الأرض مقابل البقاء على قيد الحياة!!

الأرض مقابل البقاء على قيد الحياة!!

يقولون إنك إن أردت أن تسيطر على وضعٍ ما، فعليك البقاء تحت الأضواء (سلباً أو إيجاباً)، وهذا يُقال كثيراً عندما تتشابك المصالح وتتصادم الأهواء لدى أكثر الناس حظوة عند الرؤساء وأقربهم رحماً لصانعي القرار على مدار التاريخ. وذلك هو الحدّ الفاصل بين (الإنتهازية والدهاء) بين الذين برعوا في تسلق جدار القصور التي تتحكم في رقاب الناس، فالإنتهازية أمر منكر ومشين بإتفاق البشرية لمنافاتها كريم قيمهم، والدهاء سمة مطلوبة وبقوة لكونها الركيزة التي يُعتمَد عليها في بقاء الإنسان بمأمن من شرّ أخيه الإنسان.
لقد برع الناس ? هذه الأيام – كثيراً في تزيين مظاهرهم إخفاءاً لما يستبطون، أيما براعة، ولئن إتخذت الجبابرة (ممن زال رمسهم وإندثر رسمهم) أقسى أنواع الإنتقام عقاباً لمن سوّلت له نفسه إعتلاء العروش من غير (ظلال الله في الأرض)، فإن في هذا الزمان الذي نعاصر ذئاب تناسخت أرواحهم في أجساد البشر، ولمّا إعتلوا قصور (جمهوريات الموز)، صاروا أسوأ ممن سلف من عتاة الأباطرة.
وجنوب السودان الذي أطلٍّ على الوجود السياسي الدولي قبل ست سنوات كدولة حديثة توفّرت فيها كل مقومات النهضة الشاملة، هذا (الجنوب سودان) يرسم الآن حالة تماثلية بـ(الكربون) لدولة (فلينية) يقودها إمبراطور يمسك بحبال تفكيره ويتلاعب بـ(لحيته) عددٌ من الأباطرة الصغار المستبدين.
في جنوب السودان أبواق جوفاء ظلت تردد أهازيج القبلية والجهوية خلف قيادات جاهلة بمصيرها ومصير أمتها، وكأنك تنظر إلى حال (روما القديمة) وقد إنغمس حكامها في الملذات والترف في وقت تزحف فيه المسيحية نحوها ببطء وتؤدة، حتامَ آمن بالدين الجديد (الإمبراطور قسطنطين)، هبّت روما صباح يوم لتجد أسوارها تعلوها الصلبان والأجراس بدلاً من تماثيل أبطالهم الأسطوريين!! فما الذي يمنع قيام حكام جنوب السودان أن يهبّوا ذات صباح من سُباتهم وقد أحاطت بهم قوات بقبعات زرقاء (التتار الجدد)، وأمام قصر (جي ون) ومنزل كل مسئول (فرمان) مكتوب عليه بالبنط العريض (الأرض مقابل البقاء على قيد الحياة)!!
وفي دولة جنوب السودان قيادات ساذجة أدمنت البقاء تحت الأضواء فقط دون أن تعلم ماذا تريد أن تفعل من أجل بلادها، وفيالق من جنود الأمم المتحدة (التتار الجدد) تطأ الأرض هذه المرة ليس (صداقةً) وإنما (صداقاً) مؤجلاً لزواج غير شرعي دام ست سنوات، وتريد والدة العروس الآن مهر إبنتها، فعلى النائمين من (حكام جوبا) أن يهبوا من سباتهم إستعداداً للسداد.
في قديم الزمان كانت هناك وظيفة في بلاط الجبابرة تسمى (مهرج الملك)، وهي وظيفة خطيرة جداً على وضاعتها، فعلى عاتق المهرج تقع مسئولية إسعاد الملك و(الفضفضة) عنه من وعثاء التفكير في مسايسة الخاصة والعامة من أفراد مملكته، وفي جنوب السودان الآن مهرّجون كثر يقودهم رجل يدعى (جيمس واني إيقا)، وإيقا هذا بلغ به إجادة الدور مبلغاً لايستطيع معه الفكاك، فالرجل إتّسم منذ إنضمامه للحركة الشعبية لتحرير السودان بأنه الصورة التي تجمّل وجه الآخرين، فرضي بأن يكون ظلّ (الإستوائيين) في الحزب والحكومة.
إعتاد (إيقا) أن يمثل الجانب المُسَلّي حتى في اللحظات الجادّة، فمسألة أن يظل تحت الأضواء الكاشفة هي إسترتيجيته الوحيدة ليس لبلوغ القمة ? وليته عزم على ذلك ? وإنما لإضفاء صفة الشرعية على نظام بائن جهويته وإستبداده، وهو يعلم للأسف !!
ومهرّج جنوب السودان ليس في مقدوره القيام بأكثر مما يقوم به فعلاً، فهو في نهاية الأمر أحد من يخدمون سادة لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلوبهم، ولا يتوانون في الفتك بالأصدقاء والأعداء ما سنحت إلى ذلك فرصة. ولقد بلغت السماجة بالمهرج درجة التصريح في القناة التلفزيونية الرسمية بأنه (لن يترك منصبه كنائب أول للرئيس) للدكتور رياك مشار، ثم تنازل مكرهاً لخلف مشار السيد تعبان دينق. وهو التصريح الذي (إزدرده) هو بلا ماء عقب تنفيذ إتفاقية تهدئة الصراع في جنوب السودان (أغسطس 2015م)، وعودة مشار لمنصبه القديم..!!
وما يجمع (البقاء تحت الأضواء وتدخل القوات الأممية ووظيفة المهرّج في جنوب السودان)، أمرٌ واحد، وهو إنتهاء أسطورة الحركة الشعبية المزعومة في دولة جنوب السودان بأحد الأمرين، فإما إنفراط عقد القوم إلى مذاهب شتى ما بين السجون ودهاليز الإعتقال في الخارج، أوالتشتت مرة أخرى في غابات الإستواء الكثيفة متمردين ومتباكين على دولة ما استطاعوا المحافظة عليها كالرجال، وهو ما يعني في ختام الأمر إضمحلال (الدولة الوطنية) وإعادة إحتلالها مرة أخرى على غرار العراق، وفي هذه الحالة تكون (الأرض الجنوبية البكر مقابل البقاء على قيد الحياة) ولو داخل الزنزانات المظلمة.
هذا.. ولى عودة.

إستيفن شانج
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال ذو لغة رصينة عالية و سرد جميل لتاريخ سياسي قديم وربطه بحاضر دولة الجنوب الكئيب حالها والبائس شعبها ما بين الامل والخوف وما بين الوحدة والانفصال الداخلي بعد ان انفصلت رحميا عن الوطن الام السودان الكبير . ان استقرار دولة جنوب السودان لن يكون الا اذا ترك السادة اللهث وراء المناصب والسيارات الفارهة التي معلق عليها اعلام الدولة الرسمية تفاخرا و استعلاءا بين قوم هم اقرب للموت جوعا وفقرا وجهلا ودجلا . لكي يعيش الناس سواء لا بد من التخلص من كل اساطير التفرقة والتعالي بينهم .لك التحية الاستاذ استيفن شانج

  2. مقال ذو لغة رصينة عالية و سرد جميل لتاريخ سياسي قديم وربطه بحاضر دولة الجنوب الكئيب حالها والبائس شعبها ما بين الامل والخوف وما بين الوحدة والانفصال الداخلي بعد ان انفصلت رحميا عن الوطن الام السودان الكبير . ان استقرار دولة جنوب السودان لن يكون الا اذا ترك السادة اللهث وراء المناصب والسيارات الفارهة التي معلق عليها اعلام الدولة الرسمية تفاخرا و استعلاءا بين قوم هم اقرب للموت جوعا وفقرا وجهلا ودجلا . لكي يعيش الناس سواء لا بد من التخلص من كل اساطير التفرقة والتعالي بينهم .لك التحية الاستاذ استيفن شانج

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..