مقالات سياسية

ثقافة العنف

رف عن الشعب السوداني أنه متسامح ومسالم وأمين ، وهذه الصفات جعلته مميزا وطيب السمعة في عالميه العربي والإفريقي ، وهو سلوك لم يأتِ من فراغ بل لأن السودان عاش في ظل حضارات جعلت إنسانه أكثر تحضرا في سلوكه وأخلاقه من إنسان عالمه هذا ، ولكنه انحدر بعد وصول المؤتمر الوطني لكرسي السلطة والذي استخدم معه الكثير من الأساليب ليبقيه تحت سيطرته ، ومنها توطين العنف حتى أصبح الشعب السوداني يعاني من نفسه نتيجه سلوكه العنيف هذا، وكثيرة هي المصائب التى حلّت عليه بسبب العنف ،فقد اصبح كل شييء يبدأ بالعنف وينتهي بالعنف ابتداء من النقاش العادي وفي أمور بسيطة مرورا بالجرائم وحتى الصراعات الطاحنة ، فمن يصدق أن السودان كله أصبح ليس به مواطن حليم أو مسالم يصبر على أذى الاخر ، وإن وجد فيسمى عبيطا ، من يصدق ان هذا الشعب (الكان) طيب أصبح يقتل بعضه يوم عرفة ويوم العيد وفي رمضان وكل الأشهر الحرم وفي كل مناسبة ..، ذلك فصل من فصول 28 سنة تحت حكم المؤتمر الوطني .

عندما سطت الانقاذ على السلطة صادفت حرب الجنوب في أوج عظمتها ففضلت الحل العسكرى وأعلنت الجهاد و جيشت الشعب قسرا أو طوعا أو خداعا ، وبعد طول حرب انفصل الجنوب بعد أن أخذ الغالي والنفيس و خلف وراءه جيوشا ممن غذَّتهم نفسيا بالعنف ، بعدها مباشرة دارت الحرب في دارفور فتواصلت نفس الرحلة ، في هذه الفترة كان هناك أطفال صغار وجدتهم الإنقاذ في نعومة أظافرهم وولد آخرون وفي ظلها نشأوا جميعا في مجتمع كله حروب وصراعات تحكمه حكومة عسكرية معقده وعنيده وعنيفة ، العنف يظهر في سلوكها وخطابها وإعلامها وعلاقتها بالمواطن ، حتى المنهج المدرسي شوهته بشىء من ثقافة العنف وجعلت زيّ المدارس يشبه الزي العسكرى، ثم جاءت بفكرة عزة السودان وعسكرت الطلاب القادمين إلى الجامعات من أجل فلسفة عقيمة لا تولد إلا العنف، وها هى الآن تحصد زرعها عنفا لا تهدأ منه الجامعات ، ولم يكن أسلوب المسؤولين العنيف إلا نوعا من التمادي في تمكين ثقافة العنف فهم يعلمون أن الشعوب تمضي على دين ملوكها .

لم يكتفِ المؤتمر الوطني بذلك بل صنع ظروفا اجتماعية واقتصادية ولدت جيوشا من الفقراء والعاطلين والجهلاء والمرضى ، ومعلوم أن مثل هذه الظروف تؤدى إلى تفشي العنف لأن الانسان حين يفقد احتياجاته الأساسية يظل يبحث عنها وعندما لا يجدها بسلام يلجأ للعنف ، وهو ما يفسر ظاهرة انتشار الجريمة التي تسعى الشرطة لمكافحتها بالقوة دون أن تنجح ، هكذا جعلت الإنقاذ العنف يسري في حياة الناس كما تسري النار في الهشيم حتى أصبح المواطن السوداني الذى كان يتنازل لأخيه عن أغلى شيء يقتله من أجل جنيه واحد، بل الموضوع ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أصبحت ألفاظ العنف حاضرة في كل حديث مهما كان ودودا .

المجتمع السوداني اليوم في حاجة ماسة إلى أن يتغير تجاه بعضه ، وهو ما لن تقوم به الحكومة لأنها تريده مشغولا بنفسه وبأوجاعه ومآسيه حتى لا يثور عليها ، وليس هناك طريق للخلاص من ثقافة العنف هذه إلا أن يسعى المواطنون بأنفسهم نحو إعادة بعث الثقافة القديمة المضادة.. ثقافة السلام التى زالت موجودة في دواخل الناس ولكنها تحتاج إلى أن تخرج لتصبح سلوكا، و اعلموا ان المؤتمر الوطني يقويه سلوك المجتمع حين ينحرف ويفقد الإلفة والمحبة والسلام والتواصل .
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..