مقالات سياسية

كل السودان .. أرضاً سلاح

كتبت أكثر من مرة في هذه الصحيفة الرائدة، وعبر “ومضات” منوهاً إلى ضرورة جمع السلاح؛ خاصة في ظل ما تشهده بلادنا العزيزة من توترات ذات دوافع ومسببات شتى منها ما هو سياسي أو قبلي أو حتى فردي! وقد جاءت الحملة واسعة النطاق التي يقودها نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن بمثابة خطوة عملية في الاتجاه الصحيح لجمع السلاح وبسط هيبة الدولة في أنحاء البلاد كافة. وهذا، لعمري، توجه يجد المساندة والدعم من كل حادب على مصلحة البلاد العليا وأمنها واستقرارها سياسياً واجتماعياً. ومن البديهي، عند تناول مثل هذا الموضوع، أن نشير إلى أن انتشار السلاح ظاهرة موجودة في كل أرجاء المعمورة وعلى وجه الخصوص في المناطق والدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات والتمرد مثلما هو الحال في بعض دول الجوار سواء في جنوب السودان أو ليبيا أو غير ذلك من دول القارة السمراء، علاوة على ما يمر به السودان نفسه من حرب لعينة ونزاعات تطاول أمدها وأدت إلى دخول كميات كبيرة من السلاح والذخيرة إلى البلاد حتى وصلت إلى كثير من الجماعات والأفراد المتفلتين الذين أصبحوا يهددون الأمن العام ويسعون إلى هتك وتفكيك النسيج الاجتماعي بشكل بشع لم يشهده مجتمعنا من قبل. وربما يتهم البعض الحكومة بالمساعدة في انتشار السلاح؛ لكن هذا لا يستقيم مع واقع الحال، إذ إن الحكومة إنما كونت بعض الأجهزة النظامية، وسلّحتها، تحت مسميات وتشكيلات معروفة لدى الجميع وهذه ممارسة مشروعة في كثير من الدول! وبما أن الدولة قد أبدت حرصها على جمع السلاح فعليها التعامل بكامل الحسم والحزم، بما يتناسب وحجم المشكلة، مع كل من يعارض هذا التوجه في هذه المرحلة؛ مع العلم بما يحتاج ذلك من قرار سياسي صعب ومحفوف بالمخاطر؛ لأن بعض تجار السلاح والمتفلتين قد نجحوا في تكوين امتدادات خارج حدود الوطن، ورهن بعضهم إرادته إلى جهات لها مصلحة في عدم استقرار السودان؛ فهي لذلك تمد هؤلاء الناس بمزيد من السلاح وما يلزم من أشياء لوجستية لإشعال الفتن وإزكاء التوتر في أطراف السودان غرباً وجنوباً وشرقاً وشمالاً. المهم في الأمر، لابد من جمع السلاح في نهاية المطاف مهما كانت التكلفة، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار، ومن ثم الشروع في خطط تنموية تنتظم كل مناطق السودان بلا استثناء. وإذا كان بعض المراقبين يقول إن مشكلة السودان إدارية وسياسية في المقام الأول، هنالك، من جانب آخر، من يرى أن المشكلة أمنية بالدرجة الأولى؛ نظراً لانتشار السلاح بطريقة غير مسبوقة، نوعاً وكماً، إذ أصبحت الأسلحة الرشاشة المتطورة وحتى المدفعية منتشرة في القرى والمدن كلعب الأطفال. ومن أجل وضع حد لهذه الظاهرة من الضروري أن ترمي الدولة بثقلها في هذا الصدد دعماً لهذه الحملة التي يتوقع لها أن تكلل بالنجاح إذا ما استخدمت الآليات والأسس السليمة، مع قدر عال من الحزم والعزم والشفافية. من جانب آخر، ينبغي على المجتمع والإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والمساجد والصحافة وأجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والأحزاب السياسية والحركات والجماعات الموقعة على وثيقة الحوار الوطني أن تدلي بدلوها في هذه الحملة التي هي بكل تأكيد في صالح الجميع. ومع هذا، يجب على الجهات المعنية بهذا الملف رسمياً من الأجهزة والقوات النظامية والجيش بسط الأمن والضرب بيد من حديد على كل من يعصي الأوامر مهما علا مقامه أو كانت قوته حتى تتوفر الطمأنينة في المجتمع وفي نفوس الأفراد ويقدموا على تسليم ما لديهم من أسلحة طوعاً. ويضاف إلى ما سبق مناشدة السيد، رئيس اللجنة العليا لجمع السلاح والسيارات غير المقننة، أن تنتظم الحملة جميع ولايات السودان بشكل متزامن حتى لا يقال إن الحملة تستهدف جهة أو مجموعات بعينها، خاصة إذا علمنا ما تشنه بعض الجهات المغرضة من حملات إعلامية قد تهز ثقة الناس في كل ما تقوم به الدولة من جهد. كنت أتمنى أن تتخذ الحملة شعار “كل السودان … أرضاً سلاح” حتى يعلم الجميع أن الحملة ستطال الخرطوم وحلفا وكسلا والجنينة وكل السودان، دون استثناء لجهة، مهما كانت الأسباب والمبررات. ومع تأكيد قيادة الحملة على هذا التوجه إلا أن المطلوب بشكل عاجل التحرك في اتجاهات متفرقة حتى لا يجد تجار السلاح ولوردات الحرب منفذاً إلى تهريب مزيد من الأسلحة بتغيير مسارات تحركاتهم وأساليبها. وما يدعو للاطمئنان أن القرار الذي يتعلق بهذه الحملة لم يكن مستعجلاً بل جاء بعد ترتيبات دقيقة واتخاذ كافة الاحتياطات وشاركت فيه جهات مختصة كثيرة. عموماً، “الواعي ما بوصوه” ولكن نريد تأكيد وقوفنا مع هذه الحملة ونتمنى لها النجاح والاستمرار حتى تؤتي أكلها بإذن ربها؛ لأن هذا الوطن الغالي قد ذاق الأمرين وفقد نفراً عزيزاً من أبنائه بسبب انتشار السلاح والزعازع وآن الأوان ليكون السودان وطناً خالياً من السلاح غير المرخص تماماً.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..