علاقة متأرجحة!..

واقع الحال يشير الى انه ليس غريباً أن تتكرر التوترات بين الخرطوم والقاهرة. كما انه ليس غريباً أن تستمر التجاوزات في حدود الدولتين؛ طالما أن العلاقة بينهما ليست في تمام عافيتها..!
فالناظر إلى العلاقة بين السودان ومصر، سيجد أنها تتقازم أمام طموحات الشعبين، وتتقاصر أمام أمنيات السودانيين والمصريين على حد سواء..! ومن يتفحّص تلك العلاقات بعين حاذقة، سيجد أن الحصائد والغلة النهائية مع أنّها أقل ممن الممكن، ودون المتاح، وأبسط من المأمول، لكنّها تبدو منطقية، ذلك أن العقلية الحاكمة في البلدين، ولا سيما في مصر، ظلّت تنظر إلى تلك العلاقة من منظور أمني، لا يأتيه المنطق السياسي لا من خلفه ولا من بين يديه..!
وظنّي أنّ تلك مذّمة كبيرة ومنقصة بائنة، جعلت العلاقة بين الخرطوم والقاهرة فاترة على الدوام، وغير منتجة في المحصلة النهائية..!
أقول ما تقرأون، وأنا على قناعة مدعومة بالحقائق، بأن النظام المصري في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، ظل يتعامل مع الحكومة السودانية، وفقاً لرؤية الخبراء العسكريين والأمنيين، وليس وفقاً لرؤية القادة السياسيين. بل ان ملف العلاقة بين القاهرة والخرطوم كان موكولاً إلى الأجهزة الأمنية، ولم يكن مركوزاً في ردهات وأضابير الحزب الوطني الحاكم وقتها في مصر..! وهذا ما جعل النظرة تبدو تجريمية، على اعتبار أن رؤية العسكريين وجنرالات الجيش والأمن، تنطلق ــ في الغالب العام ــ من منصة تجريم الآخر، إلى حين ثبوت العكس.
المثير للغرابة، أن النظرة العسكرية للعلاقة بين القاهرة والخرطوم، ظلّت حاضرة ولم تتلاش حتّى بعدما صعدت جماعة الاخوان المسلمين إلى سدّة الحكم في مصر، عقب فوز الرئيس محمد مرسي في الانتخابات التي أعقبت سقوط نظام مبارك.
الشاهد أن ملف علاقة القاهرة والخرطوم لم يتم تحريره بالصورة المطلوبة من قبضة الجنرالات، في عهد مرسي. ولكن قد يبدو هذا الأمر غير مثير للدهشة، ببساطة لأن الأيام أثبتت أن الجنرالات يسيطرون ليس على ملف العلاقة بين الخرطوم والقاهرة فقط، وإنما على مجمل الملفات في مصر، وهو ما يمكن استقراؤه من خلال صعود الجنرال عبد الفتاح السياسي إلى سدّة الحكم.
الآن، تبدو الصورة أفضل حالاً، على اعتبار أن المشير عبد الفتاح السيسي يتحلّى بسلوك براغماتي من طراز نادر، يقابله سلوك براغماتي من طراز رفيع للحكومة السودانية. وهو أمر ربما يسهم في تجسير المسافة الفاصلة بين السيسي وبين قادة المؤتمر الوطني، على الرغم من وجود أصوات عاتية مصدرها الصقور داخل الحكومة السودانية، وخاصة من ينادون بعدم التطبيع مع السيسي، من باب التناصر الأيدلوجي مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر، والتي تذوّقت صنوفاً من العزلة السياسية، عقب صعود السيسي إلى كرسي الرئاسة في مصر.
وبالمقابل، فإن سجل الحكومة السودانية لا يبدو ناصعاً في تحسن علاقتها مع القاهرة، إذ أنها أسهمت في تعطيل التقارب بين الطرفين، وهي المتهمة بأنها ظلت تحشر أنفها في الشأن المصري في بعض المرات. وظني، أن الخرطوم مطالبة ــ أولاً بنفي هذه التهمة ــ قبل تعبيد طريق التقارب مع القاهرة، وصولاً إلى ما يخدم شعبي البلدين.
الصيحة