مقالات سياسية

الاندماج الوطني .. طريق نحو الوحدة والتسامح السياسي..

الاندماج الوطني .. طريق نحو الوحدة والتسامح السياسي..

✍ كثرت في الآونة الأخيرة الأحزاب السياسية بصورة ملفتة للنظر، واصبح تسجيل الأحزاب الجديدة من السهولة بمكان، بصورة تكاد تكون أسهل من تسجيل شريحة اتصال، أو تسجيل قطعة أرض في منطقة ما، وربما تتعدد الأسباب في ذلك ما بين إضعاف النظام الحاكم لهذه الأحزاب بإستغلاله لضعف الكوادر وقلة تمرسها السياسي وما بين حرص النظام على توسيع المشاركة السياسية لأكبر مدى ممكن، إرضاءاً منه لكل القوى السياسية والقواعد والادارات الأهلية، في اختيار ممثليها بالصورة التي ينشدونها ويرغبون فيها.
✍ ومن الأخطاء التي وقعت فيها الأحزاب الكبرى الانقسامات والتيارات المختلفة التي تفرعت اليها، دون أية أسباب مقنعة، كما حدث لدى الاتحادي الديمقراطي الذي أصبح يتأرجح مابين الاتحادي الأصل والاتحادي الفرع، وحزب الأمة القومي الذي انقسم ما بين مؤيد لمبارك الفاضل وتيار الاصلاح ومابين مؤيد لقيادة الامام الصادق المهدي ، وكذلك حزب مؤتمر البجا مابين جناح موسى وما بين حزب مؤتمر البجا القومي بقيادة شيبا ضرار، وغيرها من أحزاب تفرعت وتمايزت صفوفها، ومن الخطأ الشائع هو ظن معظم المتابعين أن النظام الحاكم هو من تسبب في تقسيم الأحزاب بهذه الكيفية التي أضعفتها وجعلت منها لا حول لها ولا قوة، ولعمري أي حزب هذا الذي يسهُل تفكيكه بسبب أغراءات من أطراف خارجية، وكيف لحزب كهذا يسهُل اختراقه وتفريق قادة تنظيمه أن يصمد ليعلن عن نفسه بقوة وجدارة واستحقاق بأنه الأحق والأجدر لقيادة دفة الحكم في هذا الوطن.
✍ ان الضعف الذي تعيشه جميع الأحزاب السياسية وانقساماتها وتفرقها وعدم وحدتها، لدرجة أن يتم إعلان عدة أحزاب من حزب واحد، هو ضعف ناتج عن ضعف امكانيات ومعطيات شخصية لكوادر الحزب كما هو نتيجة كاملة لغياب الأهلية والمنهجية والنزاهة في القيادات الحزبية التي أصبح تغيير وجهتها من جهة لأخرى من السهولة بمكان، وأصبحت القوة المالية هي المحرك الأساسي لنشاط وتقوية أي نظام حزبي بل وحتي تغيير مكتسباته ومخرجاته.
✍ ضعفت معظم الأحزاب وجبنت سياسياً من مقارعة الحزب الحاكم وتوجيه دفة القيادة فيه عبر معارضة هادفة وناقدة وناصحة نصحاً قوياً صادحاً بالحق ومغرداً به، بسبب أن معظمها لم يكن مخلصاً ونزيهاً في معارضته، التي كانت مبنية فقط من أجل نيل المنصب ومسك زمام السلطة، لذا جاءت معظم مبادراتها مبنية على هذه الأهداف، فلو كانت غاية اهتماماتها الإصلاح الإداري والتطوير المؤسسي والتقويم المنهجي الفكري، لكان جلّ تركيزها منصباً على الخطط والبرامج التنموية أكثر من توزيع الحقب الوزارية.
✍ الوطن يعاني من تعدد هذه الأحزاب السياسية والتي أصبحت أكثر خطراً ومهدداً لوحدة البلاد، وذلك بسبب تركيزها علي قضايا مناطقها الخاصة وانسانها دون النظر لقومية الحزب وتنوعه القبلي والثقافي الذي يجعله مؤهلاً لأن يمارس نشاطه السياسي في أي ولاية من ولايات الوطن وفي أي منطقة دون التقيّد بقومية أو منطقة معينة.
✍ فليفسح الحزب الحاكم المجال للجميع فالوطن ليس اقطاعية خاصة بأفراده، لينتقل المسؤول منهم قرابة ال20عاما مابين وزارة لوزارة اخرى أو من والي ولاية لولاية أخرى، والرسالة التي نوجهها لأهلنا في دارفور وفي شرق السودان، أننا نحتاج لأحزاب دارفور ونشاطاتها السياسية في شرق السودان وفي شمال السودان، نحتاج لقيادات البجا وممثليها بكل نشاطاتها السياسية والاجتماعية بغرب السودان وبشماله وبجنوب كردفان وبغيرها من مناطق السودان، هذا ما يحتاجه الوطن حالياً اندماجاً سياسياً يعبّر عن وحدة الصف وعن التنوع القبلي، وعن طرد الجهوية والقبلية لغير رجعة.
✍ الاندماج الوطني الذي نحتاجه هو اندماجاً يحكي عن وحدة أكثر من 500 قبيلة سودانية تتعايش سلمياً وتتسامح سياسياً دون دونية ودون قبلية، وتمارس نشاطاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمرتكزات علمية مؤسسية دون خوف من لونٍ قبلي أو سياسي، نحتاج اندماجاً سياسياً تتسع فيه رقعة المشاركة الحياتية في أبهى صورها الإجتماعية، وتختفي فيه الإحساس بالعنصرية التي أصبح يهدد بها البعض وهو يؤمن تماماً بانقراضها في معظم دول العالم.
✍ هذه الأحزاب السياسية المشاركة والمعارضة لو تجاهلت وغضت الطرف من أجل مصلحة الوطن عن كافة الأخطاء السياسية السابقة والتي قصمت ظهر هذا البلد، ولو اختلطت واندمجت سياسياً في أروع صور التحالف الوطني مع تركها للمصالح الفردية واللهث خلف المناصب الوزارية وقيادة ادارات المؤسسات، لجعلت من السودان وحدة ستكون نموذجاً مثالياً لكل بلدان العالم، فالشعب السوداني هو الوحيد القادر على الاندماج والتعايش السلمي والتسامح الوطني، ولكن للأسف تغلب أطماع السياسيين على مصلحة الوطن.
✍ أخيرا.. بكل ما يحمله الحوار الوطني من انعكاسات سالبة وتوزيع (كيكة) أسفرت عن قطع غير مهضومة للكثيرين، لكن ستبقي العظة، في أننا كسودانيين جلسنا على طاولة الاتفاق، وجلوسنا هذا خير دليل على امكانية اندماجنا ووحدتنا، فالحوار الوطني لم يفشل كفكرة ومجهود بل فشل كمخرجات وتوزيع حقب وزارية أتت بنسخ متكررة، لم تستطع حتى اقناع نفسها بأهليتها في التطوير والتحديث.
✍ مانحتاجه من النظام الحاكم حالياً العدالة فقط حتى ترجع ثقة الشعب فيه، فبالعدالة وانزال القوانين أرض الواقع ومساواة الجميع أمامها، وترك المحسوبية والطبقية، ومحاربة الفساد، ستكون بلادنا بألف خير في ظل أي نظام يحكمها.
✍ قال تعالي (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تهتدون(103)-آل عمران.

✍ علي بابا
6-9-2017م
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..