صورة مقلوبة..!

في الانقاذ ــ وحدها ــ وليست في غيرها، يَصفع الطالب أستاذه “كفاً”. فتتم ترقيته تنظيمياً، ويُصعَّد تنفيذياً ويستوزر..!

وفي الانقاذ ــ وحدها أيضاً ــ تعتدي مجموعة من الطلاب، على أستاذ جامعي، ويبرحونه ضرباً وشتماً، ثم من بعد ذلك، تتعالى أصوات المجموعة المعتدية ابتهاجاً بما يظنونه نصراً. بينما تُشيِّع ــ ذات الأستاذ المسكين المُفترى والمُعتدى عليه ــ صيحات “أخوان” المجموعة المعتدية، بهتافات على شاكلة “طابور.. طابور”. دون أن يجد الحادث الإدانة المطلوبة، ودون أن يجد الطلاب المعتدين العقاب الرادع..!

وطابور هذه ــ لمن لا يعرفونها ــ تعني في ما تعني؛ أن الشخص المذكور “معارض”، أو تعني الغريم السياسي..!

الآن؛ هل عرفتم لماذا تسيل دماء الطلاب في سُوح الجامعات لأتفه الأسباب..!

وهل عرفتم الآن؛ لماذا تراجعت العملية التعليمية في البلاد، ولماذا يقف السودان في صفوف الجوعى، وطوابير الدول الرخوة، والفقيرة، والمُنكهة اقتصادياً.. وهل علمتم لماذا يتموضع هذا البلد المنكوب بفعل المجموعة الحاكمة، في قوائم الدول الموبوءة بالمرض والجهل..؟!

لست متأكداً، بدرجة اليقين، لكن مجالس المدينة تبدو متيقِّنة من أن أحد طلاب الحزب الحاكم قام ــ في أزمنة سابقة ــ بالاعتداء على معلمه، في واحدة من السقطات التي لا يمكن أن تحدث إلا في هذا العهد، ومع ذلك لم يتم شنقه في ميدان التربية، ولم تتم إحالته إلى لجان الانضباط الصارمة والقاسية، بل تمت ترقيته وصار وزيراً..!

وحين تغوص لتبحث عن أسباب هذه النفخة التي تجعل طالباً مثل صاحبنا ذاك، يقوم بصفع معلمه، دون أن تمتد إليه يد العقاب، فستجد أن الأمر مرتبط بالبزة العسكرية التي كانت مباحة في ردهات الجامعة، يرتديها من شاء.. وكيف شاء.. ومتى شاء!!

فهل عرفتم لماذا يعلو شأن الوحدات الجهادية في الجامعات السودانية، ولماذا تشهق عالياً، بينما تتراجع القيم الطلابية، وتنزوي المفاهيم التعليمية المرتكزة على الانضباط، والقائمة على السماحة التربوية..!

الثابت؛ أنه إذا قيل لك ــ في زمان غير زماننا العجيب هذا ــ أن طالباً صفع معلمه، فلن تصدِّق، ولو جرى على ذلك الدليل. ببساطة لأن مثل تلك التصرفات أبعد ما تكون عن الواقع الطلابي. بل هي في عِداد المستحيلات. بينما تُصنَّف في أزمنة المؤتمر الوطني، ضمن عِداد التصرفات المحتملة على الدوام، والمتوقعة في أيَّما لحظة..!

ففي الوحدات الجهادية المسماة بـ”بيت النمل”، ترقد صنوف من التصرفات المزعجة، المتناسلة من مفاهيم تنظيمية، تضع كل من يخالف طلاب الحزب الحاكم الرأي في خانة العدو، وفي خانة الطابور التي حدثتكم عنها. وكلكم تذكرون قصة بعض كوادر “بيت النمل” مع الدكتور عمَّار السجَّاد، وهو رجل وثيق الصلة الفكرية بالمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. باعتبار أنه قيادي في المؤتمر الشعبي، وهو شق آخر، إن لم يكن أصيلاً في الأزمة كلها.. السجَّاد روى ذات مرة، أنه وابنه تعرضا للاعتداء بصورة وحشية، من قِبل مجموعة طلابية، تنتسب إلى الوحدة الجهادية بواحدة من أعرق الجامعات السودانية، بل إن الرجل كشف عن حقائق صادمة، تبرهن كلها عن مدى التراجع الذي وصلنا إليه تربوياً، بحيث لم يعد الاعتداء على أستاذ جامعي، ووصفه بـ”الطابور” أمراً جالباً للاستغراب، كما أنه لم يعد فعلاً أو سلوكاً يرقى للوقوع في براثن العقوبة.. فتعجب يا صاحِ..!
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..