حالة سودانية..!

قناعتي، انه نادراً جداً ما يخلد سياسي سوداني إلى الراحة. ومن النادر جداً أن يقوم أحد الساسة، بكتابة خطاب إلى المؤسسة الحزبية التي يتبع لها، يفيد بأنه ينتوي قضاء إجازته السنوية. وهذا ما رسّخ انطباعاً لدى الشارع السوداني، بأن السياسي رجل مهم جداً، لدرجة أن المؤسسة الحزبية أو التنفيذية لا تحتمل غيابه مطلقاً. وقطعاً هذا الانطباع، ليس دقيقاً، ولا صائباً.

الثابت، أن قادة العمل التنفيذي والحزبي في السودان، غارقون في المهام والتكاليف بصورة يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية، لدرجة أنه يندُر وجود سياسي لا يعمل على مدار هذه المواقيت، ومع ذلك فإن المحصلة النهائية – سواء على مستوى الأحزاب أو الدولة – صفر كبير، وذلك أمرٌ مخيِّب للآمال..!

يقيني، أن ثقافة عدم الخلود للراحة، تتعارض مع النظريات العلمية المحكمة في علم الإدارة، والتي تدعو إلى إعلاء ثقافة العطلة الدورية، على اعتبار أنها أمرا ضروريا وحيويا لتجديد الدماء الوثّابة في الإنسان.

وإذا أسقطنا تلك النظريات العلمية على الحالة السودانية، سنعرف لماذا تكلّست ماكينات التفكير داخل قادة الأحزاب السودانية حاكمة ومحكومة، وسندري لماذا تيبّست الدماء في أفئدة وعقول صانعي القرار التنفيذي والسياسي..! ذلك أن السياسيين في السودان لا يتصالحون مع فكرة التعطل عن العمل اختياراً. ولذلك أصبحت ثقافة العطلة سلوكاً معدوماً في المشهد التنفيذي والحزبي، وهو ما يجعل الشبهات والتحليلات التجريمية تلاحق أيما سياسي يُشاع أنه خلد إلى العطلة السنوية. وبدون تردد، نجد أن الأنظار كلها والتحليلات كلها تتجه ناحية احتمال واحد يقول بأن ذاك التنفيذي أو السياسي خرج مغاضباً، وذلك من فرط غياب ثقافة العطلة..!

الشاهد أن قادة العمل التنفيذي والسياسي في السودان، تعلو وجوههم حالة من الإنهاك والرهق، جراء انغماسهم في العمل العام. وهذا أمر جيد، لكن حينما ننظر إلى الغلة النهائية، نجدها تفضح السياسيين، ذلك أنها لا تتناسب مع الجهد الذي يظنه الناس مبذولاً من قبل الساسة. وهنا تحضرني مقولة الكاتب والباحث البريطاني “ألكيس دي وال”، التي قال فيها إنه لاحظ أن السياسيين في السودان يعملون طوال اليوم، لدرجة أنه من العسير أن تجد وقتاً لملاقاتهم، أو الجلوس إليهم، ولكن مع ذلك حينما تنظر إلى منتوج عملهم تجده مخيباً للتطلعات، ويتناقض مع ما يتبدى للناس من غرق السياسيين في بحر العمل المتواصل.

وقطعاً، لن يجرؤ أحد على تكذيب القناعة التي خلُص إليها الكاتب البريطاني أليكس دي وال، لجهة أنه أحد الخبراء الغربيين القلائل ممن يعرفون الشأن السوداني عن كثب، ولهذا ترقى استنتاجاتُه للتعاطي معها بعين واثقة. وعليه، فمن المنطقي أن نتفق مع وجهة نظر الرجل القائلة، بأن الساسة السودانيين منهكون جداً، لكن في لا شيء من النتائج..!

وكلكم تعلمون أن حركة أحجار الرحى السياسية لم تفرز طحيناً، في حين أن تلك الأحجار تدور على مدار العام، بينما الوطن يغرق يومياً في بحار المجهول التنفيذي وحتى الحزبي..!

سادتي السياسيين: كفوا عن هذا الضجيج، فنظراؤكم في الدول المتحضرة، يستقطعون من وقتهم لأوطانهم، بمعنى أنهم غير متفرغين كلياً للعمل العام، ومع ذلك هم ناجحون في صناعة دول راسخة. بينما لا تستقطعون أنتم لأنفسكم من وقتكم شيئاً، وتوهموننا بأنكم تبذلون وقتكم كله للوطن، ومع ذلك فالمحصلة فقرٌ وجوعٌ واقتتال، وتراجع في كل شيء.. كل شيء، بما في ذلك أخلاق الناس..!
الصيحة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..