حروب الوكالة لإفناء الذات وتبديد الصفات ..!

حروب الوكالة لإفناء الذات وتبديد الصفات ..!
السياسة في عصرها الحالي ماعادت ترتهن فقط الى الثوابت المبدئية التي يحكمها التعصب للعقيدة السياسية أو حتى الدينية بعيداً عن الآخذ باسباب المتغيرات والمياه الكثيرة التي جرت تحت جسور العالم.. ولم تعد كما كانت في زمن حالة الإستقطاب الحادة بين القطبين الكبيرين وما سادها من صنوف الحرب الباردة قبل انهيار امبراطورية المعسكر الإشتراكي وسقوط جدران برلين الذي كان حد السيف الفاصل بين القوتين المهيمنتين على العالم حينها بالمناصفة إلا فيما ندر من بعض المناطق كحالات إستثنائية لها ظروفها الخاصة .
الآن العالم الحديث يعيش مرحلة مايوصف بالسياسات البراجماتية التي تغلب حصادات المصالح على مسالة المبادي أوالعقيدة السياسية .. وهي النتائج التي قد تتأتى بالتحاور بين الكبار من تحت الطاولات بعيداً عن أنظار الصغار وليس بالضرورة حسما بكسب المعارك المباشرة في ميادين الوغى ..بينما دروايش السياسة الجدد من المتشددين والمهاويس العقائديين في منطقتنا يعيشون في أحلام يقظتهم على خدر الفكر الظلامي باسترجاع عجلة التاريخ سباحة عكس تيار الزمن الجارف و يتوهمون أنهم قادرون على حكم العالم بسيوف الماضي واستدعاء القدرات الغيبية لتدمير الحضارة الإنسانية في مبانيها ومعانيها .. دون أن يعوا أو يتفكروا في أنهم يعيشون عالة على غيرهم ممن يدعون العداء لهم حتى في استخدام ابسط أدوات حربهم على مُقدرات الحداثة وهم في نهاية المطاف لابد أنهم سيضيعون سحقا كالعشب تحت أرجل أفيال صراع المصالح ..ويكون حصادهم الفناء حتى بايديهم لا بيد غيرهم وهاهم يتنقلون بحثاً عن مخابي النجاة و قد قلب عليهم الذين صنعوهم أدوات في بؤر الصراع ظهر المجن بعد أن أدوا دورهم بغباء على مسرح الخديعة !
ربما خرجت الحرب الباردة من بوابات واسعة وهي التي كانت تدور في كثير من جهات العالم إبان حالةالإستقطاب بين المعسكرين الإمبريالي واليساري وهو الصراع الذي كان يستند الى تأصيل الجوانب المبدئية في السياسة أكثر من تركيزه على المصالح الإقتصادية التي كانت محسومة ضمناً ومقسمة تبعا للرؤية الإستعمارية التي وزعت مناطق العالم حتى في الجوانب الثقافية وأعطت كل من الكبار حصته من خيرات ومقدرات وألسنة شعوب العالم الثالث بصفة خاصة !
الآن عادت تلك الحرب من نافذة منطقة الشرق الأوسط التي تكمن في جوفها ثروات ومياه و تشكل بحارها حضنا دافئا لكل الطامعين ..في مناطق الذين وجدوا أنفسهم دون وعي وكلاء يقومون بتلك الحروب وباسلحة يدفعون فيها الثمن مزودجا بين الدم الذي يسيل في الميادين وبين المال الذي يدخل الى حسابات المحرضين والذين هم تجار سلاح ذات المعارك بين الباحثين عن الأمان في أحضان من يخيفهم هرباً من خوفٍ آخر !
فالكباروعبر ديمقراطيتهم العريقة دائما يعالجون مشاكلهم البينية بالتفاهم المباشر ويفضون خلافاتهم الداخلية بتحكيم الدساتير أو بالإستفتاءات التي تشرك الشعوب في إتخاذ القرارات المصيرية وما خروج بريطانيا من منظومة الإتحاد الأوروبي إلا الشاهد على ذلك المنحى الحضاري وحتى قرارات رؤسائهم المتهورة الدوافع تقف المحاكم المستقلة بالمرصاد لها وتقول لصاحبها قف عند حدك !
وكمثال نجد استفتاء بريطانيا الذي أدى الى ذلك الخروج الناعم انه قام على ركيزة وعي المواطن هناك ومايراه محققاً لذاته و مصلحته القومية .. وليس كالذي تم في جنوب السودان دون توفر مقومات الدولة الأساسية فكان الإنهيار الذي جعل شعبها بلا هوية جديدة وليس قادراً على استعادة نصف هويته التي فقدها … وهو ذات الخطأ الذي يندفع اليه الأكراد بنية خروجهم من عباءة الدولة العراقية ..و إذا ما تم في حالة تحققه في الخامس والعشرين من الشهر الجاري فانه سيولد دولة معزولة إقليميا ربما يقودها الندم في مقبل الأيام للحنين الى حضن الدولة العراقية على ما فيها من علل ونزاعات !
أما الذين يتخطون شعوبهم ويتبعون هوى الخوف طلبا لحماية الغريب لبعضهم من بعضهم فإنهم يضعون بلادهم في أتون الصراعات التي تحرق يابس الماضي وأخضر الحاضر و غض المستقبل ويدفعون فواتير هلاكهم من جيوبهم !
فلا خلاص لهم لويعلمون إلا بحك جلودهم بأظافر شعوبهم بعدعودتهم اليها وجعلها شريكا في إتخاذ القرار وليس منفذا بالتضحيات الجسام لرغباتهم السلطوية دون قناعة لا بالأسباب و لا أملا في خير النتائج .. بل تحقيقاً لما يطلبه الحكام الجالسون على عروش العز واياديهم في الماء بينما ذوي الذين يموتون من أجل بقائهم على ىسدة السلطة هي المحترقة دوماً في تلك اًلنار التي لن تطفيها إلا عصارات العقول لو أنها سكبت حبراً يخط سطور الحكمة على قرطاس الخرائط.. لا زيتاً يزيد من إيقاد نيران الفتن المصطنعة التي تحرق خطوط التواصل في رقعة ترسيم جغرافيتهم اللصيقة عبر كل حقب التاريخ وفي كل تفاصيل التقارب الكفيل بـتأصيل التوحد والتلاحم وليس التباعد والفُرقة !
محمد عبد الله برقاوي ..
[email][email protected][/email]