مقالات سياسية

أبناء الفوضى سيكولوجيا العنف

الرأى اليوم

أبناء الفوضى سيكولوجيا العنف

🔹لقد درجت قبل كتابة عمودى الرأى اليوم ، أن أضع خريطة للموضوعات التى يجب مناقشتها وطرحها ، وبناء عليه أقوم بالإطلاع اللازم لتوثيق المعلومات وتأكيد مصادرها ، ومن ثم الكتابة العامة للموضوع وطرحه، هذه المرة فقد إستغرقنى العنوان ، وتُهت بين المراجع لصعوبة تلخيصها فى عمود رأى

🔹لذلك سوف أشير للمراجع للراغبين التعمق فى الموضوع و إغناءه بالبحث المطول بدل رؤوس الأقلام االمشار إليها أدناه ، المراجع تشمل كتاب سيكلوجية العنف للمؤلف كولن ويلسون ، وكتاب تاريخ الجنون مايكل فاوكولت ، وكتاب كيفية تجاوز العقائد المدمرة لألبرت إيليس ، وقد إعتمدت كذلك على الفيلم الوثائقى للعنف البشري الذى أنتجته قناة البى بى سي فى عام 2004 على ضوء ما حدث من تطهير عرقى فى دولة رواندا ، وعلى الفيلم الوثائقى للعنف وسط العصابات خاصة راكبى الدراجات فى الولايات المتحدة Bikiesوقد إستلفت منها العنوان أبناء الفوضى Sons of anarchy محور الفيلم لصبى تربى لأبوين ينتمون للعصابات ويعيشون خارج القانون من تجارة مخدرات وسلاح والتعامل مع كل الممنوعات والمحرمات بطبيعية وضمير مستريح بإعتباره الحياة التى نشأ له.

🔹سنحصر العمود فى العنف الجماعى و عنف الدولة ، فقد عرف التاريخ من الشخصيات الدموية كالوقا وداركولا وجنكيز خان والإكسندر المكدونى يوليوس قيصر وهانيبال فى التاريخ القديم ، وفى التاريخ الحديث عرف ستالين وموسولينى وهتلر ، فقد ذكر كولن ويلسون أن العنف لايرتبط بالشر فقط ، معظم العنف يقوم على نوايا حسنه سماها ألبرت أيليس العقائد المدمرة هتلر كنموذج لم يقتل اليهود فقط بل قتل الآلاف من المعاقين وكبار السن وبعض الأطفال، للوصول للإنسان الكامل النقى القادر على الإبداع و الإنتاج فى مناخ من التجانس و الإنسجام.

🔹كيف يبدأ العنف الجماعى فى أى مجتمع ؟وإلى أين ينتهى؟ هذا ما ساقوم بتلخيصه فى الخمسة خطوات التالية ، وهى تشكل نمطية عامة سياق للعنف الجماعى عبر العصور التاريخية للحياة البشرية ، فهى آلية مترابطة تسير فى
تسلسل من البداية إلى النهاية

♦يبدأ العنف بالفرز نحن وهم ، وهنا يتم الحشد النظرى للفروق والتميزات
و الإنحيازات ، من حيث اللون ، الجهة ، العرق ، الإثنية ،الدين ،فقد بدأت هذه الخطوة واضحة فى حرب الجنوب ، حيث صنف النظام أن قتلاه فى الجنة وبالتالى القتلى من خصومه فى النار ، هذا يعنى أن الله بجانبه والخِصم لا رب له،أذكر نكته قالها العم المرحوم لوال دينق، لماذا يرسلون المجاهدين للجنوب ؟ هل يعتقدون أن الجنة فى يوغندا ؟ يجب أن يتجهوا شرقاً نحو مكة وتطور ذات الخطاب ليشمل الجنوب الجديد ودارفور ، حيث تطور الفرز الدينى ليشمل الفرز العرقى والجهوى القائم على الدم واللون عرب وزرقة
وحديث الغرباوية .

♦الخطوة الثانية طاعة الأوامر ، هذه الخطوة هامة من حيث التنفيذ ، فقد وجدت كل لجان التحقيق ، أن الجناة يعتمدون على أنهم ينفذون الأوامر، فقد تناول ألبرت إيليس طاعة الأوامر فى نظرية سماها نظرية الإغلاق، وهى إغلاق الضمير الإنسانى الطبيعى الذى يرفض العنف ،ويقدس الحياة والتحول لآلة تنفذ الأوامر ، فقد تناول موضوع طاعة الأوامر فيلم إذاعة البى بى سي الوثائقى ، بتجربة عملية ، بص للركاب ، به بعض الناس جلوس ومعظم الكراسي فارغة ، يأتى شخص وبجانبه رجل بوليس ، ويتحدث الشخص مع الراكب ويطلب منه النهوض والجلوس فى مقعد آخر ، فقد وجدت التجربة أن نسبة الطاعة للأوامر فى حضور شكل للسلطة يبلغ 100% دون أدنى إحتجاج أو سؤال لماذا؟ففى السودان قد ساد خطاب مهين للطرف الآخر وسلطة تطالب بأن يُضرب الخصم ويقتل (رشوا قشوا ما تجيبوا حى )، خير مثال لإطاعة الأوامر فى الفيلم كان مذبحة نانجينغ الصينية فى الحرب العالمية الثانية ، ومذبحة قام بها الجنود الألمان فى فرنسا ، يذكر كولن ويلسون أن طاعة الأوامر لايجب أن تكون مبرر لإرتكاب مخالفات ضد القانون الإنسانى ، ويجب أن لا تكون خط دفاع للجناة أمام أى محكمة للقانون مهما كانت النصوص الحمائية فى القانون أو الدستور.

♦الخطوة الثالثة لسيكولوجية العنف ، هى ألحق الأذى و اقضى على الخطر لأن العدو إن لم تقضى عليه سيقضى عليك ، وهنا فى حالة الإغلاق للضمير
والتعبئة بالدونية للعدو من مثال وصفه بالحشرة، أوالعميل والمرتزق ، يصبح القضاء عليه عمل وطنى ومقدس من أجل الأمة ، لذلك يقتل أبناء الفوضى ويعذبون خصومهم بضمير مستريح لا يشعر بالتأنيب ، وبعد إنتهاء المهمة يعود لمنزله ويجلس ليداعب زوجته و أطفاله ويشهر حبه لهم ، لأن الخصم فى لحظة التنفيذ لايعتبر إنسان إنما حشره أو خطر يجب إزالته، وهذا الدور تقوم به الرسالة السياسية والإعلامية المصاحبة للعنف الجماعى.

♦الخطوة الرابعة لسيكولوجية العنف هى ، إلتزم مع الجماعة أو تنحى و الزم الصمت ، لقد ذكر كولن ويلسون أن طاعة الأوامر و إغلاق الضمير وسط الجماعة الإجرامية ،لايتم بمستوى موحد ، فهناك وسط المجرمون من لا يزال ضميره مستيقظ ، ويحتفظ بمعايير للخطأ والصواب ، فهؤلائى يبدأون بالهمس وسط الجماعة المجرمة، ما تقومون به خطأ ، لكن سرعان ما يتم قمعهم من القيادة بخطاب صارم ، التولى لحظة الزحف ، نفذ و ألتزم أو تنحى و أصمت ، لذلك معظم المجموعات الإجرامية تتسرب المعلومات عن جرائمهم من خلافاتهم الداخلية ، والتى غالباً ما تصحابها إنقسامات وتصدعات داوية ، فقد اشار مايكل فاوكولت أن هناك أدوار غاية فى القذارة وسط المجموعة الإجرامية ، مما يستدعى القيادة تجنيد عدد من المنبتين إجتماعياً ذوى العاهات النفسية والنشئة غير السوية تجنيدهم للقيام بها ، من شاكلة العنف الجنسي ضد النساء والرجال ، والتعذيب المفضى للعاهات الدائمة فالمنبت يحلم دائماً بالسيطرة على من كان يرى أنهم أفضل منه، لأسباب غير واضحة له .

♦الخطوة الخامسة والأخيرة ، هى وقوع الإبادة الجماعية الكاملة لمجموعة سكانية ، بسبب العرق أو الدين أو الإثنية أو الجهة ، يقول كولن ويلسون هذه الخطوات الخمسة ،إذا تعرض لها أى مجتمع مهما كان وعيه ومستوى تماسكه أ ديانته مع ظروف مساعدة سيتحول لمجتمع إجرامى ، يقتل فيه الجار جاره والصديق صديقه ، ويشارك فى الفوضى مثقفون ومتعلمون حين إشتدادها وتتحول المعارك لمعارك بقاء ووجود بي المتساكنين ، كما حدث فى البوسنة والهرسك ورواند ، وكما حدث عندنا فى دارفور .

🔹الختامة نحن الآن كمجتمع ونظام سياسيى مازلنا ندعم الخطر الذى يتمدد بيننا من إستسهال للعنف والقتل على الهوية والإختلاف فى الدين أو العرق أو الإثنية
حتى يمكن أن يصل القتل لمستوى اللذة والمتعة الفردية والتسلية كما هو فى مسلسل الجريمة ديكستر

🔹إنتشار العنف وسط الطلاب لابد من التعمق فى بحثه ووضع الخطط لمعالجته، فهو عرض لمرض خطير ، لازم المجتمع بفعل الحروب الأهلية التى عمت كل أطراف البلاد ، مع وجود نظام قابض أداته القوة والعنف السياسي، من أجل الحفاظ على السلطة ، هذا الواقع إذا لم تتم معالجته بحكمة ، سينتهى لحرب أهلية شاملة ، حرب الكل ضد الكل تختفى فيها الدولة وتتحول لمليشيا فى مواجهة مليشيات أخرى
السودان اليوم يعيش مشروع فتنة كبرى تجعل وجوده فى خطر حقيقى
أخشي أن نقول كان لنا وطن إسمه السودان

صلاح جلال

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..