الشعبي”.. وفقدان البوصلة..!

حينما تأملت الخلافات التي تعصف بالمؤتمر الشعبي حالياً، تيقنت أن حزب الترابي يعاني من ذات الأدواء التقليدية التي ضربت أكثرية الأحزاب السودانية، والمتمثلة في رهن الحزب وحصره على أفكار الرجل القائد، فإذا غاب توارى الحزب، وإذا توفي ماتت المنظومة..!
ولذلك ليس من الغريب أن ينزلق الشعبي إلى حالة التهريج السياسي التي تنتظم صفوفه حالياً، بسبب رحيل عرابه الدكتور حسن الترابي، حتى بات الشعبي كمن فقد البوصلة، وكمن دهمته غواشي الاضطراب، فجعلت منه حزباً يبيت على رأي، ويصبح على موقف آخر، ولا سيما بعد مشاركته في الحكومة..!
فمن ينخرط في استقراء الأوضاع داخل الشعبي عقب رحيل الترابي، صاحب امتياز الحزب والفكرة، سيصل إلى قناعة راسخة وهي أن الترابي نسي – في غمرة انشغاله بتسيير دولاب الحزب – أن يكتب مسار ومستقبل الشعبي في حكومة الوفاق الوطني. كما نسي أن يكتب المنظومة الخالفة والبرنامج السياسي للشعبي، بشيء من التفصيل. ولذلك وجد الشعبيون أنفسهم في حالة، هي مزيج بين التيه والتوهان السياسي. ويبدو أن الترابي كان يحتفظ بمستقبل حزبه في الحكومة وبفكرة المنظومة الخالفة في رأسه، ولم يقم بكتابتهما على الورق، لذا ضاعت البوصلة من تلاميذه بعد وفاته..!
وربما يقول قائل، إن هذا التحليل فيه نوع من الشطط والتزيُّد غير المبرر في حق الشعبيين، ولكن واقع الحال يشير إلى أن الأيام برهنت على أن المؤتمر الشعبي يعيش حالة من عدم الاتزان السياسي والمفاهيمي والفكري. لدرجة أن قادته تفرقوا أيدي سبأ، ولم يعودوا على قلب رجل واحد، كما كان يتبّدى للناس.
فالناظر إلى موقف المؤتمر الشعبي بعد دخوله في حكومة الوفاق الوطني، سيجد أن هناك تناقضاً وتبايناً بداخله، لا ينطلق من إعمال الشورى، بقدر ما أنه تعبير حقيقي عن مرحلة فقدان الوزن التي يعيشها الحزب.
أما من يتأمل في أجهزة المؤتمر الشعبي ومؤسساته، فسيجد أنها تعاني من تصدعات كبيرة لدرجة أنها طالت غالبية أمانات الحزب، بل أنها امتدت حتى الأمانة العامة نفسها، حيث أظهر نائب الأمين أحمد الترابي تبرماً كبيراً من طريقة الأمين العام الجديد الدكتور علي الحاج في إدارة الحزب، وربما لذلك دفع بمذكرة شديدة اللهجة إلى الأمانة العامة تشكو تغييب مؤسسات الحزب وانفراد الأمين العام بالرأي، بل إن الصحف أكدت أن أحمد الترابي استقال من موقعه كنائب للأمين العام.
صحيح أن الدكتور علي الحاج نفى أن يكون نائبه قد استقال، إلا أن مجرد أن يدفع أحمد الترابي بمذكرة احتجاجية ضد الأمين العام، فإن ذلك يعني أن التصدعات التنظيمية بلغت مرحلة متقدمة جداً، خاصة أن نائب الأمين العام الآخر عبد الله أبو فاطمة سبق أن أظهر زهداً كبيراً في الاستمرار في موقعه، بذات الحجة التي دفعت أحمد الترابي لاتخاذ موقف مناوئ للدكتور علي الحاج.
قناعتي، أن الشعبي يحتاج ? مثل غيره من الأحزاب – إلى سنوات، لكي يخرج من القبو الذي انحشر فيه من فرط الإذعان لأفكار الرجل الواحد. وليس أدلّ على ذلك من الحديث الذي جرى على لسان أحد أبرز خُلصاء الترابي، وهو كمال عمر، وتحديداً حينما جزم بأن حزبهم فقد البوصلة عقب رحيل الدكتور حسن الترابي.
الصيحة