تصدعات “الشعبية”.. من المسؤول..؟!

الآن لم يعد سراً أن الحركة الشعبية تحولت إلى حركتين، ولم يعد خافياً أن مالك عقار ورفيقه ياسر عرمان قد خسرا كثيراً، بعدما ظنّ كثيرون أنهما لن يخسرا أبداً، بسبب ما يتمظهر للناس من تماسك في أداء الحركة. ولكن يبدو أن تقديرات المراقبين لم تكن كلها صائبة، فقد انهار المعبد على رؤوس المتبتِّلين، بعدما تم عزل عقار وعرمان في إقليم جبال النوبة، وبعدما تكليف عبد العزيز الحلو لإدارة الأمور.

وظني أن ذلك أمر متوقع بل وطبيعي في ظل عدم تقدير عقار وعرمان للأمور بشكل دقيق وحاذق، فقد كان الرجلان يظنان أن أيّ دعوة للإصلاح تصدر من داخل قادة أو أجهزة الحركة الشعبية؛ هي في الأصل نابعة من دهاليز جهاز الأمن، وموصولة بالمؤتمر الوطني، وبناءً على ذلك طفقا يوزعان تهم الارتماء في أحضان الحكومة لكل من يخالفهما الرأي.

الثابت أن سوء تقدير الأمور ظل حاضراً حتى بعدما استفحلت الأزمة ووصلت مرحلة إقالة الأمين العام بواسطة مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، فقد أخفق عقار وعرمان في تقديم العلاج الناجع للأزمة، على الرغم من التراجع الذي أبداه مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، الذي أمهل الرئيس والأمين العام فترة زمنية لتقديم أطروحات ناجعة تزيل الاحتقان وتنهي المشكلة. ولكن بدلاً من إجراء النقد الذاتي المطلوب، للوصول إلى وصفة عاجلة وفعّالة للأزمة، عكف الرجلان على إعادة تدوير ذات التبريرات القديمة التي تتحدث عن أدوار لجهاز الأمن في خلافات الحركة، مع أنها ? أيّ الشعبية – اتسمت دون غيرها من التشكيلات الأخرى بأنها محاطة بتحصينات صارمة ضد الاختراق، بل إن التهم طالت صحفيين مشهود لهم بالمهنية؛ لمجرد أنهم كانوا أسبق من الجميع في إزاحة النقاب عن خلافات الحركة الشعبية..!

والمثير في الأمر أن بعض المحسوبين على الحركة الشعبية ظلوا ينافحون عنها، ويدفعون عنها تهمة الخلافات ابتداءً وانتهاءً، بل كثيراً ما جرت على ألسنة بعض منسوبي الشعبية أقوال تربط بين كل من يتحدث عن تلك الخلافات وبين الأجهزة الأمنية..! ولكن ما هي إلا أيام حتى أضحى الذين ينفون وجود الصراعات داخل الشعبية، يصدعون جهراً بتلك الخلافات.!

وقناعتي، لو أن عقار وعرمان تعاملا بجدية مع الأصوات الداعية لضرورة تمثيل أبناء النوبة في وفد التفاوض بما يليق بهم، ولو أنهما استمعا جيداً إلى دعوات الإصلاح التنظيمي، لما وصل بهما الحال إلى هذا الحد. ولكن يبدو أن الرجلين واقعان تحت تأثير نظرية تتفيه الآخر وتسفيه أفكاره، وهو ما تجلى في طريقة تعاطيهما مع الأزمة الأخيرة، وفي البيانات التي تصدر باسمها ورسمها.

اللافت في القصة كلها، أن عقار لم يخسر معركة التنظيم في إقليم جبال النوبة فحسب، وإنما خسرها حتى داخل معاقله في إقليم النيل الأزرق، حيث تمت إقالته من قبل ما يُعرف بسكرتارية الحركة الشعبية المكلفة بإقليم النيل الأزرق، حسبما أشار لذلك المتحدث باسم السكرتارية عبد الحفيظ البشرى حسن في بيان صحفي تم تداوله على نطاق واسع.

صحيح أن هذه الخطوة لاقت تشكيكاً كبيرًا في بادئة الأمر، حول فاعليتها بل حتى حول صدقيتها، ولكنها سرعان ما حازت شهادة المصداقية، بعدما أقر مالك عقار في بيان صادر عنه، بوجود مجموعات تنشط ضده بالنيل الأزرق، لدرجة أن الرجل قال: إن تلك المجموعات حرِّضت قبائل بعينها ضد قبائل أخرى في معسكرات اللاجئين. بل مضى بيان عقار إلى تحديد تلك المجموعة، وأشار إلى أنها سبق أن أيّدت قرارات مجلس التحرير في جبال النوبة. وهو ما يعني أن عقار الذي خسر معركة جبال النوبة، ربما يخسر معركة النيل الأزرق، ما لم يغيِّر من طرائق تفكيره.
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..