شجرة الزوجي … معركة شيكان 1883م

شجره البورجي… معركه شيكان 1883م
(١)
تبقي شيكان احدي ملاحم المهدية فالثورة التي لم يتجاوز عمرها ثلاثة سنوات حققت انجازات عسكرية بل كانت ككرة الثلج تتدحرج وتكبر وتزداد قوة علي قوة . في تلك الفتره كانت خطب المهدي النارية لها اثر السحر في نفوس السودانيين . ولم تضرب الثورة موجات الخلافات كما حدث في عهد الثوره في ايامها الاخيرة.
(٢)
( لم يفني فالتاريخ جيشا كله الا جيش فرعون الذي اغرقه الله في اليم وجيش هكس في غابة شيكان) هكذا أرخ الانجليز لحملة هكس الذي الذي بدا انه جيش ( ملقط) من المغامرين والانتهازيين وبقايا جيش عرابي وقوات جمعت علي عجل ورحلت عن طريق سواكن الي بربر والخرطوم ومنها الي مدينة الدويم وفي الدويم استعرض هكس جيشه الذي يرتدي زي موحد ويحمل مليون رصاصة فبلغ به الزهو فقال ( لو اهتزت السماء لثبتها بالسناكي ولو اهتزت الارض لثبتها بالابوات ) وعقد مجلس الحرب فظهرت الخلافات بينة وبين علاء الدين باشا ومجلسه العسكري ( فطارت) نشوتة وخرجوا لاستعراض القوة فكانت فوضي الاستعراض فبلغ به الحنق فقال ( انا كالمسيح في وسط اليهود) فقوته التي تباهي بها في البدء من الفلاحين المصريين الذين لا يحسنون الا فلاحة الارض وكانت سمتهم الغالبة عدم النتظيم وقلوبهم مشحونة من الرعب فقد كانت المهدية صاحبة الارض واستطاع رجالها ان يدخلوا حاميات التياره قرب ام روابة وبارة والابيض وهزموا ( جراب الفول) محمد سعيد مدير الابيض سيء الصيت والمشهور بانه فظ غليظ ( سمين) وهزموا حملة راشد والشلالي وقبلها كسبوا معركة الجزيرة ابا . كما ان اغلب الرجال ناصرو الثورة وبلغ حكم ( الترك) اوهن ايامه وكانت فظايع الحكام ازكمت الانوف وجمعوا المال بالسياط والقوة فكرههم شعب السودان وامتنعوا عن دفع الضرايب وشاع مثل شهير ( مية في التربة ولا ريال طلبة).
الخلافات في جيش هكس بدات من اختيار الطريق والقيادة وهل تؤسس نقاط في طريق تقدم الحملة وكانت المعلومات الاستخبارية عن قوة المهدية التي غنمت سلاح ناري من الحاميات التركية التي دخلوها عنوة وكون المهدي الجهادية اضافة الي التفاف الشعب حول المهدي لعدة اسباب منهم من يراه المهدي المنتظر واخرون غاضبون من الترك فاعتبروها ثورة تحريريه من احتلال بغيض واخرون غاضبون وباحثون عن الغنايم وكلهم قاتلوا بضرواة وبأس شديد.
في معسكر المهدي المنتصر حديثا وفاتح الابيض وفي كل يوم ينضم اليه رجال جدد فيوزعهم علي الرايات ويدرب بعضهم علي السلاح ( بنادق الرامجتون واب كسرة واب لفته والخشخشان) فاوكل اب قرجة وهو احد ايقونات المهدية ومعه مساعد وكلاهما رجال خبروا الحرب وعركوا سرها.
المهدي ترك المدينة واستقر في تبلدية الجنزارة قرب الابيض وهو يحرض علي الجهاد.
الاميرين تقدما ومعهما تعليمات بان يحدثوا تماس مع قوات هكس دون ان يدخلوا معهم في معركة كبيره ومعهم منشورات المهدي وتعليمات حرق الارض وسحب السكان في طريق هكس واستخدام اساليب الحرب النفسية.
كان ابوقرجة يخلي القري و( يعلق) المنشورات في الاشجار يدعوهم للاستسلام وعندما يحط المساء يرشقهم بنيران قريبة مؤثرة وتختفي قواته بين الاشجار.
هكس يحاول ان يستطلع فيهاجم اب قرجة قوات استطلاعه فتعود هاربة لمعسكره وتدخل الرعب في نفوس جنوده فكثرت حالات الهروب وسط قواته والمستسلمين الذين قدموا معلومات استخبارية في غاية الاهمية استخدمت بذكاء في الحرب النفسية.
(٣)
هكس في احدي نقاط توقفه امر فرقته الموسيقية بان تعزف الحان اعياد الميلاد ومع بدء النغمات الغريبة علي الارض وكردفان بحضور الضباط والتجار والجنود بغرض رفع الروح المعنوية كانت طلقات اب قرجة قد ( اوقفت الهرجه) وسببت هلع وهرج ومرج عظيمين في قوات هكس اضطرت الفرقة الحزينة ان تتوقف و(يتلبد) عازفيها علي الارض.
صراع اب عثمان اب قرجة ان يسلم جيش هكس في طبق من ذهب للمهدي . فقد كان اب عنجه متربص بالقوة الكبيرة وكان اب قرجة يرسل معلوماته عبر رجاله للمهدي كل ساعة بصورة منتظمة وحركة الاتصال وفرت رؤية شاملة وتقدير جيد للمعركة المرتقبة
يقول المهدي(سيهلكوا ومن يتاخر ليضلح نعاله سيجدهم هلكوا)
وغابه شيكان قرب قريه كازقيل ضيقه يحفها التبلدي وطريقها الضيق يربك مربع هكس باشا….
الامير ابوعنجه يعد كمين يمين وشمال ورجال فوق الشجر كلهم في سكون مطبق واستعداد غريب والقوات تتقدم….
يرسل هكس قوه استطلاع ومعهم (بروجي) مصري مسكين….
تتقدم قوه الاستطلاع وتدخل وسط الكمين وتتيقن ان الارض امان ……
يتعلي البروجي تبلديه وينفخ ببوقه (تووووووت تووووت)
امان لا عدو تقدموا لا شيء يقلق ( الوضع امان)
ولسوء حظ (البروجي) ان نفس التبلديه التي اعتلاها كانت تعج بالعدو فيرتبك ويخاف ويكتشف انه نفسه في وسط العاصفة ( كمين) تحين منه التفاته فيري العدو يمين وشمال ومعه فيترتبك فيقطع صوت اشاراته السكون ….
(تووووت عدو امام .. توووت لا عدو امان … تتوووت عدو امام توووت عدو ماف توووووت عدو في كل مكان تووووت لا عدو .. عدو)
تربك اشاراته قوات هكس وتاخذ ما تبقي من روح قتال ضعيفه فيهم (تووووت تووووت )
هكس يستاء يامر القناصه بوقف نداءات (البروجي) الذي هزم هكس قبل صيحات العدو
يتقدم قناص ويطلق رصاصه الرحمه في قلب (البروجي) ليسقط قتيلا بنيران صديقه ويتعلق جثمانه بفروع التبلديه وفي ربع ساعه فقط يختفي جيش هكس الذي كان يحمل مليون رصاصه معه
ويبقي جثمان (البروجي)عبارة عن عظام معلقة شاهدة علي هزيمه هكس الي عشرينات القرن التاسع عشر الي ان يامر بانزال العظام مفتش الابيض الذي امر بدفنها تحت شجرة التبلدي التي حملت اسم (تبلدية البروجي) المسكين.
وتبقي شجره البروجي شاهده علي اكبر هزيمه في تاريخ الانسانيه مجزره لم يرتكب مثلها في تاريخ السودان الا في كرري حينما ابادت المدفعية جيش الخليفة.
شيكان تحكي عن عظمة التخطيط والتنفيذ من التماس الاول بقيادة اب قرجة وتحطيم الروح المعنوية اضافة الي اختيار ارض القتل المناسبة ونجاح تنفيذ الكمين والهجوم لم تستمر معركة شيكان الا 15 دقيقة وكان الجيش المنفوخ قد ابيد كله….. هذا والله اعلم.
د. بشير احمد محي الدين
[email][email protected][/email]