهم.. السيد الرئيس همه الاوحد حماية كرسيه فقط..
قام خليفة بعشوم مودعا صديقه كداني كرانكيل وشكره على النصيحة الغالية.. كما طلب كداني من خليفة بعشوم تحذير جلال بوش من مغبه مداهمة ارضه من قبل يوهانس مسفن..
– انا وادم جلال بوش لا احد يجرؤء على المساس بارضنا..
عاد خليفة بعشوم بنفس الطريق الي سلكه من قبل حيث راي شاحنات اقليم امهرا تقف في خط مستقيم.. واحدة تلو الاخرى متجهة صوب بلاد الغبش.. في انتظار انهاء اجراءات التخليص..
كان الاحباش يقفون على حواف شارع الزلط الذي يفصل المتمة لقسمين وما ان رأوا خليفة بعشوم حتى صاحوا : عفريتة عفريتة..
كان خليفة بعشوم ناقما وهو يقول في سره : الرئيس يأكل الحصرم والغبش يضرسون..
عبر كوبري الحدودي ودخل قلابات ..اتجه صوب منزل جلال بوش ليبلغه تحذير كداني كرانكيل .. صادف ان لاقى العمدة خريف ثانية .. كان يمسك بلافتة مكتوب عليها شارع فلاديمير نابوكوف يلقي الاوامر على احد مرؤوسيه بخصوص وضع اللوحة على شارع المدبر.. الشارع الاكثر حركة وحيوية في بلدة قلابات..
– من هذا الفلادمير نابوكوف وما صلته بنيكولاي كورساكوف..
– السيد الرئيس الظافر والفرعون سينبكاي يعرفان كل شيء اما انا فلا..
– يفترض بالسيد الرئيس يزوجك انت بالملكة اليزابيت الثانية بدلا عن نصر الدين الغايب (بتاع خلوها مستورة)..
حاول العمدة ان يغير مجرى الحديث قال: سمعت ان الاحباش سيغيرون لاخذ مزيد من الاراضي.. ما الحل في رأيك؟
– انت الممثل السامي للسيد الرئيس .. الحل يكمن في دهاليز دماغك.. كل سنة الاحباش ياخدون اكثر من 5 الاف فدان من اراضي الفشقة .. وانتم كحكومة صامتون ..
– نحن الان لا نريد ان نغضب الاحباش انت تدرى ان لدينا جبهات مفتوحه مع دول عديدة.. دعني احل لك مشكلة الرغيف اولا.. ألم تقل لي انك تاكل عشر رغيفات في الوجبة الواحدة..
– حل مشكلة الارض اولا.. الارض هى التى تنجب الرغيف..
ثم استدرك خليفة بعشوم وقال وهو يخاطب العمدة: دع الارض جانبا (انا رب ارضي وللفشقة رب يحميها).. حل مشكلة الرغيف صرت اتناول عشرة رغيفات في الوجبة الواحدة.. هل توجد في بطني دودة شريطية مثلا مثلا..
– طبعا بروميد البوتاسيوم موجود في الحبشة ومسموح به.. اريدك تشتري ربع اوقية..
– حكومة السيد الريس تمنع هنا بروميد البوتاسيوم لكنها تبيح القتل وسفك الدماء في الولايات البلاد البعيدة ..
لم يكترث العمدة شيخ خريف لكلام خليفة بعشوم الاخير وقال وهو يضع الحل الناجع لحل مشكلة الرغيف الصغير: عزيزي عند كل وجبة استهلك رغيفة واحدة فقط وسف بعدها قليل من بروميد البوتاسيوم .. عندها ستنتفخ الرغيفة داخل بطنك ولن تشعر بالجوع ثانية..
ترك خليفة بعشوم العمدة كما ترك مشاهدة خطاب السيد الرئيس سابقا وهو يقول ساخر: انتم رجال ثورة (الهوت دوق) لن نجد منكم سوى المرح كما قالت زوجة كداني كرانكيل.. انت ايضا سيدي العمدة تحتاج لعفريتة من اجل رفع مستوى ذكاءك الضحل..
النذير زيدان
[email][email protected][/email]