يوم الزيارة !! … مومياء فلاديمير لينين

يوم الزيارة !!

إستهجنت كثيرا الصورة الى نشرها عثمان ميرغنى مؤخراً على صفحته بالفيس بوك ظهر فيها وهو يصطف فى يوم ممطر مشهود وسط حشد من المصطفين لزيارة مرقد لينين الذى لا يبعد عن الكرملين. لو أرادها رسالة لمريديه من على البعد يقول لهم فيها (تمنيت لو كنتم هنا) على نمط التقليد الغربى المتبع بين الراسل والمرسل إليه فى أدب رسائل السفر والسياحة الذى يمارسه الكثير من الفرنجة فلا أعتقد أى عاقل من طائفته يتمنى ذلك.
أن تقف على مومياء فرعون موسى فى القاهرة فيها دروس وعبر أوردها رب العباد لعباده وأرادها عبرة لمن يعتبر من بعده أما أن تقف على مومياء لينين فى موسكو ليس فيها من عبر تكاد تبين بين أتون الإلحاد وغيابت الشرك المبين وإذا كان هناك روعة للمشهد ربما يراها الزوار المتحدرين من سلالة أبى لهب. وبما أن متضجعى نعشيى المرقدين يجمع بينهما أنهما فى العذاب محضرين. فالأول يقدم قومه ويوردهم الورد المورود أما الثانى لا يعرف هل سيأتى منفردا أم بأفواج تفوّج من خلفه فعلمها عندالله العليم الخبير.
فلاديمير لينين فرضيا يعتبر دكتاتور ومنظّر أول دولة ماركسية فى العالم أسست على يده عام 1918 بعد عودته من المنفى والتى إنبثق منها قيام الإتحاد السوفيتى فى ديسمبر عام 1922 والإنتقال إلى الشيوعية كأيدولوجية وهو تمهيد تدريجى لعالم ثنائى القطبية لما بعد الحرب العالمية الثانية. وفى ذات الوقت عام 1923 ظهر كمال أتاتورك فى تركيا وأقام بالقوة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية الإسلامية دولة علمانية تبنت النموذج الغربى تماما أرادها أن تكون بوابة الغرب الشرقية. تلاشت المسيحية فى روسيا بعد إبادة القياصرة وحل محلها الإلحاد و إضمحل الإسلام فى تركيا عقب إنهيار الخلافة العثمانية وإنحسر المد الإسلامى فى دول البلقان حاضرة العثمانيين السابقة بعد أن إبتلعها جوزيف ستالين. ولأننا نعيش فى عالم الحضارة غير الطوعية الممتدة من العصور القديمة فإن التاريخ يحمل بين طياته عملية التحكم تديرها من خلف الستار نخبة سيادية عالمية فى قمة الهرم تمسك بزمام الأمور تديرها بأسلوب ممنهج ومبرمج على حقب زمنية مترابطة متسقة الأحداث لا مجال فيها لعامل الصدفة . توضع السيناريوهات بدقة متناهية سلفا موغلة فى الزمن وتحدد ما هية الأدوار ومن هم المنوطة بهم وفى مرحلة ما تتغير السياسات وتتناوب الأدوار و تتبدل الوجوه وتختلف المهام وهو نموذج يطبق فى جميع الدول والكل يدور فى مدارات ذلك الهرم السيادى.
مثلا كان هناك عالم ثنائى القطبية ، قوتين عظميين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية تحدد مسارات السياسة الدولية. الإتحاد السوفيتى يخشى الإمبريالية والولايات المتحدة تخشى الشيوعية وهما يديران معا دفة الحرب الباردة التى تدور فى فلكها باقى دول العالم ولكن فى الواقع كان كل قطب مرتبط ويتبع مباشرة للنخبة السيادية العالمية فى قمة الهرم. الولايات المتحدة لديها نموذج شمولى معلن متمثل فى تداول السلطة عبر صناديق الإقتراع بين حزبين فقط هما الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى بينما الإتحاد السوفيتى لديه نموذج شمولى مخفى. فى كلا الدولتين الصفوة السياسية وأعضاء المكتب السياسى للجنة المركزية يعيشون فى رفاهية متناهية وهى تعتبر مشروعة فى الولايات المتحدة بينما فى الإتحاد السوفيتى تكون مخفية. وفى هذا الصدد يقول بيتر آستينوف الممثل الإنجليزى المعروف الذى إشتهر بأداء دور المفتش بيرو فى روائع أجاثا كريستى البوليسية المصوّرة سينمائيا، هو مؤلف مسرحى ، كاتب مبدع وفيلسوف ساخر من طراز جورج برناردشو يقول: “فى المجتمع الرأسمالى البعض يستغل من قبل البعض الآخر أما فى المجتمع الشيوعى فالعكس هو الصحيح”
لقد تبين أن الأيدولوجيات الرأسمالية ? الشيوعية ? الماركسية ? الإشتراكية ? الديمقراطية ? الملكية بالإضافة إلى إستغلال الدين كواجهات سياسية مزيفة ما هى إلا غسيل دماغ لشعوب الأرض لخدمة أغراض النخبة السيادية العالمية بطريقة أو بأخرى. عندما قرر سدنة الماسونية وهم قمة الهرم السيادى خلف الستار تفعيل خيار القطب الآحادى أسقطوا الإتحاد السوفيتى ووفروا له أسباب السقوط أما تركيا فسمح لها بالإنتقال من العلمانية إلى نموذج إسلامى أرسى قواعده حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان ورغم هبوب الأعاصير من هنا وهناك بين الفنية والأخرى ما زالت بوابة الغرب الشرقية كما أراد لها كمال أتاتورك أن تكون – لها أن تقوم بحراسة الخيمة من الخارج (عضوية الناتو) وغير مسموح لها بدخولها البتة (الإنضمام للإتحاد الأوربى) !
عند إنهيار الإتحاد السوفيتى فى ديسمبر 1991 ظهر جليا أن الشيوعية كأيدولوجية والتى سعت الحكومة السوفيتية على مدى 69 عاما من عمرها لزرعها فى قلوب وعقول السوفيت وتجذيرها فيهم لم تتجذر مطلقا بل فقدت بريقها ومفعول تأثيرها الذى جاءت تحمله شعلة فى بداياتها وشيّعت إلى مثواها الأخير بمقابر النسيان فى غياب المشيعين الرفاق. ربما هذا ما دفع ميخائيل غورباشوف آخر الزعماء أن يقول لهم عند تقديم إستقالته عبارته المشهورة “لا تصلبونى” مؤلفات كارل ماركس إنجيل الشيوعية هى الأخرى إنتهى بها المطاف فى محراب متحف ذكريات الحرب الباردة يكسوها غبار الزمن ولا تحرك ساكن. أما مومياء فلاديمير لينين بمرقده قرب الكرملين والتى بدأنا بها الحديث ستظل رمزا للإلحاد فحسب تعلوها دقات أجراس منارات كنائس موسكو العديدة المنتشرة وترانيم قداسها المزدحم على غير العادة حتى إشعار آخر !

عزالدين حمدان
[email][email protected][/email]