الأمومة في أشد تجلياتها

٭ تأملت شعائر الحج ودلالاتها العظيمة.. وقفت عند مكانة المرأة في هذه الشعيرة ووقفت مع هاجر وسارة.. السيدة سارة التي أهدت جاريتها لزوجها وما كان في خلدها أن تنجب هذه الجارية من زوجها الكهل ولكن ارادة الله جعلت هذا ممكناً.. وضاقت سارة بالوليد وأمه.
٭ وأراد الله أمراً فأوحى إلى سيدنا ابراهيم عليه السلام بأن يذهب بالوليد وأمه إلى مكة تلك الساحة البلقع وما معه إلا (قربة) بها ماء وحفنة تمر.. وفعل وترك اسماعيل وأمه لما مضى راجعاً تبعته هاجر قائلة أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا ماء ولا شجر.
٭ كررت عبارتها ولمت لم يلتفت إليها ساعتها قالت: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم.. قالت في إيمان: إذن لا يضيعنا.
٭ رجع ابراهيم عليه السلام والدموع في عينيه والعبرات تخنقه يردد ووجهه إلى السماء (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ٭ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ).
٭ وبقيت هاجر مع ابنها اسماعيل تستمد الأنس منه إلى أن نفد الماء وأخذ (العطش) الظمأ يناوش صغيرها فأخذت تتلفت مذعورة تبحث عن الماء في تلك البقعة الموحشة. هرولت إلى أعلى جبل الصفا نتظر إلى الوادي علها تجد ماء ولما لم تجده هرولت ثانية إلى أعلى جبل المروة ونظرت ولم تجد الماء.. نزلت إلى ابنها لتطمئن عليه ولم تيأس.. ساقتها عاطفة الأمومة إلى الذهاب إلى الصفا والمروة سبع مرات ولما أخذ الأعياء منها مأخذاً جلست في حيرة وألم تنتظر مصيرها ومصير ابنها.
٭ وإذا بها تسمع صوتاً فظنت انها متوهمة ومع ذلك قالت: قد أسمعت إن كان عندك غوث، فإذا هي بالملك ينبش بجناحيه عند موضع زمزم حتى ظهر الماء فأخذت تجمعه في قربتها حيث قال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيتاً لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه وان الله لا يضيع أهله.
٭ إنها صورة للأمومة في أشد تجلياتها ولحظات معاناتها يخلدها القرآن الكريم ويذكر الناس بكفاح أم من أجل ولدها والذي سيكون أباً لأجيال كثيرة.
٭ فالمسلمون حين يسعون في الحج ما بين الصفا والمروة يتذكرون السيدة هاجر ويعظمونها في نبلها وحنوها على ولدها وبحثها الدائب للماء من أجله.
٭ ما أحرى بالحجيج وهم يسعون أن يتذكروا احترام الإسلام للمرأة وجعل هاجر رمزاً لتضحية الأم واسماعيل لطاعة الوالد.. وكل عام وأنتم بخير..
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة