جمع العقول والقلوب قبل السلاح

أسمع وأشاهد تحركاً واسعاً هذه الأيام فيما أطلق عليه جمع السلاح يصاحبه زخم إعلامي ضخم وتصريحات سياسية واسعة. ولعل القارئ يتذكر عندما كان الوالي الطيب محمد خير (الطيب سيخة) قد قاد حملة ضخمة لجمع السلاح صاحبه أيضاً زخم إعلامي وسياسي واسع وتحركات إدارية لجمع السلاح ولكن للأسف لم ينتهِ إلى كما كان يراد له بل رأينا كيف تطورت الأحداث وكثر السلاح أكثر مما مضى وازدادت النزاعات والحروب لدرجة قبلت فيها الحكومة دخول عشرات الألاف من الجنود الأجانب في بلادنا (اليوناميد) لحفظ السلام في دارفور لأول مرة في السودان بدلاً من قواتنا النظامية الأمر الذي أضر بسيادتنا الوطنية وبالبيئة الاجتماعية والصحية.

لقد قال لي حينها مسؤول كبير في الدولة لا تكتبوا عن دارفور فسنحسمها في أسبوعين!!!؟؟ ولكن للأسف لم يحدث ذلك بل ازداد الأمر سوءاً وجرت أحداث كثيرة وخطيرة تحت جسور المشكلة وتعقدت الأمور أكثر بسبب فشلنا وتدخل جهات إقليمية جديدة لها تحالفات وأجندة ضارة تعمل ضد بلادنا وها نحن نعود اليوم لنتحدث عن جمع السلاح؟ والغريب في الأمر إننا نتحدث عن جمع السلاح في دارفور وكردفان ونحن نعلم أن العاصمة الخرطوم نفسها يدخل ويتجمع فيها السلاح. فإذا كنا لا نستطيع وقف ذلك ونجمع السلاح داخل العاصمة فكيف بدارفور وكردفان؟.

أقول أن المنهج المتبع الآن لجمع السلاح رغم أن جمعه مطلوب ويجب أن يكون احتكاراً فقط للقوات النظامية وحدها إلا إن ذلك المنهج يحتاج أولاً لعمل سياسي شامل وإلا فلن يكون النجاح حليفه. إن ما تجمع من سلاح في دارفور وغيرها قد حدث بعدة طرق منها الاستيلاء بسبب النزاعات وأخرى بسبب الشراء وأخرى بعلم الدولة وكل ذلك يحتاج لمعالجات مختلفة ويأتي على ذلك أمران أساسيان من دونهما لن تنجح الحكومة في جمع السلاح واحتكاره للقوات النظامية مثلما ظل قائماً منذ استقلال البلاد.

الأمر الأول هو جمع القلوب والعقول وتحقيق حل سياسي شامل لمعالجة جذور الأزمات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد فإذا لم تتحقق الثقة ويتفق الجميع حكومة ومعارضة وشعباً على وضعية سياسية جديدة وقواسم مشتركة وحد أدنى من الاتفاق السياسي وخارطة طريق لينتقل الجميع إلى السلام الدائم ووقف الحروب ويتحقق به الاستقرار يقبل الجميع بدستور ونظام حكم يقرر كيف يحكم السودان فلن أندهش إذا استمرت الأوضاع بل ساءت أكثر ولن تنجح حملة جمع السلاح مثلما فشل سابقاً.

الأمر الثاني لا بد من التعويض المالي المجزي للذين يقبلون بتسليم أسلحتهم فإذا قال البعض إن ذلك يشجع تجارة السلاح فيمكن وضع الضوابط اللازمة لذلك.

أخشى إذا وقعت الحكومة تحت قبضة أغنياء استمرار الحروب أن يؤدي ذلك إلى المزيد من انتشار السلاح والتدخل الخارجي وما أولئك الذين لديهم مصلحة في جذب المرتزقة من دارفور ببعيدين عنا!!

وكلمة أوجهها للمتمردين في دارفور وكردفان وحملة السلاح إتعظوا بما حدث للحركة الشعبية في الجنوب بعد الانفصال التي اختارت العمل المسلح فانتهت إلى دولة فاشلة وصراعات وقتال دائم.. جربوا العمل السياسي هو أفضل لكم ولمستقبلكم ومستقبل مواطنيكم.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..