تخفيف دماء الأسفلت.. بمنطق المباصرة

أظننا شعبا بارعا جداً في تكييف ومباصرة أموره مع واقع الأزمات التي يعيشها وهذه الصفة نافعة وضارة في نفس الوقت.. ضارة لأنها هي التي تجعل الحكومة تنام على عسل صبرنا على كل الأشياء وهي الصفة التي تتسبب في تأخر كل محاولات التطوير والتغيير لهذا الواقع نحو الأفضل لأنه لا توجد لدينا في تصوراتنا ولا تصورات حكومتنا للأمور أشياء ملحَّة أو مشاكل طارئة جداً تستوجب وتستلزم من جهات الاختصاص الحل الفوري لها .
لذلك لا أتوقع ان نحضر زماناً تخطط فيه وزارة الكهرباء مثلاً أو تفكر مجرد التفكير في تحضير محطات طاقة كهربائية متنقلة توفر كبديل مؤقت للإمداد الكهربائي في حالات وجود أعطال تتسبب في انقطاع الكهرباء عن أي مكان مهما كانت أهميته .
ذلك لأن الدولة وبحكم طاقة التكيف مع الظروف المختلفة والتي يتمتع بها شعبها لا تشعر بضرورة التفكير في أي ترتيبات احتياطية أو بديلة لأي نوع من أنواع الخدمات بما فيها الخدمات الصحية وخدمات الإمداد المائي أو أي خدمة أخرى يحتاجها المواطن .
فمثلاً الطبيب الذي توفره لك الدولة ? لو فعلت ذلك ووفرته ? لو وجدته أنت في المستشفى فهذا خير وبركة أما لو أصابه هو أي عذر أو ظرف فهذه ليست مشكلتها بل مشكلتك أنت وعليك حلها..!
وكذلك الحال في جميع المرافق الخدمية الأخرى .
وجدت نفسي أتأمل ثقافة (المباصرة) هذه وأنا أطالع أمس خبر الحادث المروري المفجع الجديد الذي وقع في طريق الخرطوم مدني وراح ضحيته ثمانية أشخاص وأصيب فيه 30 مواطناً .
هذا النوع من الحوادث المتكررة التي تصبغ الأسفلت يومياً في الطرق القومية المختلفة بدماء الضحايا لا يفيد الجدل حولها أو في سرادقات عزائها وتجمعات المعزين على مسؤولية الدولة لأن ذلك سيكون حديثاً تائهاً داخل الواقع الاقتصادي للدولة ومبررات القصور المالي عن صيانة الطرق وتأهيلها بالصورة التي تقلل من نسبة الحوادث وترفع من درجة الأمان أثناء القيادة فينتهي النقاش دائماً بالدعاء للضحايا (اليومهم تم) بالمغفرة والرحمة واستذكار معاني اليقين الإيماني المطلوبة والتي تزودنا بالجرعات الأعلى من الصبر الذي نحتاجه .
لكن وبمنطق المباصرة هذا نفسه من الممكن أن تقوم السلطات ببذل جهود أخرى بديلة للحلول المثالية (المستحيلة) تلك تخفف بها هذا الألم المستمر وتحافظ بها على أرواح المواطنين بأن تحول مثلاً مشروع تفويج البصات السفرية الذي تنفذه بنجاح في مواسم الأعياد الى نظام مستمر طوال العام حتى يفتح الله عليها وعلى ميزانيتها بما يمكنها من إقامة طرق بالمواصفات الآمنة المعروفة .
ما الذي يمنع تحويل مشروع تفويج البصات السفرية الموسمي إلى نظام ثابت ومستمر؟ وكم سيكلف الدولة هذا الأمر لو قامت بتنسيق جهود الشرطة بين الولايات والمحليات المختلفة على امتداد مسار الطرق السريعة الرابطة بين الولايات بالتبادل طالما أن هناك واقعا معترفا به بخصوص ضعف سلامة الطرق وضعف بنيتها الفنية؟
التفويج الموسمي كان ناجحاً في تحقيق درجات أعلى من الأمان في مواسم الأعياد وكل المطلوب هو أن يصبح نظاماً مستمراً لا يرتبط بمواسم الأعياد ومهما كانت كلفة هذا الاستمرار فهي بالتأكيد لا تساوي شيئاً في سبيل تحقيق الأمان للمسافرين كما أنها تجسد معانٍ أسمى لدور الشرطة ودور الدولة وواجبها في المحافظة على أرواح المواطنين.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى

تعليق واحد

  1. الحل هو ان تقلع الظلط (الاسفلت) وتترك الردمية بحفرها ودقداقها حتى يعود الطريق قبل السفلتة ولكن بردمية فقط لمنع الوحل في الرمال او الطين او الميلانات الخطيرة حتى يعمل السواقين حسابهم ويكون سائق البص زي سايق اللوري في الخلا!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..