مقالات سياسية

الزُهد في الدنيا عند بعض علماء الدين

الزُهد في الدنيا عند بعض علماء الدين

الزُهد هو من أهم صفات المؤمن … والزهد عزوف القلب عن الدنيا بلا تكلُف , الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد التعريف الرائع للزهد : هو سفر القلب من وطن الدنيا إلى الآخرة … أنت لا يوجد عندك عربة أو سيارة فارهة أو بيت فخم لكن كلما ألقيت نظرة عليهما قلت : هنيئاً لصاحبهما يا ليتني كنت مكانه في هذه الحالة أنت لست بزاهد
ولا يبلغ أحد حقيقة الزهد حتى يكون فيه ثلاث خصال : عمل بلا علاقة , وقول بلا طمع , وعز بلا رياسة … وما يجسد الزهد : أن تؤثر الآخرين على ما في يدك ولو بقليل وتساعدهم كما قال تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )
من المفاهيم الخاطئة عن الزهد وهو أن تكون فقيرا ليس عندك من أمر الدنيا شئ وليس من حقك أن تمتلك سيارة فاخرة أو بيت فاخر , ولكن في الحقيقة ليس الزهد أن لا تملك شئ ولكن الزهد أن لا يملكك شيء بمعنى لا تعبد المال والجاه وتصير معبودا لهما وتنسى الآخرة فقال تعالى : ( وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) وإلا فلا فرق بينك (والدواعش) يعيشون في الكهوف وفي الأدغال والغابات ويحسبونه زهد في الدنيا وعلى ذلك فإن الله سيجزيهم في الآخرة وسيزوجهم الحور العين !!
جاء رجل إلى الحسن البصري يسأله ما سرّ زهدك في الدنيا يا إمام ؟ قال أربعة أشياء :
علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فطمئن قلبي , وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي , وعلمت أن الله مطلع علي فاستحيت أن يراني على معصية , وعلمت أن الموت ينتظرني فأعدد الزاد للقاء ربي.

قال بعض العلماء : الزهد في الدنيا هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال , تمتلك مركبة فارهة لا بد من يوم يأخذها من بعدك , من يسكن في بيت فخم أو قصر كبير لا بد من يوم أخرج منه في نعش هذا الكلام لا شك فيه .., ولك مقتنيات ثمينة وعندك أموال طائلة , حينما ترى أن هذا الشئ لا يدوم فأنت زاهد , أماحينما تنسى الموت كلياً وتشعر أنك مخلد في الدنيا هنا المشكلة ,
وقال أحد الحكماء من تعريفات الزهد : عدم الفرح بإقبال الدنيا وعدم الحزن على إدبارها .. وقال سفيان الثوري : الزهد في الدنيا ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء وقال : إنما الزهد في قوله تعالى : ( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) فالزاهد لا يفرح من الدنيا بموجود , ولا يأسف منها على مفقود
والزهد ليس المراد منه رفض الدنيا بالكلية فقد كان بعض الأنبياء كالنبي سليمان والنبي داود أزهد الناس في زمانهم ولهما من المال والملك والنساء . وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق وله تسعة نسوة وكان عبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد مع ما كان لهما من الأموال الكثيرة وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما من الزهاد مع أنه كان أكثر الناس مالاً ومحبة للنساء ونكاحاً لهن وأغناهم وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد معه مال كثير والليث بن سعد من أئمة الزهاد وكان يقول : (لولا هذا لتمندل علينا هؤلاء) يقصد المال والناس
ولكن من المفاهيم الخاطئة أيضا : فإذا زهدت بمال حلال يمكن أن يكون قوة لك في الآخرة لكن في هذه الحالة لست بزاهد لأنه بهذا المال كان بإمكانك أن تطعم الفقراء .. وتؤوي المشردين ..وتعالج المرضى المساكين .. وتزوج الشباب .. وتنفقه في تعليم للمحتاجين .. أو تنفقه في تعليم القرآن .. وحل مشكلات الناس ..
وكذلك إذا زهدت بمنصب يمكن أن تحق الحق فيه , وتبطل الباطل , وترفع به الظلم عن المظلوم والضيم عن الناس ويكون نفعك عاما ورفعة لبلدك ووطنك فأنت في هذه الحالة لست بزاهد … أحياناً المال قوة والعلم قوة والمنصب قوة وبهما يمكن أن تنفع بها القوم وتعمل بهما من الأعمال الصالحة ما لا يستطيع الآخرون أن يفعلوه فحينما تزهد في شئ من نعم الله التي تنفعك في الآخرة وبإمكانك أن تنفع بها الآخرون أنت في هذه الحالة لست بزاهد

وقال الإمام أحمد بن حنبل : الزهد في الدنيا قصر الأمل .. وعنه رواية أخرى : أنه عدم فرحه بإقبالها , ولا حزنه على إدبارها , فإنه سئل عن رجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهداً ؟ قال : نعم , شريطة أن لا يفرح إذا زادت , ولا يحزن إذا نقصت.

ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..